بعيداً عن مراسي الأحلام والأماني ترسو (سفينة) العمر على شواطئ مسكونة بكل الأحياء المفترسة، أحياء ليس فيها (القرش) المستوطن أعماق البحار وأعالي المحيطات، لكن ثمة (قرش) آخر يستوطن الجيوب والخزائن، تسبب ذات يوم بصلب أعظم فلاسفة الأمة (الحلاج) حين خاطب رموز الحاكمية بقوله (أنتم وما تعبدون تحت قدمي) ولم يجانبه الصواب، بل كان محقا في وصفه وفي كل ما قاله وعبر به عن بداية انهيار أمة، لكنه وصف بالمارق والزنديق بعد أن عجز السلاطين وجلادوهم وفقهاؤهم من مجادلة هذا الفيلسوف الذي بلغ مرتبة من الوعي رأى مسار الأمة يتجه نحو الهاوية، ورأى أن (عبدة الدينار) يتناسلون فيما (عباد الله) ينحسرون في زوايا المساجد أو يهيمون في البراري والقفار هاربين بقيم لا يعرفها عبدة الدينار وتجار الدين وسماسرة القيم.
تتوالى مترادفات الزمن ويلف عداد التاريخ أرقامه، ليقودنا إلى حقبة زمنية مجبولة بكل قيم القهر والمجون والقبح الممنهج في الوعي الجمعي كثوابت سلوكية وعقيدة مكتسبة، فتزداد حسرتنا على ذلك الموصوف بالزنديق الذي قال كلمته ودفع حياته على مقصلة الأفك والدجل المسيج بمفاهيم دينية لا علاقة لها بالدين بقدر ما هي مأخوذة من أساطير (برووكولات حكماء صهيون) ..؟!
تقف النفس المترعة متأملة في تداعيات اللحظة ومشاهد الانكسار الحضاري الذي يخيم بغباره القذر على تجاويف العقول المجدبة، تلك العقول التي تجتر مفردات مجون (بني أمية، وبني العباس) والحاكميات المتعاقبة بعدهم التي كرست قيم الجهل والتخلف وحولت (النور الذي أنزل من السماء) على سيد البشرية محمد عليه وآله الصلاة والسلام، إلى ظلام دامس، فيما (تعاليم مسيلمة) تصبح عنوان هوية القوم ومصدر ثقافتهم..؟!
هنا لم تعد العروبة حاضرة إلا كمسمى هلامي مثلها مثل مسمى (الجامع الأحمر) في أسبانيا..؟!
إسلامياً اقتفى القوم أثر (بني إسرائيل) فبدوا أكثر مهارة في تحريف السيرة والمسيرة من أقرانهم الذين زوَّروا وزيَّفوا الدين وقوانينه وتشريعاته..!!
نقف اليوم أمام (عُبَّاد القرش) الذين كشفهم (الحلَّاج) وكأن صادقاً في وصفهم، وأمام زنادقة اتخذوا من (ابن رشد) عدواً ونصبوا (ابن تيمية) والياً ومرجعية لهم، ليجعلوا منه (هُبلاً ) جديداً، قبل أن يخلف لنا بدوره (اللات والعُزى) ويعيد برعاية رموز القهر اجترار مخلفات ومآثر (السامري) ليحوّلوا (الدين) إلى (فوبيا للموت)، وتغدو (مكة) مزاراً سياحياً تتماهى مع (حائط المبكى)؟!
تنحدر القيم وتتلاشى مع تحولات العصر وتقدم البشر، فتطوقنا قوانين الغاب، ويصبح (قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر،،، وقتل شعب كاملاً مسألة فيها نظر) !!
بين الوعي واللاوعي يقف البعض في حالة صراع ذاتي عن نهاية السفسطائية العبثية التي تدار من قبل (كهنة) المرحلة و(لصوص وقتلة) الأمة ونخَّاسيها الذين تخلوا عن كرامتهم ورجولتهم وإنسانيتهم مقابل أن يظلوا (حكاماً) على أمة كانت وصارت أمماً، تم على مدى حقب زمنية تدجينها وتهجينها فغدت أشبه بمجاميع من (المسوخ) تدين بدين ملوكها ممن لا دين لهم..
تنتصب مقاصل القهر في كل اتجاه يوجه المرء إليه نظراته، وتوغل حراب الحقد والكراهية في تمزيق أنسجة الوعي بحركة لولبية بهدف قتل مناعة بقايا الأصحاء في الجمع أو وصفهم بـ (الإرهابيين) من قبل منظومة القتلة الذين يمارسون مهنة الإرهاب بكل شفافية وسفور، ولكنه قانون الغاب الذي يعطي للقاتل حق الدفاع عن نفسه ولا يسمح للمقتول أن يدافع عن نفسه ويواجه ويثأر من قاتله، قانون عنصري يسود مدعوما من دول عظمي، ولكنها عظمى بإجرامها بتوحشها بهمجيتها بغطرستها، ولكنها منحطة أخلاقياً وحضارياً وإنسانياً، ورغم تطورها التقني والعلمي وامتلاكها كل مفاتيح العلم والتكنلوجيا إلا أنها لا تزال غارقة في همجيتها وتمارس قانون البرابرة الذي يخجل منه برابرة التاريخ من (نيرون) حتى (جنكيزخا