برز السيد عبدالملك الحوثي كقائد للمسيرة القرآنية في ظروف صعبة جداً، بعد انتهاء الحرب الأولى التي شنها النظام الظالم آنذاك على الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي في مران بهدف القضاء على المشروع القرآني الثقافي التوعوي المناهض للسياسات الأمريكية الإسرائيلية الاستعمارية بحق أبناء الأمة العربية والإسلامية ومنها اليمن، وكان هذا الظهور الأول خلال بيان أصدره السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 25-5-2005م، يرد فيه على حملات التضليل والتحريض التي يشنها إعلام السلطة آنذاك بعد حوار صحفي أجرته صحيفة الوسط مع والده العلامة بدرالدين الحوثي، قال فيه: (وإني أعلن أن لا قضية لنا نسعى من أجلها في هذه المرحلة إلا تذكير عباد الله بمسؤولياتهم تجاه ما تعمله أمريكا وإسرائيل والسعي لأن يكون موقفنا جماهيري إسلامي على ضوء القرآن الكريم تجاه العدو الصريح للإسلام والمسلمين)، وهنا أدعوكم للتأمل جيداً في النص بين القوسين وأبعاده ودلالاته.
ومنذ تلك اللحظة برز اسم عبدالملك الحوثي العشريني كقائد للمسيرة القرآنية، والذي كان في كل حركاته ومواقفه يهدي الأمة إلى القرآن الكريم ويوجه بوصلة العداء إلى أعداء الأمة الحقيقيين الذين ذكرهم الله في القرآن من اليهود والأمريكان، ويقدم للأمة العربية والإسلامية الرؤية الصحيحة لمواجهة أعدائها من الأمريكيين والصهاينة، والحل الذي يضمن لها النصر العظيم والفتح المبين، فدعاها للعودة إلى الله والثقة به، وإحياء روح الشعور بالمسؤولية، وإحياء الروحية الجهادية بين أوساط الأمة لتحظى بعزتها وكرامتها ولتستطيع الدفاع عن نفسها.
كان الشناة يلمزون صغر سن هذا القائد، ويسخرون ويستهزئون ويشككون في مصداقية هذا المشروع الذي يتحرك به، والمواقف التي يتبناها في مختلف المجالات، ويواجهونها بحملات إعلامية تمولها السفارة الأمريكية بصنعاء وينفذها صحفيو السفارات من النخب الموجودة آنذاك والذين انكشفوا بعد العدوان الأمريكي السعودي على اليمن بأنهم عملاء للأمريكي يتحركون وفق الموجهات التي يحددها لهم، ويهاجمون القوى التي تتحرك ضد الأمريكي وسياساته، وينفذون مخططاته، ولا يبالون بالوطنية أو بيع البلد للأجنبي.
وفي كل المراحل والأحداث التي كانت تمر بها الأمة العربية والإسلامية منذ انطلاق المسيرة القرآنية إلى اليوم كانت الأيام تثبت صدقية هذا القائد وهذه المسيرة وجدارته للقيادة، وجدوائية المشروع الذي يتحرك به والذي كانت أولى محاضرته التي القاها الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي (يوم القدس العالمي) والذي شخّص فيها الوضعية التي تعيشها الأمة، واحتلال اليهود لفلسطين وارتكاب أبشع الجرائم من القتل وتدمير المنازل واغتصاب الأرض، ونهب الممتلكات لأبناء الشعب الفلسطيني، وحدد فيها الحل والمخرج للأمة وللشعب الفلسطيني للخروج من حالة الذل والهوان من قبل من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة.
وطوال عشرين عاماً منذ انطلاق المشروع القرآني في 2002م، إلى اليوم كانت مواقف المسيرة وقائدها المبارك تجاه القضية الفلسطينية والمقدسات والأخوة الإسلامية ثابتة لا تحيد عن القرآن الكريم، معلنة لا تتزحزح راسخة رسوخ الجبال الرواسي.
واليوم وبعد عملية طوفان الأقصى المباركة التي نفذها المجاهدون من حركة حماس الفلسطينية ضد الصهاينة رداً على جرائمهم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، ولقنوا هذا العدو دروساً لن ينساها مدى الحياة وأظهروا عجزه وهشاشته وضعفه، قام العدو الإسرائيلي برد هستيري على أبناء غزة وارتكب أبشع الجرائم الجماعية التي تدمي القلوب، وقتل الأطفال والنساء والمدنيين في بيوتهم، ولا زال مستمراً في الجرائم وسفك الدماء..
كانت مواقف الدول العربية والإسلامية ضعيفة جداً ومخزية، ولم يتحرك أي منها بأي موقف يرقى إلى مستوى الحدث، بل إن بعض الدول العربية تماهت وأعانت العدو، وجعلت من أجوائها ساحات متقدمة للدفاع عن العدو الصهيوني، كما فعلت السعودية والأردن، وشاركت بحصار أبناء غزة كمصر.
وفي هذه اللحظة الحرجة والصعبة والخذلان العربي والإسلامي للشعب الفلسطيني، جاء الموقف اليماني التاريخي لقائد يماني عربي مسلم اسمه عبدالملك بدرالدين الحوثي وشعب يمني مسلم، والذي أعلن الالتحام الكامل مع المقاومة الفلسطينية في غزة وشعب فلسطين ككل على كافة المستويات سياسيا وشعبيا واقتصاديا وعسكريا ابتداء من إطلاق الصواريخ والمسيّرات على عمق الكيان الغاصب وانتهاء بإعلان البحر الأحمر منطقة محظورة على السفن الصهيونية.
وهنا يبرز تساؤل، لدى الجميع، عن ماهية الدوافع التي جعلت اليمن وقيادته ممثلة بالسيد القائد عبدالملك الحوثي – وهو يعاني من عدوان أمريكي سعودي للعام التاسع على التوالي وحصار مستمر، وانعدام للموارد – يتخذ مثل هذه المواقف.
ما هي الدوافع التي جعلت هذا القائد الشجاع المؤمن لا يخاف ولا يطأطئ رأسه للتهديدات الأمريكية والإسرائيلية؟!.
ما هي تلك الدوافع فكل شعوب الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم والأعداء قبل الأصدقاء تنظر إلى هذا القائد وهذا الشعب وتبحث عن السر الذي صنع هذه المواقف المعجزة في زمن، والناصرة في زمن الخذلان.
ما هي الدوافع التي جعلت هذا البلد العربي المحاصر والمعتدى عليه يستطيع أن يبني قوة عسكرية ذات قدرات متطورة صاروخية وطائرات مسيّرة تقصف الكيان الصهيوني الغاصب في جنوب فلسطين المحتلة الذي لم يقصف من أي دولة عربية منذ نشأته، ويعلنها بالفم المليان سنستمر بقصف الكيان الصهيوني طالما استمر العدوان الإسرائيلي على إخواننا في غزة.
ما هي الدوافع التي جعلت السفن الإسرائيلية المارة من باب المندب أو البحر الأحمر تتخفى وتخفي أعلامها وتغلق أجهزة التعقب خوفاً من اكتشافها من قبل القوات البحرية اليمنية لكي لا تستهدفها..
إنها دوافع الإيمان، إنها المدرسة القرآنية التي تبني هذه الروحية المؤمنة وتتخرج منها هذه القيادة الفذة، إنها الثقافة القرآنية التي تصنع هذا الوعي وهذا العزم، وهذا الإصرار وهذه الشجاعة لدى الشعب اليمني المؤمن المليء بالنخوة والعزة والكرامة والحمية، وتدفعه للقيام بمسؤوليته أمام الله، وبعد ذلك يفعل الله ما يشاء.
إنه القرآن الكريم أيها الشعوب العربية والإسلامية، أيها الحائرون، إنه القرآن يا أحرار العالم الذي يحاول العدو الصهيوني إحراقه والإساءة إليه، إنه القرآن الذي يقدم كل هذا.
لقد قام السيد القائد عبدالملك الحوثي بمسؤوليته أمام الله، وقام بواجبه الإسلامي والديني والأخلاقي، ونال الأجر الكبير والرفعة عند الله والقرب منه، لاستجابته لله واتخاذ الموقف الصحيح بناءً على توجيهاته، ودخل هذا القائد التاريخ من أوسع أبوابه، وأدخل اليمنيين معه، وأصبح لدى كل مسلم القائد الإسلامي الذي يشار إليه بالبنان.