تكتب عن أسباب وكستنا وفوضانا وتخلفنا الاجتماعي وتعزوها إلى انعدام أخلاق الواجب أخلاق المسؤولية في سلوك أفراد المجتمع، فيبرز لك سؤال من المسؤول عن هذا، النظام السياسي أم الأفراد؟ مع أن المسألة ليست جديدة، فقد طرحت في الفكر الإنساني «ليس وعي الناس من يحدد وجودهم، بل على العكس من ذلك، الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم«.
بيد أن هناك من يريد أن يدخلك في جدل سفسطائي، شبيه بالجدل البيزنطي المعروف” أيهما أسبق الدجاجة ام البيضة؟ “
ولذا يمكن القول أن النظام يتكون من أفراد يؤثرون فيه ويتأثرون، وعندما يفسد نظام ما، فإنه يقود إلى فوضى، وتظهر من بين أوساط المجتمع نخبة تقود عملية التغيير والإصلاح، وإذا كانت هذه النخبة تحمل مشروعاً وتعي ما ينبغي عمله، وتضع مثل هذه المسائل نصب عينيها، فإنها تستطيع إقامة نظام جديد يستوعب مثل هذه القضايا المطروحة المهم أن تكون قيادة واعية وتدرك ما تريد وتمتلك الدراية والحكمة ووسائل إنجازها .
وهذا عمل كبير يحتاج فريق عمل متجانس، و يتحلى بأخلاق الواجب أخلاق المسؤولية، يعني يكون هم هذا الفريق إصلاح الأوضاع للأحسن ولا يفكر بمصالح فردية خاصة أو أفراده أنانيون يفكرون بأنفسهم وحسب .
هذه الأخلاق الجديدة، أخلاق الواجب أو أخلاق المسؤولية، لكي تكرس كثقافة، وتكون مرشدة سلوك أفراد المجتمع، فإنها بحاجة إلى نخبة تتحلى بها ومن جنسها، وتغدو هذه النخبة طليعة للمجتمع.
أخلاق الواجب أخلاق المسؤولية تحث صاحبها على أن يكون إنساناً لا يصفق ولا يدافع عن باطل، وتجعله أكثر فهماً واستيعاباً للأوضاع من حوله، ويتعامل مع كل سلبيات الواقع باعتبارها أمراضاً اجتماعية لا ينبغي أن تدفعه إلى ردود أفعال غاضبة تخرجه من مسؤوليته تجاهها أو تحوله إلى فرد تنعدم لديه أخلاق الواجب المطلوبة في مثل هذه المواقف.
ودفاعه عن الحق ينبغي أن ينطلق من داخل سياق تحليه بأخلاق واجبه، ومهما أغضبه باطل خصومه، فإن أخلاقه تحتم عليه أن يحسن طريقة دفاعه لغةً وسلوكاّ وموقفاً .
الانتصار الأخلاقي على الباطل أقوى وأمتن من أي انتصار دونه، لأنه انتصار باقٍ ومستمر وخالد، بينما قد تحقق انتصاراً واهماً بوسائل أخرى، لكنه في الحقيقة ليس إلاّ هزيمة مؤجلة الدفع.
وأخلاق الواجب أو أخلاق المسؤولية ليست غريبة أو دخيلة علينا، إنها موجودة في صميم ثقافتنا الإسلامية وتعتبر من المسائل المركزية والجوهرية في قرآننا الكريم، كما أنها جزء أصيل في سيرة نبينا نبي الرحمة محمد- صلوات الله عليه، وسنجدها أيضاً في عهد الإمام علي بن أبي طالب- رضوان الله عليه، لمالك الأشتر عندما ولاه على مصر. ولذا ينبغي أن تكون جزءاً أصيلاً من التربية السلوكية والتنشئة الاجتماعية، ولكي تكون كذلك فإنه يتحتم على النخبة أولاً أن تتحلى بها حتى تكون نموذج اقتداء، لأن تغيير السلوك بالاقتداء أضمن وأقوى أثراً وأسرع، وبذلك يترسخ كوعي دائم تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل .