724معسرا يبحثون عن الحرية وينشدون تطبيق القانون



كان يعمل في التجارة.. كان حريصاٍ جداٍ في حساباته.. لكن التجارة لا ترحم أحداٍ ترفعك إلى الأعلى وتخسف بك إلى الأسفل في لحظة.. فقد وضعته خلف القضبان.. متناسية الأيام والليالي التي قضاها معها في حياته.
أحمد القدسي من أبناء محافظة تعزـ أحد النزلاء المعسرين بإصلاحية صنعاء المركزية منذ 11 سنة على خلفية عجز مالي لم يتجاوز أربعة ملايين ريال.
القدسي ليس لديه من يعول أسرته سواه.. تلك الأسرة القابعة في محافظة تعز والتي لم تقدم إلى صنعاء لزيارته منذ فترة.. لعدم امتلاكها أجور مالية المواصلات.

ومثله حسين علي أحمد العطاس من أبناء محافظة حضرموت هو معسر منذ أربع سنوات بإصلاحية صنعاء المركزية على ذمة عجز مالي تجاري يصل إلى 40 مليون ريال.
يقول حسين العطاس ” مكوثي في السجن لا يجدي نفعاٍ ولا يحل القضية.. يجب أن أخرج من السجن بضمانة وأن أكون تحت مراقبة الأجهزة الأمنية وأن أمنع من السفر خارج الوطن.. وبذلك أستطيع أن أعمل وأسدد ما علي من مديونية.. ولست وحدي بل كل المعسرين”.
يشكو العطاس من اللجان التي تشكل من قبل الحكومة للنظر في قضايا وأمر النزلاء المعسرين.. كونها, بحسب قوله, لا تنظر إلا في قضايا المعسرين المترددين على السجن سنوياٍ وعليهم مبالغ بسيطة تتراوح مابين 100 ألف ريال إلى 500 ألف ريال بينما الذين عليهم مبالغ كبيرة تتجاهلهم وتغض الطرف عنهم.
حالة ثالثة وهي شديدة المأساة.. محمد حيدر من أبناء محافظة تعز هو كذلك معسر في إصلاحية صنعاء منذ 12 عاماٍ على ذمة فوارق سعر تصل إلى 130 مليوناٍ.. إذ أنه كان أمين مخازن.
خصمه إحدى الشخصيات الكبيرة.. فقد محمد حيدر بصره بسبب ارتفاع الضغط وتدهور حالته الصحية وغيابه عن أسرته.
مدير عام إصلاحية صنعاء المركزية العميد/ صيفان المحجري أكد أن عدد السجناء المعسرين بالإصلاحية يصل إلى 400 نزيل معسر وتتراوح المبالغ المالية التي عليهم مابين مئات الآلاف إلى مئات الملايين.
ويشدد العميد المحجري على ضرورة تفاعل المجتمع ومنظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال والاستثمار وذلك بمساعدة النزلاء المعسرين في تسديد ودفع ما عليهم من عجز مالي وتحرير حريتهم كونهم قد دفعوا عقابأ وجزاء ما ارتكبوه خارج السجن واعتقلوا على إثر ارتكابهم له.
تقرير رسمي صادر عن مصلحة التأهيل والإصلاح بوزارة الداخلية كشف عن وجود عدد من السجناء المعسرين في الإصلاحيات المركزية بعموم محافظة الجمهورية إذ بلغو نحو 724 سجيناٍ معسراٍ ينتظرون مساعدات مالية للإفراج عنهم.
مدير الشؤون الداخلية بمصلحة التأهيل والإصلاح العقيد/ محمد اليهري يشير إلى أن بعض السجناء المعسرين تجاوزت مدة بقائهم في السجن العشرين عاماٍ دون أن تلتفت الحكومة أو المنظمات إلى حالهم أو البحث عن من يساعد هؤلاء المعسرين.. لافتاٍ إلى أن المنظمات المهتمة بأوضاع السجناء في اليمن كثيرة إلا أن نشاطها قليل وغير ظاهر على أرض الواقع.
وقال العقيد اليهري ” لا يجوز حبس من عليهم مبالغ مالية حتى يسددوها خاصة من ليس معهم أموال.. وقانون المرافعات والتنفيذ المدني ينص في مواده 360 وحتى 363 على عدم احتجاز من عليهم عجز مالي وإبقائهم في السجون”.
وكشف العقيد اليهري عن أن اللجان التي تشكل من قبل الحكومة لا تفرج وتطلق سراح المعسرين المستحقين وإنما من كان لديه وساطة أو نفوذ في الدولة.. وناشد الحكومة ومنظمات المجتمع المدني بمساعدة هؤلاء النزلاء كون بقاؤهم في السجون لا يؤدي إلى حلول سوى التسبب في ضياع أسر وأولاد المعسرين في ظل غياب آبائهم, وتظل الدولة تنفق عليهم من أجل الأكل والعلاج وغسيل الملابس والنقل والسكن, وهذه كلها تصل إلى ملايين الريالات تنفقها الحكومة, ناهيك عن معاناتنا من ازدحام السجن.
كثيرة هي الأسر التي شردت أبنائها وتدهورت حالتها الصحية وفقدت حالة الأسرة العادية بسبب غياب راعيها والظروف الاقتصادية والمادية التي تمر أثناء تواجد والدهم في السجن..
يقول حسين العطاس ” أصبحت أنا وأغلبية من حولي من المعسرين نفضل الموت الجماعي داخل السجن بدلاٍ من العيش خلف القضبان بعيداٍ عن الأهل.. ونفضل أن يعمل لنا مقبرة جماعية هنا داخل الإصلاحية لأن ذلك سيكون أهون لنا بكثير مما نحن فيه”.
قبل أيام رفع عدد من المعسرين بإصلاحية صنعاء شكوى باللجنة المشكلة للنظر في قضيتهم إلى هيئة مكافحة الفساد.. اتهموا اللجنة بعدم حسن الاختيار وتوزيع المبلغ المالي بين المعسرين وكذا إضافة أسماء مسجونين في كشف من تم الإفراج عنهم من المعسرين بالرغم أنه تم إطلاق سراحهم قبل أن تشكل اللجنة الرئاسية.
هيئة مكافحة الفساد وابداء تفاعلت مع الشكوى ووجهت مذكرة إلى النائب العام الدكتور علي أحمد الأعوش طالبت فيها بالتأكد من صحة شكوى المعسرين وابدءا الملاحظات حولها والرد للهيئة.
يقول العطاس ” أغلبية المعسرين مصابون بمرض السكر والضغط وصحتهم متدهورة”.
وأضاف ” نناشد رئيس الجمهورية حسن اختيار أعضاء اللجنة الرئاسية الخاصة بالمعسرين وكذا الإفراج عنا كي نتمكن من العمل وتسديد مع علينا من مديونية وعجز بالإضافة إلى أن إطلاق سراحنا يعتبر تنفيذاٍ وتطبيقاٍ للقانون”.
وقد حاولنا التواصل مع منظمات المجتمع المدني المختصة بالسجون لإثراء موضوعنا.. إلا أن كل محاولاتنا لم تجد نفعاٍ.

قد يعجبك ايضا