أمريكا وحديثها عن (القانون الدولي)..؟!

طه العامري

 

 

في تعليقها على الخطوة الجبارة التي أقدمت عليها القوات البحرية اليمنية في البحر الأحمر والمتمثلة في احتجاز السفينة الصهيونية (جالاكسي لايدر)  قالت ( واشنطن)  وعلى لسان مسؤول أمنها القومي” إن ما قامت به اليمن يعد (انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وعمل إرهابي يزعزع استقرار وسلامة الملاحة الدولية”؟!
كنت أتمنى من الصحفيين الذين أصطفوا أمام (كيربي)  مسؤول الأمن القومي الأمريكي وهو يتحدث أمامهم بهذا الكلام أن يسألوه، هل ما يجري في ( قطاع غزة) من جرائم وحرب إبادة بحق الاطفال والنساء والشيوخ، يتوافق مع القانون الدولي..؟!
أعرف ونعرف جميعاً، أن أمريكا وكل مسؤوليها وكتابها وإعلامها، حين يتحدثون عن القانون الدولي، هم لا يتحدثون عن القانون الدولي الذي نعرفه والصادر عن الأمم المتحدة، أو المتصل بالقيم الدولية المكرسة لترسيخ قيم وقوانين الشرعية الدولية التي لا تعترف بها أمريكا، إنما القانون الدولي الذي تتحدث به أمريكا وتعنيه هو القانون الأمريكي الخاص بها والذي فرضته على العالم بديلاً عن القانون الدولي الحقيقي المتفق عليه أممياً..!
أمريكا ومنذ العام 1990م بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه وانهيار دول المعسكر الاشتراكي، نصبت نفسها زعيمة وقائدة لما وصفته ب (العالم الحر) ومن لحظتها الزمنية تجاهلت أمريكا كل القوانين والشرائع الدولية، وفرضت بديلاً عنها قوانينها وشريعتها، وإيغالاً من واشنطن في إهانة المجتمع الدولي، عملت على تجريد الأمم المتحدة ومجلس أمنها وحتى الجمعية العامة من أدوارهم المكفولة وفق قوانين إنشائها.
إذاً، حديث أمريكا عن (القانون الدولي) إنما يتصل بقانونها الذي فرضته على العالم وحيدت أمريكا وعلى مدى ثلاثة عقود المنظمات الدولية وقوانينها وراحت تفرض على العالم قوانينها الخاصة المتصلة برغبتها في الهيمنة والتسلط وإدارة المجتمع الدولي وفق قوانينها وتشريعاتها وبما يحقق مصالحها ويعزز نفوذها على الخارطة الكونية..!
وبمعزل عن القانون الدولي شنت أمريكا حرباً على جمهورية يوغسلافيا تحت مظلة حلف الأطلسي وعملت على إسقاط نظام هذه الدولة ومن ثم تقسيمها إلى عدة دول وإشعال حرب عرقية بين مكوناتها الاجتماعية، حدث هذا دون تدخل من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، بل بقرار من أمريكا..!
كذبت أمريكا على العالم والمنظمات الأممية في دوافعها لغزو العراق وإسقاط نظامه وتدمير قدراته المادية والمعنوية ونهب ثرواته وتمزيق نسيجه الاجتماعي والذريعة المكذوبة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل..؟!
ابتكرت أمريكا ( قوانين العقوبات الاقتصادية والحصار)  على الدول والأنظمة التي لا تسير وفق ارادة واشنطن ورغباتها.. هذه القوانين ابتكرتها أمريكا بمعزل عن الإرادة الدولية والمنظمات الدولية ذات الصلة..؟!
استغلت أمريكا هيمنتها الدولية وقدراتها الاقتصادية والعسكرية لتطويع ارادة الدول والشعوب وابتزازها من خلال الدول المانحة عبر المساعدات الاقتصادية أو من خلال البنك والصندوق الدوليين اللذان تسيطر عليهما أمريكا..؟!
بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م وجدت أمريكا نفسها أمام فرصة تاريخية لتكشر عن أنيابها الاستعمارية المتوحشة لتفرض قانونها على العالم تحت شعار ( من لم يكن معنا فهو ضدنا)  فاستباحت بقانونها الاستعماري سيادة دول وأنظمة وبمعزل عن المنظمات الدولية وقوانينها، بل لم تعترف أمريكا يوماً بالقانون الدولي، لكنها أعملت قانونها الخاص كبديل للقوانين الدولية..؟!
ومن يوغسلافيا إلى أفغانستان، إلى العراق وليبيا، وسوريا واليمن والصومال قبل كل هؤلاء، مارست واشنطن أبشع وأقبح التجاوزات والانتهاكات بحق سيادة دول وأنظمة وصلت درجة إسقاط أنظمة وإعادة تشكيل جغرافية دول، أقدمت على ارتكاب كل هذه الجرائم وفق قانونها الخاص المنافي للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة وبمعزل عن مجلس الأمن الدولي المعني بصون أمن وسيادة واستقرار العالم، حتى أن هذا المجلس أصبح جزءاً من مجلس الأمن القومي الأمريكي، فيما الأمم المتحدة تحولت إلى  مجرد تابع لمكتب العلاقة العامة بالخارجية الأمريكية..؟!
إذاً فإن ما يحدث في غزة من جرائم تتطابق في الواقع مع القانون الدولي الأمريكي ولا تتعارض معه، وما حدث في البحر الأحمر من قبل اليمن قطعاً لا يتسق مع القانون الأمريكي وبالتالي هو حادث يمثل بنظر أمريكا انتهاكاً صارخاً لقانون أمريكا الخاص، الذي به هاجمت العرب والمسلمين وبموجبه شنت عدوانها على اليمن في مارس 2015م وبموجبه تحاصر وتعاقب إيران وسوريا وتفرض عقوباتها على قادة البلدين وعلى قادة المقاومة، وعلى قيادة أنصار الله، وبموجب قانونها الخاص تقتل خصومها  وتستهدفهم بطائراتها المسيرة، وقانونها هذا يشجع ويدعم الكيان الصهيوني ويمنحه الغطاء السياسي ويمكنه ومستوطنيه من مواصلة قتل الشعب العربي في فلسطين وتوسيع بؤر الاستيطان حتى أن الدولة الفلسطينية المتفق عليها دولياً والمفترض أن تقام على مساحة 42% من مساحة فلسطين الطبيعية، لم يعد المتاح منها بتجاوز 11%  فقط بعد أن اقتطع الكيان النسبة الكبيرة من أراضي دولة فلسطين الافتراضية لصالح مشاريع الاستيطان..؟!
لذلك فإن ما أقدمت عليه صنعاء هي أنها تحدت القانون الأمريكي الذي لم يجرؤ أحد أن يتحدها بما في ذلك دول كبرى ومحورية.
نعم صنعاء لم تخالف القانون الدولي ولم تتحدى القانون الدولي، لكنها تحدت القانون الأمريكي المفترض انه قانون مقدس وتجاوزته وبالتالي مّست الهيبة الأمريكية التي لم يجرؤ أياً كان أن يمسها منذ قررت أمريكا تنصيب نفسها سيدة على العالم، لكنها وجدت نفسها في لحظة تاريخية هي في أمس الحاجة فيها لإثبات حضورها واستعراض قدراتها وإن عبر أجساد أطفال ونساء وشيوخ غزة، حيث الحرب الاجرامية هناك حاجة أمريكية أكثر من كونها رغبة صهيونية في استعادة هيبة أهدرت..؟!
صنعاء أقدمت على فعل لم يجرؤ عليه أحد قبلها، حين تحدت وأقدمت على إهانة إمبراطورية الكابوي ورعاة البقر، وكأن صنعاء بفعلتها هذه تطلق رصاصة الرحمة على رأس الهيبة الأمريكية المترنح..؟!

قد يعجبك ايضا