الدكتور حمود الأهنومي – أستاذ التاريخ الإسلامي وحضارته في جامعة صنعاء، وعضو رابطة علماء اليمن لـ” الثورة “: دعاة الهوية الشيطانية يبدّعون الاحتفالات بالرسول ويصمتون عن حفلات الترفيه والشذوذ في السعودية

 

هناك ارتباط تاريخي وأصيل بين اليمنيين والرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم
تمت زراعة الوهابية في المنطقة لإشغال المسلمين بحروب بينية، تعتمد على بعض المفاهيم والأجندات الدينية المنحرفة
يجب على اليمنيين بذل جهود أكثر لاستنقاذ المغرر بهم من الوهابية، والقيام بجهود ثقافية وعلمية وإعلامية كبيرة لمواجهتهم
اليمن من أكثر الدول تضررا بالفكر الوهابي البليد والفج
محاولات حثيثة لإبعاد اليمنيين عن أبرز المقدسات، التي تشدهم إلى الله وإلى دينهم الحق

أوضح الدكتور حمود الأهنومي- أستاذ التاريخ الإسلامي وحضارته في جامعة صنعاء – عضو رابطة علماء اليمن أن هناك ارتباطاً حقيقياً وتاريخياً وأصيلاً بين اليمنيين والرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى من قبل بعثته واستمرت بعد بعثته إلى الآن .
مشيرا إلى أن هناك سراً عظيماً جمع اليمنيين بالإسلام ورموزه وعظمائه في خندق واحد، بما حباهم الله به من الفطرة السوية والشجاعة والأخلاق الكريمة، حيث نشأت علاقة وثيقة بين هذا الشعب العظيم، والدين الكريم، ورموزه العظماء.
وأكد الدكتور ا لأهنومي أنَّ هناك عدداً وافراً من المحطات والأحداث التاريخية، ولعل أبرزها بعض من الآيات القرآنية التي أشادت بإيمان أهل اليمن ومواقفهم، والتي أرَّخت أو أسَّست لهذه الرابطة الدينية والتاريخية في عهد النبوة، منها إسلام أهل اليمن، وبشكل سريع، ومن دون معارك كبيرة، بل بالحوار والإقناع، وتفردهم بخصوصية أن يسجد رسول الله شكرا حينما جاءه خبر إسلامهم.
وقال : إن ارتباط اليمنيين بالإمام علي الذي يعتبر باب مدينة علم الرسول، هو الامتداد الطبيعي له في حركته وجهاده، وامتداد ارتباطه بمنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، و أبرز ما ميَّز اليمنيين وجعلهم يحافظون على هذا الولاء والمحبة ، ولأن اليمن ظلت مرتبطة بأهل البيت عليهم السلام، فإنها تعرضت للتنكيل والاستهداف من قبل كثير من حكام دولتي بني أمية والعباسيين ، وقد رافق هذا محاولة إخفاء العلاقة المتينة بين أهل البيت واليمنيين، وتشويههم ، وصولا إلى إخفاء دور هذه العلاقة في عصرنا الحالي عندما تغلغلت الوهابية في اليمن ، والتي عملت على تكفير اليمنيين سنَّةً وشيعةً، زيدية وشافعية، واعتبار أن الإسلام وكأنه بدأ لتوه في اليمن منذ ظهور محمد بن عبدالوهاب ، معتمدةً على الاستقطاب الحاد للشخصيات السياسية والعسكرية والدينية والثقافية والإعلامية وتجنيدهم في اللجنة السعودية الخاصة ودعمهم بالأموال والمرتبات المغرية، وتوجيههم لنشر الوهابية في كل مناطق اليمن.
ولفت الدكتور الأهنومي إلى أنه وبعد تغلغل المد الوهابي الصهيوني في اليمن فلابد من الاستمرار في مسار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، والتحرك في مسار الثقافة القرآنية الجامعة، التي تعيد توجيه البوصلة الحقيقية لهذه الأمة في مسارها الصحيح.
عضو رابطة علماء اليمن وأستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة صنعاء تطرق إلى كثير من التفاصيل والأحداث التاريخية والإسلامية التي أسست وربطت علاقة اليمنيين بالرسول، والتي امتدت حتى الآن بروابط مناصرة أهل بيته ومحبتهم والسير على منهجهم، الذي ظل يقاوم الطغاة والمستكبرين ومشاريع استهداف الأمة ودينها القويم إلى اللحظة، تقرأون كل ذلك وأكثر في حصيلة هذا الحوار الذي أجرته معه «الثورة» بمناسبة المولد النبوي الشريف ١٤٤٥ هجرية.. فإلى الحصيلة :

حوار/ أحمد المالكي

ما سر الارتباط العميق بين اليمنيين والرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟
أولا اسمحوا لي أن أتقدم بالشكر الجزيل لصحيفة «الثورة» وطاقمها على إتاحة هذه الفرصة في هذه الذكرى الكريمة.
وبالنسبة للسؤال فهناك ارتباط حقيقي وتاريخي وأصيل بين اليمنيين والرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى من قبل بعثته.
1-ونحن نتحدث في هذا السياق عن الملك الحميري أبي كرب حسان بن ملكي يهأمن، المعروف في الكتب الأخبارية بـ(أسعد الكامل) الذي أسكن بعضا من الجاليات اليمنية في منطقة يثرب استعدادا لبعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2 -وكانت هناك روابط تاريخية عميقة بين البيت الهاشمي من جهة وزعماء اليمن وملوكها وأقيالها من جهة أخرى، فقد خرج جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المطلب بن عبدمناف، إلى اليمن وأخذ الإيلاف، وهو عقد الأمان للقوافل التجارية القرشية، من قبائل اليمن، وأدركته الوفاة في جبل ردمان في الحيمة الداخلية.
3 -وكان أيضا جده عبدالمطلب بن هاشم، تربطه علاقة وثيقة بزعماء حمير وأقيال همدان، وكان إذا خرج إلى اليمن نزل على عظيم من عظمائها.
4 -وهناك عدد من سلسلة نسبه صلى الله عليه وآله وسلم، من جداته، كن يمنيات، وآخرهن سلمى بنت عمرو النجارية الخزرجية اليمنية، أم عبدالمطلب.
5 -ثم عندما أشرقت شمس الإسلام، كان اليمنيون من ضمن من سارعوا إلى تلبية النداء الإيماني، واستعدوا لنصرته، واستقدام رسول الله بينهم لينصروا دينه، ويجاهدوا بين يديه في اليمن.
6 -ولما قرر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الهجرة إلى يثرب، حيث اليمنيون في الحجاز قد بايعوه بيعة العقبة الثانية على أن ينصروه مما ينصرون منه أبناءهم وأزواجهم، كانوا أنصاره الذين) تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).
7-وحين أرسل رسول الله دعاته وولاته اختار لليمن سفيرا يعتبر من أقرب الشخصيات والنماذج الإيمانية إلى قلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الإمام علي عليه السلام، وقد أراد رسول الله ربط اليمنيين بهذا الشخص، فأسلمت همدان، وهي من أكبر قبائل اليمن، على يده في يوم واحد، وظل اليمنيون بعد ذلك من أنصار الرسالة، وأعضاد الدين، في كل المراحل التاريخية.
أما السر الذي جمع اليمنيين بالإسلام ورموزه وعظمائه في خندق واحد، فهو أن اليمنيين بما حباهم الله به من الفطرة السوية، وباستجابتهم وتفاعلهم مع نداء هذه الفطرة، في قيمهم، وأخلاقهم، ومبادئهم، وسلوكاتهم، وشجاعتهم، وجودهم، فإنهم وجدوا في هذا الإسلام وفي رموزه ضالتهم المنشودة، ووجدوا منهجه أقرب إلى قيمهم وأخلاقهم وإيمانهم وما كانوا عليه من صفاء وأخلاق وقيم، ومن هنا نشأت علاقة وثيقة بين هذا الشعب العظيم، وبين هذا الدين الكريم، ورموزه العظماء.
حدثونا عن أهم وأبرز المحطات والأحداث التاريخية التي أرّخت أو أسّست لهذه الرابطة الدينية والتاريخية في عهد النبوة؟
هناك عدد وافر من المحطات والأحداث والأقوال التاريخية، ولعل أبرزها بعض من الآيات القرآنية التي أشادت بإيمان أهل اليمن ومواقفهم، ومنها قوله تعالى:
1 – (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9]. التي نزلت في الأنصار اليمانيين.
2-الآيات الكريمات في سورة المائدة التي تشخص طبيعة الصراع بين أهل الكتاب والمسلمين، وتذكر مسارعة المنافقين والذين في قلوبهم مرض في مشاريعهم والتولي لهم، وتذكر أنه حين يرتد بعض المسلمين بالتولي لأهل الكتاب فإن الله سيأتي بقوم، وصفهم الله بأعظم الصفات، وأشاد بهم أجمل الإشادات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54]. وقد ذكر جملة من المفسرين المعتبرين أن هؤلاء القوم هم أهل اليمن، وهذه الآيات في الحقيقة هي تصف الحالة القائمة اليوم بشكل واضح.
3 -عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام عليا عليه السلام إلى اليمن، فأسلمت قبيلة همدان الكبرى (حاشد وبكيل) في يوم واحد، كتب الإمام علي تقريره إلى رسول الله يخبره بإسلامهم، فسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم شكرا لله، وقال: (السلام على همدان) ثلاثا، ونزل قول الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم * إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) سورة النصر.
وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من باب التبيين وإعطاء المعالم والعلامات التي تبين الحق، فقد أشاد باليمنيين؛ لما يعلم من علم الله، بأنه سيكون لهم دور في نصرة الإيمان، والوقوف في مواقف الحق، والتمسك بالقرآن وثقافته، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
1 -(الإيمان يمان والحكمة يمانية)، وقد ورد هذا النص في أحاديث كثيرة، ويكاد أن يكون من الأحاديث المتواترة أو المستفيضة. وهذا الحديث من أعظم الفضائل التي وردت في فضل اليمنيين، فهو يبين أن شمس الإيمان لا تغرب عن هذا البلد، وهو أبلغ مما لو قال الرسول: (اليمنيون مؤمنون)؛ حيث يفيد أن الإيمان سيظل باقيا في اليمن بشكل مستمر؛ لأنه يمان، وكأنه نشأ وظهر في اليمن، ومثله الحكمة، وهذا أمر له دلالة عظيمة، واعتبارات كريمة.
2 – وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (يأتيكم أهل اليمن هم أرق قلوبا، وألين أفئدة، يريد القومُ أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم). وشاهد الحال اليوم يشهد على صحة ما ورد فيه.
3 – وعن أبي مسعود، قال أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده الكريمة نحو اليمن، فقال: (الإيمان ههنا، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفَدَّادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلعُ قرنا الشيطان في ربيعة ومضر) رواه البخاري من ثلاث طرق. وعن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (غلظ القلوب والجفاء في أهل المشرق، والإيمان يمان، والسكينة في أهل الحجاز). وفي رواية مسلم أنه قال: (الإيمان من هاهنا، وأشار بيده إلى اليمن، والفتنة من هاهنا، من هاهنا يطلع قرن الشيطان)، وأشار بيده إلى نجد. وحين نتأمل هذه الأحاديث التي تقارن بين المنهج الذي يخرج من نجد، ويجسد الهوية الشيطانية، والمنهج الذي يستمر في اليمن، ويجسد الهوية الإيمانية، ندرك أن الصراع الذي نخوضه اليوم، هو مظهر من مظاهر هذا الصراع بين الهوية الإيمانية، والهوية الشيطانية، وبالتالي نطمئن إلى صوابية قرارنا، وصحة مشروعنا، وشاهد الحال يشهد على ذلك، فبينما يحتفل اليمنيون اليوم بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقف دعاة الهوية الشيطانية لتبديع وتضليل هذه الاحتفالات ، في الوقت الذي يصمتون فيه كصمت القبور عن احتفالات سلطتهم وهيئة ترفيههم بمغنية عارية، جلبوها بعشرات أو مئات الآلاف من الدولارات، لتسيء إلى الله، وتعلن الكفر البواح في أرض الحرمين الشريفين، دع عنك احتفالاتهم بكثير من المناسبات كعيد الأم، وعيد الميلاد، والكرسمس، وعيد الحب، والهالوين الوثني، واليوم الوطني وغيرها.
ثم هناك محطات وشواهد تؤكد على قوة وثبات اليمنيين على هويتهم الإيمانية في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبعده، ومنها في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
1 – أسرة آل ياسر أول أسرة يمانية تُسْلِم ويستشهد بعض أفرادها ويعاني بعضهم (أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)
2 – زيد بن حارثة اليمني الصعدي، ابن رسول الله بالتبنّي، وأحد شهداء الإسلام وعبدالله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب، من تبنّاه رسول الله وهو أحد اليمانيين الأوائل، وجاهد مع رسول الله، ورفض أن يعود مع والده وأسرته إلى صعدة، ثم استشهد في مؤتة، التي كان قادتها يمنيين وهاشميا، عبدالله بن رواحة، وزيد بن حارثة، وعبدالله بن جعفر.
وكأن هذه المعركة تقول لنا: إن قادة المسلمين في مواجهة أهل الكتاب يجب أن يكونوا من اليمن وأهل البيت سلام الله عليهم.
3 -إسلام اليمنيين على يد الإمام علي عليه السلام، وتخصيص رسول الله لهذا الشعب أفضل سفير، هو علي بن أبي طالب عليه السلام، لأفضل سفارة، وهي الإسلام، إلى خير شعب، وهو اليمن.
4 -نصروا رسول الله وآووه، والشرف الذي فات اليمنيين في اليمن، لم يفت إخوتهم في الحجاز، في المدينة المنورة.
5 -خزيمة بن ثابت الأنصاري اليمني، كان أمين أسرار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذا الشهادتين.
6 -تمسك أهل اليمن بأهل البيت عليهم السلام، منذ صدر الإسلام وإلى يومنا هذا، وهو تمسك بالإسلام النقي، (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ..إلخ)
7 -ويعجبني تلك المعادلة التي رسمها أمير شعراء اليمن التقي الزاهد الحسن بن علي الهبل، حين قال:
يا من يسائل عن قومي .. رويدك ما
جهلت إلا العلى والمجد والدينا
قومي الألى ما انتضوا أسيافهم لوغىً
إلا وعادوا لآي النصر تالينا
إن تلقهم تلق أحبارا جهابذة
أو طاعنين العدا شزرا ورامينا
سل الأئمة عنا أي ملحمة
لسنا بأرواحنا فيها مواسينا
مضت على حب أهل البيت (أسرتنا)
ونحن نمشي على آثار ماضينا
فمن يفاخرنا أم ما يساجلنا
أم من يطاولنا أم من يدانينا
يكفيك أن لنا الفخر الطويل على
كل الورى .. ما عدا الآل الميامينا
8 – إسلام أهل اليمن إسلاما قويا وقويما، ودائما، وبشكل سريع، ومن دون معارك كبيرة، بل بالحوار والإقناع.
9 – وتفردهم بخصوصية أن يسجد رسول الله شكرا حينما جاءه خبر إسلامهم، وقوله: (السلام على همدان السلام على همدان السلام على همدان) ولم يرو أن فعل ذلك عند مجيئه خبر إسلام قبيلة أخرى..
10-وقوله: (نعم الحي همدان، ما أصبرها على الجهد، وأصدقها عند اللقاء، فيهم الأوتاد، والأبدال)..
11-عمار بن ياسر العنسي المذحجي اليماني معلم من معالم الحق في الإسلام، قال عنه رسول الله: (تقتله الفئة الباغية).
لماذا اليمنيون بالذات كانوا هم الأنصار؟
لله سر عجيب وعظيم في هؤلاء اليمنيين، وكأن الله اصطفاهم واختارهم على بقية العرب والمسلمين؛ لما يعلم من استعداداتهم الفطرية، ولسوابقهم الإيمانية، وطيبة قلوبهم، واستمرار الإيمان والحكمة في بلدهم، ولأنهم أقرب البشر إلى روح الإسلام، والذوبان فيه، والتحمل لمسؤولياته الجهادية، ولتمسكهم بوصية رسول الله، وهو كتاب الله وعترة رسول الله، التي من تمسك به أمن من الضلال، فكأنهم والإيمان والإسلام كانوا على ميعاد، فما في الإسلام من قيم وأخلاق ومبادئ وجد فيها اليمنيون ضالتهم التي تتوافق مع أخلاقهم وقيمهم، ورأوا في الإسلام حلا لكثير من مشاكلهم.
كيف امتدت هذه الروابط مع الرسول والرسالة بعد النبوة، أو بمعنى أصح: ما هي الصلة التي ظلت تحافظ على هذه المحبة، وهذا الولاء، حتى الآن؟
– لقد أراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما أرسل إلى اليمن الإمام علي بن أبي طالب أن يربط اليمنيين بهذه الشخصية العظيمة، التي تعتبر من أعظم الشخصيات في الإسلام بعد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، وحين ارتبط اليمنيون بالإمام علي الذي يعتبر باب مدينة علم الرسول، والامتداد الطبيعي له في حركته وجهاده، فإن هذا يعني أن اليمنيين ارتبطوا بمنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أبرز ما ميَّز اليمنيين مما جعلهم يحافظون على هذا الولاء والمحبة، هو ثقافتهم القرآنية، ومودتهم لأهل البيت، وهذان الثقلان، هما المؤمِّنان لمن يأخذ بهما أن يقع في الضلال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)، ومنهج أهل البيت القدامى استمر في اليمن، واستمر اليمنيون متمسكين بالكتاب والعترة، وهذا ما أعطاهم هذه الميزة على كثير من سواهم من المسلمين.
هناك أحداث ووقائع تاريخية غُيِّبت عن طريق بني أمية أو محرفي التاريخ والحديث النبوي، كدور الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في إسلام أهل اليمن؟
بدون شك فهناك أحداث تاريخية وأحاديث نبوية صحيحة تم إخفاؤها، وهناك أحداث ومرويات تم صناعتها، جاءت كلها كنتيجة لتبرير الواقع المنحرف الذي كان عليه كثير من حكام الأمويين والعباسيين، ولأن اليمن ظلت مرتبطة بأهل البيت عليهم السلام، فإنها تعرضت للتنكيل والاستهداف من قبل كثير من حكام الدولتين، وظلت علاقة اليمن بالدولتين علاقة مضطربة، تتخللها الثورات والتمردات المتتابعة، وعدم الاستقرار، وقد رافق هذا محاولة إخفاء العلاقة المتينة بين أهل البيت واليمنيين، وتشويه اليمنيين، وتشويه أهل البيت، ومن الشواهد على ذلك في عصرنا أن المناهج التعليمية السابقة غيَّبت دور الإمام علي عليه السلام في إسلام أهل اليمن رغم ثبوته في كتب الحديث، كالبخاري، ومسلم، وفي كتب التاريخ، كتاريخ الطبري، وابن كثير، وغيرهما.
ماذا عن دور أهل اليمن مع الإمام الحسين عليه السلام في ثورته العظيمة؟
كان لليمنيين حضور مهم في ثورة الإمام الحسين في اتجاهين، الاتجاه الأول كان في حضور ونصرة اليمنيين الساكنين في العراق مع الإمام الحسين، واستشهاد كثير منهم بين يديه، وهناك إحصائيات تقول بأن أكثر من 50% في أقل الأحوال من شهداء كربلاء مع الإمام الحسين كانوا يمنيين. والاتجاه الثاني هو أن عبدالله بن عباس اقترح على الإمام الحسين عليه السلام أن يذهب نحو اليمن، بدلا من العراق؛ لأن بها شيعة له ولأبيه الإمام علي، وهذا يدل على أن اليمنيين ظلوا مرتبطين بأهل البيت عليهم السلام، بعد استشهاد الإمام علي، ولكن كان لدى الإمام الحسين حيثيات وقناعات غابت عن ابن عباس، جعلته يفضل التوجه نحو العراق، ولعل منها أنه كان تحركه بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يريد لثورته أن تذهب إلى مكانٍ قصيٍّ كاليمن، فلا يسمع عنها عموم جماهير المسلمين شيئا، بينما حين وقعت في العراق الذي كانت الأضواء الإعلامية والثقافية مسلطة عليه، وصلت أنباء ثورته العظيمة والخالدة وبرامجها وأخبارها إلى كل العالم الإسلامي.
استمر أهل اليمن على محبتهم لأهل بيت رسول الله في كل المواقف والمنعطفات والتحولات التاريخية، وهو امتداد لعلاقة اليمنيين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولعل أبرز تلك التحولات والمنعطفات مجيء الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام إلى اليمن، حدثونا عن هذه الجزئية باختصار كامتداد ورابط بين أهل اليمن وبيت النبوة؟
نعم ظلت العلاقات اليمنية مع أهل بيت النبوة قائمة وقوية وراسخة ومطردة، ورغم محاولات الدولتين الأموية والعباسية بإحداث تغيير فكري وثقافي في اليمن يحول بين اليمنيين وبين أهل البيت عليهم السلام، إلا أن اليمن ظلت ولا زالت عصية على تطويعها لفكر محدد تريد السلطة فرضه، ولهذا ظل اليمنيون بمختلف مذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية ينشدُّون إلى أهل البيت، حتى الحنابلة منهم في القرن الثالث الهجري كانوا يعلنون محبتهم للإمام علي بشكل لافت، وفي اليمن ظهرت ظاهرة تشيع المحدثين من أهل السنة، وأبرزهم الإمام عبدالرزاق بن همام الصنعاني المتوفي عام 211هـ شيخ الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعشرات آخرين من كبار المحدثين، الذي كان معروفا عنه تشيعه في الإمام علي عليه السلام، وانتقاده اللاذع لمعاوية بن أبي سفيان، ولعل هذا هو ما حمل العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي على قصف مقامه، وتدمير مسجده بصواريخ الطيران في عام 2015م.
وحين تكالبت الأحداث والمشاكل والتناحر الشامل بين اليمنيين في القرن الثالث الهجري يمّموا وجهتهم نحو أهل البيت الكرام في المدينة المنورة، وطلب وفد قبلي يمني بشكل رسمي خروج الإمام الهادي إلى الحق معهم؛ ليقيم فيهم الدولة العادلة، التي أمّلوا أن تجمع شتاتهم، وتوحدهم على أساس من هدى الله، فخرج معهم في عام 280هـ، لكنه سرعان ما عاد لما رأى أنهم لم يكونوا جاهزين لأن يكونوا النواة الحقيقية لإحداث التغيير المنشود في اليمن؛ حيث لاحظ أنهم لا يلتزمون بالمبادئ التي جاء هو لإعلائها، وهذا يدل على أنه لم يكن نفعيا وصوليا، يبيع مبادئه من أجل الحصول على الملك، بل تركهم عائدا إلى بلده، وقال: (والله لا أكون كالشمعة تحرق نفسها، وتضيء لغيرها)، وهناك ازدادت أحوال اليمنيين سوءا، وأصابهم قحط شديد، وضربتهم الفتنة أكثر من أي وقت مضى، وهنا عادوا مرة أخرى، وأوفدوا وفدا أكبر من الأول، يعتذرون من صنيعهم في المرة الأولى، ويتعهدون أنهم سينصرونه ويقيمون الحق ولو على أنفسهم، ويلتزمون بهدي الله وشريعته، فخرج معهم في المرة الثانية عام 284هـ، واستمر في اليمن إلى أن توفاه الله عام 298هـ، وقد أقام الدولة العادلة، التي حلم بها اليمنيون، تحت الهوية الإيمانية.
لقد كان الإمام الهادي من جانبه يؤمل أن اليمن هي المكان الذي يأتي منه الفرج على الأمة جمعاء، وكان يأمل من اليمنيين أن ينصروه، بل وذكر أن اليمنيين هم من سينصرون أعلام الهدى، بجيوش كتائب، وقال في قصيدة شعرية له مشهورة، ذكرهم فيها بمقاماتهم مع رسول الله وأهل بيته الأطهار:
وما زالت الأخبار تنطق أنه
سينصرنا منهم جيوش كتائب
. كيف عمل أعداء الإسلام على مسخ الهوية اليمنية الإيمانية والروابط المحمدية عن طريق الوهابية السعودية، وما ملامح هذا الغزو الآن؟ وكيف يجب مواجهته؟
– الوهابية صنيعة استعمارية، ودبوس بريطاني زرعته في قلب الأمة، وهذا أمر لا مرية فيه، وكان الهدف من وراء إنشائهم هو إشغال المسلمين بحروب بينية، تعتمد على بعض المفاهيم والأجندات الدينية المحرفة، حتى لا يتذكر المسلمون عدوهم الحقيقي المتمثل في الاستعمار الذي جاء لنهب ثرواتهم وخيراتهم، ولكي ينشغل المسلمون ببعضهم، وقد تم خلق الوهابية في جزيرة العرب؛ للقيام بهذه المهمة، ولتمكينهم من الحرمين الشريفين، التي تشكل مناطق جذب روحية، يمكن أن تشكل وعي الأمة بالشكل القوي والفاعل لو أحسن استثمارها، ولكي تمرر بريطانيا ما تريده من ثقافات استعمارية عبر منابرهما الشريفة، ولكي تضع للمسلمين المخدرات التي تدجنهم وتصرفهم عن أولوياتهم الحقيقية، في محاربة الكفار المستعمرين، ونهضة بلدانهم.
واليمن من أكثر الدول تضررا بهذا الفكر الوهابي البليد والفج، الذي دائما يفتح النار على المسلمين، ولم يشتبك في يوم ما مع المستعمرين والغزاة، وبسبب القرب الجغرافي، وخشية العدو من النهضة الحضارية اليمنية، فإنه قد سلط الوهابية على اليمن بشكل يفوق كل البلدان الأخرى، وبعد ظهور النفط تحت سلطة آل سعود الوهابية، نشروا الوهابية بقوة البترودولار المدعوم أمريكيا، وغزوا الجامعات والمساجد والمراكز والمناطق اليمنية جمعاء، واستطاعوا تجريف الهوية اليمنية الإيمانية بشقيها الشافعي والزيدي، وكان أبرز ملامح ذلك الغزو، هو:
-فصل اليمنيين عن تاريخهم الحضاري اليمني، بتكفيرهم ولعنهم ماضي اليمن وأعلامه البارزين.
-تدمير المعالم الإيمانية التي تشد الناس إلى الهوية الإيمانية الحضارية.
-الاستقطاب الحاد للشخصيات السياسية والعسكرية والدينية والثقافية والإعلامية وتجنيدهم في اللجنة السعودية الخاصة ودعمهم بالأموال والمرتبات المغرية، وتوجيههم لنشر الوهابية في كل مناطق اليمن.
-السيطرة على قنوات وأدوات التأثير الفكري، ومنه السيطرة على وزارة الإرشاد، والأوقاف، والتعليم، والتعليم العالي، والمهني، والمعاهد، والمدارس، والجامعات، وإنشاء المراكز العلمية التي تنشر الوهابية، وتمويل ذلك بسخاء.
-إبعاد كل العناصر الوطنية ذات التوجه اليماني الإيماني من أي مناصب حساسة ومفصلية من الدولة، والتآمر على بعضهم، وصل إلى حد القتل.
-المحاولات الحثيثية التي تبعد اليمنيين عن أبرز المقدسات، التي تشدهم إلى الله وإلى دينهم الحق، بتفسير القرآن تفسيرات سطحية ظاهرية تعتمد التجسيم والتشبيه لله تعالى، ونسبة القبائح إلى الله، ونشر عقيدة الجبر، والإرجاء، وهي عقائد هدامة، لا تبني واقعا إيجابيا، وكذلك إبعاد اليمنيين عن رسول الله، وعن أهل بيته، وأصحابه، بالتشكيك في موروث اليمنيين الحضاري حولهم، وبالتهوين من مقامهم، ونشر الروايات المسيئة إليهم، والانتقاص من مقام الإمام علي، ومساواته بأعدائه الظالمين والفاسدين، وتكفير وتضليل جميع أئمة أهل البيت عليهم السلام الذي ظهروا وبرزوا في اليمن، وإطلاق حملات التشويه والردح لهم بشكل دائم وفي مختلف القنوات والأدوات الإعلامية والتثقيفية.
-تكفير اليمنيين سنة وشيعة، زيدية وشافعية، واعتبار أن الإسلام وكأنه بدأ لتوه في اليمن منذ ظهور محمد بن عبدالوهاب، وأن اليمنيين كانوا على ضلالة طوال عقود من الزمن، حتى جاء ابن عبدالوهاب وطلاب جامعات الوهابية السعودية، وأدخلوا اليمنيين في دين الله من جديد، هؤلاء الطلاب شيوخا كانوا أو دكاترة كانوا قد أعدوهم ونشروهم في طول وعرض اليمن، مدعومين بالسلاح والنفوذ والمال والوظيفة العامة.
أما كيف نواجههم، فإنه يجب الاستمرار في مسار ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، والتحرك في مسار الثقافة القرآنية الجامعة، التي تعيد توجيه البوصلة الحقيقية لهذه الأمة في مسارها الصحيح، وتأخذ بالخطاب الجامع المستنهض للأمة كل الأمة حضاريا، وهذا التحرك قد أثبتت السنوات الماضية جدوائيته، وحين يتحرك الحق بجاذبيته وقوته الذاتية فإن الباطل زهوق بطبيعته، (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).
ومن المفيد التذكير أن الزخم الوهابي قد ضُرِبَ في معاقله العتيقة، وتم توجيه ضربات خطيرة له من النظام السعودي نفسه الذي قفز مظليا من التشدد الوهابي إلى الانخلاع والانحراف والطعن في الإسلام، وصهينة المناهج، واستضافة الكفار والكافرات، الذي لا يفتأون يسيئون إلى الله وإلى الأنبياء والإسلام بين الحين والآخر، ولكن ما لا يجب إغفاله هو أن الوهابية قد تجذرت في اليمن، وبات لها أنصارها، ومريدوها، وهذا ما يوجب على اليمنيين بذل جهود أكثر لانقاذ ما يمكن انقاذه من المغرر بهم، ويستلزم القيام بجهود ثقافية وعلمية وإعلامية كبيرة لمواجهتهم، ومواجهة كيدهم، ولدرء من تحريفهم وانحرافهم الذي بثوه في عقول الناشئة والشباب.

قد يعجبك ايضا