معركة الوعي.. قراءة سريعة عن اختلال موازين القوة.. وحق امتلاك سلاح الرد والردع (الحلقة السادسة)

صادق صالح الهمداني

 

إن امتلاك سلاح الرد والردع حق مشروع للدول على حد سواء، وفكرة أن يظل السلاح الأكثر فتكاً بيد دول لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة كانت فكرة شيطانية في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، والهدف منها استعباد الشعوب ونهب مقدراتها.
وقد أثبتت تلك السياسة فشلها بسبب استخدام دول الاستكبار العالمي أمريكا وحلفائها لأسلحة الدمار الشامل في اليابان وفيتنام والعراق وأفغانستان واليمن فضلاً عن تزويد حلفائها في الخليج والكيان الإسرائيلي بترسانة هائلة من أسلحة الدمار في الوقت الذي يتم فيه منع الدول العربية والإسلامية المناهضة لتلك السياسات العدوانية من امتلاكه أو الحصول عليه.
لكنه وبعد المجازر وحرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني وعجز المجتمع الدولي عن كبح جماح قادة الكيان الصهيوني عن وقف تلك المجازر أصبح من حق دول محور المقاومة والشعوب الحرة الرافضة للوصاية الخارجية في زمن انهيار منظومة القيم، الدفاع عن نفسها وامتلاك السلاح الرادع لأي عدوان يشن عليهم.
وأصبح على العرب والمسلمين اليوم استشعار مسؤولياتهم التاريخية وواجباتهم الوطنية والقومية والدينية ومراجعة حساباتهم، بدء بتجاوز خلافاتهم ومروراً بإدراك ومعرفة حقيقة وأبعاد ما يجري في المنطقة والعالم وصولاً لدورهم في حماية مصالحهم وأمنهم ومقدساتهم…
خاصة بعد أن اتضح للجميع مدى عبث دول الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا واستخدامها للمجتمع الدولي كمطية لتمرير مخططات الهيمنة والاستعباد للشعوب ونهب مقدراتها وثرواتها، في ظل نظام الغاب وسيطرة القوي على الضعيف الذي يفرض شروطه في عالم لا يعترف فيه بالضعفاء..
لقد تمادت دول الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا ومجموعة جوقة الدول الغربية وملحقاتها من دول العالم بما في ذلك أنظمة الهرولة والتطبيع والعمالة والموالاة والانبطاح للعدو الصهيوني كثيراً
في جرائمها وعبثها وسيطرتها على ثروات ومقدرات ومصير الشعوب الحرة وحرمانها من الاستفادة منها ولن يوقفها إلا العمل لتغيير تلك المعادلة جذرياً..
إن المجازر الوحشية وحرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها المليشيات الصهيونية وتعطشها لسفك المزيد من دماء المدنيين في قطاع غزة بدعم أمريكي على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي المنافق، قد كشفت عجز المجتمع الدولي بكل مؤسساته وهيئاته الدولية والحقوقية.
كما أزاحت تلك المجازر الستار عن حقيقة وقبح ما يجري في الأراضي العربية المحتلة، وهذا ليس له إلا تفسير واحد ..يمكن استنتاجه من خلال تحليل مجريات الأحداث لأبرز المواقف والتصريحات الصادرة عن مسؤولين في الإدارة الأمريكية والتي عبروا فيها عن قلقهم من الجنون الهستيري لنتن ياهو وقادة حرب كيان الاحتلال الإسرائيلي والاستهداف العبثي للمدنيين في غزة دون تحقيق أي أهداف للكيان الصهيوني، ما جلب حسب تعبيرهم لأمريكا المزيد من السخط والغضب الشعبي الذي تشهده معظم عواصم دول العالم ومنها مدن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وعدد من الدول الغربية..
لقد كٌشف القناع عن زيف تلك الشعارات التي كانت تتشدق بها أنظمة تلك الدول في تسويق عبارات ومصطلحات خادعة مثل الشفافية، والحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.. في الوقت الذي سارعت فيه لقمع المسيرات والوقفات الاحتجاجية ومنعها من الاستمرار في تنظيم الاحتجاجات المنددة بتلك المجازر الوحشية المروعة بحق أبناء الشعب الفلسطيني وبذلك تكون قد طرقت أخر مسمار في نعش تلك الشعارات الخادعة الجوفاء، ما شكل تناقضًا في سياستها كدول مارقة تعيش أزمة وحالة من الازدواجية والتناقض والانفصام والفراغ القيمي والأخلاقي والإنساني بسبب تلك السياسات المختلة، والداعمة لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
وإنه لولا الدعم والحماية والغطاء الأمريكي الغربي لما تمادى قادة الكيان الصهيوني في تدمير نصف مساكن مدينة غزة على رؤوس ساكنيها، ولأكثر من شهر ونصف ما أدى إلى استشهاد وجرح أكثر من 35 ألف من الضحايا المدنيين، وارتقاء ما يقارب من 12 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء..
لقد أظهرت تلك المجازر قبح أمريكا وحلفائها أمام شعوب العالم، ولم تستطع الاستمرار في تلك المغالطات لتجميل وجهها السافر والبشع أمام ما تتعرض له من ضغوط ومطالبات عالمية بسرعة وقف تلك المجازر وإجبار قادة الكيان الإسرائيلي على القبول بهدنة إنسانية لإدخال الغذاء والوقود والدواء للسكان في غزة، فضلاً عن وقف ارتكاب المزيد من تلك المجازر وتجنب استهداف المدنيين.. وقد لوحظ مدى ضعف وتذبذب الموقف الأمريكي من خلال تصريحات الرئيس الخرف بايدن..
إضافة إلى عجز المجتمع الدولي بكل مؤسساته الحقوقية والإنسانية بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية.. وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة أنطوني غوتريش في تصريحاته التي كان آخرها مناشدته باسم الإنسانية، بعد أن عجز عن إنفاذ القانون الدولي، من ثم ثبت للجميع عدم فاعلية تلك المؤسسات الدولية وعدم قدرتها على إيقاف تلك المجازر أو حتى كسر الحصار المفروض لوقف حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق ملايين السكان في مدينة غزة المكتظة بالسكان، وما تعرضت له من تدمير متعمد لكل سبل ومقومات الحياة فيها، فمن لم يمت بالقنابل والصواريخ والأسلحة الأمريكية المحرمة دوليا يموت جوعًا وعطشاً.
لقد شاهد العالم تلك المجازر المروعة وتابع الرسائل المؤثرة التي بثها الإعلام عن استشهاد أسر بأكملها بالقصف الوحشي وهم جوعى وعطشى، وخاصة أولئك الذين أكد الناجين من أقاربهم حقيقة ذلك، وقد حركت تلك الرسائل المؤلمة المشاعر الإنسانية وأيقظت ضمائر الكثير من أحرار العالم لتشكل وعياً عالمياً مندداً بسياسات القطب الواحد، ومن ذلك ما أشار إليه الرئيس التركي أردوغان بقوله “يجب أن لا يظل العالم مرهونًا باحتكار خمس دول على حق النقض الفيتو”.
نعم لقد بلغ السفه الأمريكي مداه، حيث تم استخدامه للفيتو ثلاث مرات خلال شهر واحد من أجل حماية الكيان الإسرائيلي والحيلولة دون تنفيذ القانون الدولي وإلزام هذا الكيان الإجرامي بمراعاة قواعد الاشتباك.. واحترام المواثيق الإنسانية والأخلاقية …
إن هذا العجز والتخاذل المخزي والمعيب للمجتمع الدولي ليس له ما يبرره سوى تفسير واحد مفاده أن الكيان الصهيوني هو المسيطر على القرار السياسي والعسكري والاقتصادي في تلك الدول.
حيث تقف تلك الدول وراء سياسة فرض التنفيذ الانتقائي للقانون الدولي والمعايير المزدوجة وتلعب دوراً متحيزاً في تأمين الكيان الإجرامي من العقاب ليتمادى كثيراً، وقد أساء الأدب وتجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية والأخلاقية والإنسانية.
وعلى الأحرار في العالم عدم القبول بعد اليوم بتمرير تلك السياسات الانتقائية والمغالطات السافرة التي تريج للأباطيل والأكاذيب التي تبرر للمجرم وتدين الضحية خاصة وهناك قائمة من البرلمانيين والحقوقيين الذين أعلنوا تطوعهم للقيام برفع الدعاوى وملاحقة قادة الكيان الصهيوني في محكمة الجنايات الدولية بصفتهم مجرمي حرب ومحاسبتهم على ارتكاب تلك المجازر وجرائم الحرب في غزة.
إن اختلال موازين القوى قد أدى إلى هيمنة دول الاستكبار بقيادة أمريكا في ظل ازدواجية المعايير، وسياسة التفريق والفرز في التعاطي مع دول تمتلك القدرة على المواجهة وأسلحة الردع مثل روسيا والصين، والتعامل مع القضايا العربية والإسلامية بمنظور مختلف كالذي حدث في اليمن والعراق وأفغانستان وفلسطين ما يدعو العرب والمسلمين اليوم لمراجعة حساباتهم..
فالنظام العالمي الجديد قد أكد مرارا أنه لا يعترف بالكيانات الضعيفة والصغيرة والمجزأة وبذلك يكون قد قرع أجراس الخطر وعلى الأمة العربية والإسلامية استنهاض الهمم وتشغيل العقول العربية والإسلامية إلى أقصاها لامتلاك سلاح الرد والردع العربي والإسلامي الذي يضمن إيقاف الصلف والعربدة الصهيونية الأمريكية في المنطقة، وهذا لن يتأتى إلا من خلال التعاون وتوحيد الجهود والاستفادة من تكنلوجيا التطور الرقمي في ظل التحولات الطارئة التي يشهدها العالم لمواكبة تطوير سلاح الرد والردع.
ويمكن للعرب والمسلمين تجاوز تلك المعضلة والحيلولة دون استمرار المجتمع الدولي مطية بيد الدول التي تمتلك تقنية السلاح الفتاك، وعدم ترك المجال لاحتكار واستغلال دول الاستكبار لتكنولوجيا المعلومات والاتصال والإعلام الرقمي في تنفيذ أهدافها ومواصلة السيطرة على ثروات الشعوب ومقدراتها وحرمانها منها أو تبديدها في صراعات عبثية..
إنه لمن المرعب والغريب أن يستمر العرب والمسلمون وأحرار العالم في ذلك الغباء رغم امتلاكهم لمقومات القوة الحقيقية.
وعليهم جعل تلك المهام من أولويات المرحلة الحالية وفي المستقبل.. وذلك في إطار استشعار المسؤولية تجاه توفير الأمن الوقائي لأبناء الأمة العربية والإسلامية..
إن الإدراك الواعي يتطلب اليوم بناء القدرات العسكرية والدفاعية “يد تحمي ويد تبني»، وبالتوازي مع مجالات التنمية الأخرى كبناء المشافي والمدارس والجسور والطرق والمساجد والأسواق والأبراج والمجمعات السكنية.. وصولاً لتوفير الحماية الكفيلة بإيقاف استهداف المدن الآمنة كما حدث في غزة وغيرها، وحتى لا يكون عدوك قادرا على تدمير تلك البنية وأنت عاجز عن حمايتها.. نعم نحتاج للبناء والإعمار ولكن بعد أن نمتلك ناصية العلم، وتقنية السلاح الرادع والفتاك الذي نستطيع من خلاله إيقاف العدو من الاستمرار في ارتكاب حماقاته في التهديد بمسح مدن من الخارطة وإبادة أسر بأكملها من السجل المدني كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة هيروشيما باليابان، وفي العراق وأفغانستان والعديد من الدول الأخرى، وما يفعله الصهاينة اليوم في قطاع غزة..
إذ لا قيمة لتلك الحضارة التي تبنيها ليأتي المجرمون والأشرار بطائراتهم وصواريخهم فيدمرونها في لحظات.. وهنا نستشهد بما قاله الشهيد اليمني الحر حسن الملصي (أبو حرب) قائد جبهة نجران لابنته حين طلبت منه بناء مسكن لهم.. بقوله لها: «هل نبني لنا منزلاً لتأتي طائرات تحالف العدوان السعودي الإماراتي لتهدمه على رؤوسنا.. سنبني منزلنا عندما نكون قادرين على امتلاك سلاح الردع والرد على أي اعتداءات قد تستهدف بلادنا».
وقد ركز كل همه على تدمير أجهزة الرقابة الذكية التي وضعها العدو في جبهات نجران وجيزان وعسير ليتمكن جيشنا وأبطال اللجان الشعبية من تحطيم وتجاوز تلك الحواجز والسياجات التي بناها العدو على غرار القبة الحديدية التي وضعها الكيان الصهيوني، ومن ثم القدرة على مهاجمة العدو في عقر داره، وهو تحول استراتيجي.. توج بامتلاك القدرة على تطوير القدرات والمهارات العسكرية والدفاعية للقوات المسلحة اليمنية وصولا لتحقيق توازن الردع في إطار استراتيجية الرد والردع بالصواريخ المجنحة والطيران المسير.
نحن في اليمن عشنا وضعاً مشابهاً لما يعيشه إخواننا في غزة، وعلى مدى تسع سنوات من العدوان والحصار دمرت فيه طائرات وصواريخ تحالف العدوان وبمشاركة ودعم أمريكي بريطاني مقدرات الشعب اليمني وبنيته التحتية حيث هدمت المساكن على رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء والشيوخ ودمرت المدارس والمساجد والأسواق وآبار المياه والصرف الصحي والطرق والجسور..
كما تم استهداف المدنيين في العاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية باستخدام تحالف العدوان السعودي الإماراتي للقنابل الفوسفورية والأسلحة المحرمة دولياً على مدى تسع سنوات من العدوان، وبالتزامن مع حصار شامل ونهب منظم لثروات الشعب اليمني من النفط والغاز، وما يزال شعبنا يعاني من تداعيات وآثار العدوان والحصار حتى اليوم..
ولم ترتفع دعوات أمريكا ودول العدوان على اليمن بالمطالبة بالحل السياسي في اليمن إلا بعد أن امتلك اليمن تقنية سلاح الرد والردع، وأصبح اليمن بفضل الله واقتدار القيادة الثورية والسياسية قادرا على استهداف العمق الحيوي لعواصم دول تحالف العدوان في أرامكو وأبو ظبي.. ومن ثم القدرة على منع سرقة ونهب ثروات الشعب اليمني النفطية لأن دول الاستكبار والعدوان في العالم المادي الذي تجرد من إنسانيته وضميره لا تحترم إلا قانون القوة …
هذا الإدراك الواعي لا يصل إليه إلا من كان صاحب قضية ومسؤولية تجاه شعبه وأمته.. ومصدر فخر وتقدير كل يمني حر تجاه جهود القيادة الثورية والسياسية في تطوير الدفاعات الجوية وصولا ًلصناعة الصواريخ والطائرات المسيرة التي مكنت اليمن اليوم بأن يكون رقماً صعبا في معركة طوفان الأقصى رغم بعد المسافة، وإن كانت اليمن ليست من دول الحزام حول كيان الاحتلال الإسرائيلي… ولكن كان لها موقف وحضور مشرف ينسجم مع تطلعات الشعب اليمني ومواقفه الثابتة تجاه قضايا الوطن والأمة العربية والإسلامية..

قد يعجبك ايضا