رئيس الاتحاد التعاوني الزراعي، مبارك القيلي لـ “الثورة”: أجواء احتكار الأسواق فصلت وفق إرادة الفاو والبنك الدولي وتشريعات مررت بتواطؤ من حكومات ما قبل الـ 21 من سبتمبر
يحتل موضوع التسويق أولوية أساسية في قائمة أولويات واهتمامات القيادات الميدانية المسؤولة عن وضع ومباشرة المصفوفة التنفيذية لموجهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- الواردة في الدرسين السادس والثامن والعشرين من دروس شهر رمضان 1444هـ، وتوجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، والتي أكدت، في جانب منها، أن تنظيم التسويق ضرورة يجب أن تسبق تقديرات عملية الإنتاج.
“الثورة”، من واقع مسؤوليتها في كشف الحقائق ومتابعة المستجدات، ونشر الوعي بأهمية التجسيد العملي لموجهات قائد الثورة فيما يخص الجانب التنموي، وعلى وجه الخصوص، ضرورة النهوض بالجانب الزراعي، استضافت رئيس الاتحاد التعاوني الزراعي، مبارك القيلي، في حوار شامل، ناقشت معه بشفافية عالية قضايا التسويق الزراعي، وبعضا من الإشكاليات المتعلقة بالجانب الزراعي، نترككم مع التفاصيل.الثورة / يحيى الربيعي
في البداية، أهلا بكم في هذا اللقاء الذي نود أن نطلع القارئ، ومن خلالكم، على آخر المستجدات فيما يتعلق بالإشكاليات التي تواجه المنتج الزراعي المحلي مع التسويق؟
التسويق يعاني من وجود فجوة كبيرة وهي عدم وجود قاعدة بيانات بكميات الإنتاج المحلي، وكذلك الحال لدى الجهات العاملة في القطاع الزراعي، والأسواء من هذه الفجوة، هو عدم اكتراث الجهات المعنية بهذه الفجوة والقيام بالتحرك والمعالجة.
التسويق الزراعي في الجمهورية اليمنية يعاني- أيضا- من فجوة كبيرة، هذه الفجوة تقع بين المسوق والمنتج، فلا توجد قاعدة بيانات دقيقة بكميات الإنتاج، ناهيك عن قاعدة بيانات توضح حاجة الأسواق المحلية من المنتجات وخاصة تلك المنتجات التي لها نصيب كبير في قائمة الاستيراد ويجب علينا تحقيق الاكتفاء الذاتي فيها، وحين نمعن النظر في الأسواق القائمة نجدها عبارة عن مجاميع من رؤوس الأموال المستغلة للمزارعين، ونجد الوسطاء والسماسرة هم الأكثر استفادة يليهم في الفائدة التجار والمصدرون.
الشاهد في ذلك أن المزارع (المنتج) لا يستفيد ويتلقى ضربات تلحق به الأضرار، وكذلك هو الحال لدى المستهلك فهو الآخر في مرمى استهداف المستغلين من سماسرة وتجار، ويشاركهم في الإثم كل من يسهل لهم أجواء احتكار الأسواق سواء بتوفير الحماية القانونية من خلال الإبقاء تحت وطأة المبررات التي تتكيف مع تشريعات فصلت وفق إرادة الأوصياء في الفاو والبنك الدولي، والتي مررت بتواطؤ أرباب المصالح الشخصية الذين أمسكوا بزمام الأمور في حكومات عقود ما قبل ثورة الـ 21 من سبتمبر.
وكذلك تضاف إلى مشكلة التسويق مشكلة تحييد الأسعار ومعرفة سلاسل القيمة، هذه بعض مشاكل التسويق، بالإضافة إلى معرفة ما نريد أن يدخل لليمن عن طريق فاتورة الاستيراد من الخارج خلافا للإنتاج المحلي.
ماذا عن دور الجمعيات التعاونية في هذا الجانب؟
هناك خطوات ينتهجها الاتحاد في مسار تفعيل الجمعيات، وذلك من خلال جعل الجمعيات حلقة وصل مباشرة بين المزارع والمستهلك، ولكن ظل الوسيط هو من يشتري المحاصيل من المزارعين مباشرة، وكان المفترض الاستفادة من الزراعة التعاقدية إلا أن الوسيط ظل يستحوذ على نفس الامتيازات.
الآن، يجري العمل على استيعاب محاصيل المزارعين في سوق المؤسسة الاقتصادية اليمنية، من أجل تمكين المستهلكين أو الوسطاء من الشراء مباشرة. ومع ذلك، ما زالت الفجوة موجود، والاستغلال قائماً، لابد من فهم حركة سلسلة القيمة بشكل صحيح، وخاصة فيما يتعلق بتكاليف المزارع وتحديد أسعار مناسبة لمنتجاته.
والمشكلة التي تواجه الجمعيات هي عدم وجود إحصائية واضحة عن حجم الإنتاج المحلي من أجل العمل على تقليص فاتورة الاستيراد، وهذه نقاط أساسية لابد أن تٌفهم جيدا.
كيف تنظرون إلى شبح التهريب، وأثره على المنتج المحلي، في جانب التسويق؟
للعلم والإحاطة، قمنا بدور كبير في مسار كشف الكثير من أوراق التهريب كاتحاد تعاوني زراعي، فقد قمنا بالنزول الى محافظة تعز وتم تحديد منافذ التهريب، وكذلك تم النزول الى محافظة الحديدة وتم تحديد منافذ التهريب فيها، وتم تسليم الجهات المختصة في الزراعة واللجنة الزراعية والصناعة والجهات الأمنية كلا على حدة كشوفات بأسماء وأرقام المهربين محددة فيها نقاط التهريب، كما تم تبليغ خفر السواحل والجهات ذات العلاقة في كل محافظة وتحديد المهربين بالاسم.
ومستمرون في متابعة الجهات الضبط حتى اللحظة. هناك تباطؤ لا ندري ما هو السبب؟ (!!!) ما المانع؟ ما المعيق؟
في الفترة الأخيرة، حصلنا على معلومات تقول بأن هناك ضبطاً في بعض المنافذ بقوة، ضبط كميات من الثوم والبن والزبيب إلا أن كميات التهريب لا تزال هي الحاضرة بشكل أكبر من الكميات التي يتم ضبطها، وخاصة عن طريق المخا وأحيانا عن طريق صيادين يقومون بتهريب ما يقارب ألف قطمة من الثوم أسبوعيا من المخا، كل قطمه 10 كيلو، فكم في الشهر؟ وكم في السنة؟
هل تم الضبط، أم لا تزال هناك عوائق؟
بلغت الجهات المعنية بالأمر وقمنا بالمتابعة، وفي انتظار التوجيه لاتخاذ الإجراءات.
والشيء نفسه تم فيما يخص منفذ تعز. وفي بعض المنافذ كالتي تقع ما بين طريق تعز واب تم ضبط بعض المحاصيل ولكن ليست كلها، وأؤكد ليست كلها فما زال هناك تهريب كبير جدا.
مشكلة أخرى، يتم الضبط في المنافذ، وسرعان ما يتم الإفراج في…؟
هذه قضية أخرى تخرج من اختصاصنا وتدخل في اختصاص وزارة الزراعة والري، ومن المفترض ألا يتم الإفراج، ولدي معلومات تأكد أن الإفراج يتم قبل أن تصل إلى الوزارة أو قد تأتي توجيهات من قبل (.!.) أو من قبل أي جهة أخرى، وكل احتمال لا يٌستبعد، نحن نعاني الآن في موضوع الدواجن من هذه المشكلة، لذلك ننوه إذا لم تقم وزارة الزراعة بدورها المطلوب في موضوع الإفراجات التي تتم في المنافذ فإن النتائج ستزيد من حالات التثبيط لدى المزارعين.
الإشكالية- كما يبدو- ربما تتمحور في وجود سوء تفاهم أو غياب التنسيق وتكامل الأدوار؟
الإشكالية في غياب توحد الرأي والنصيحة والعمل وفق رؤية واحدة وتحت قيادة واحدة هي اللجنة الزراعية والسمكية العليا ووزارة الزراعة ووزارة الصناعة.. ما المانع؟ نخمن احتمال وجود نفسيات لا تريد أن تشتغل في إطار أمة وعمل جماعي، هناك من يريد تطبيق المثل الذي يقول (حبتي وإلا الديك).
وللأمانة هناك جهود لا تنكر وهي ظاهرة للعيان، أنجزت من قبل بعض القيادات سواء في اللجنة أو الوزارة، لكن كثيرا ما تتعرض هذه الجهود إما للإهمال حال وصولها إلى قيادات أدنى أو مختصين ضعاف، وأحيانا أخرى يأتيها التعطيل بتوجيه (.!.).
مشكلة مزارعي التفاح في صعدة.. المزارعون يشكون الكساد لأن السوق غارق بالمنتج الخارجي. كيف يمكنكم تناول المشكلة؟
يمكننا التطرق إلى مشكلتين الأولي في طريقة التسويق أو بالأصح عدم وجود وسائل وأساليب التخزين الطازج، كما لابد من وجود جودة في الثمار يقابلها عناية بالتخزين والتسويق الأمثل. بالنسبة للاستيراد الخارجي، لا أظن أن هناك تصاريح استيراد تفاح على الإطلاق، إنما يمكننا القول أن هناك تهريب كثير ومخازن تجار ممتلئة، حيث تدخل كميات التهريب ويتم تخزينها، وأرى وجوب التدخل العاجل لشراء وتخزين التفاح المحلي وتوفير وسائل التخزين الطازج لتجنب كساد المنتج الخارجي.
حددتم أن ما يعيق المنتج المحلي وهو التسويق. مزارعون اضطروا نتيجة لما تعرضوا له من خسائر فادحة إلى تحويل مزارعهم من المحاصيل الزراعية إلى القات. حضرت شخصيا، في العام الماضي، قيام أحد مزارعي الرمان في ضحيان صعدة باستبدال مزارع الرمان بالقات كرد فعل على خسارته التي تجاوزت الثمانية ملايين ريال؟
هذه من مخاطر غياب آلية التسويق، بل إن كل جهود المجتمع وكل الجهود التي تقوم بها الدولة ممثلة باللجنة الزراعية والسمكية العليا ووزارة الزراعة والري وكل شركاء التنمية في الحكومة والسلطات المحلية والقطاعين العام والخاص ستروح هباء منثورا إذا لم يسارع الجميع إلى حل هذه الإشكالية.
اعتقد أن القرار يبدأ من فوق، أقصد لابد أن تجتمع جهود الجميع لإصدار قرار موحد يضع استراتيجية ضوابط قوية وصارمة من شأنها توطين احترام الإنتاج المحلي، وبرغم أن القيادة الثورية تعطي موجهات والمجلس السياسي الأعلى يصدر توجيهات، ولكن تكمن المشكلة في عدم استيعاب هذه الموجهات والتوجيهات بالعمق والبعد الاستراتيجي التي ترمي إليه كي يأتي التنفيذ محققا للغاية بكل دقة وإتقان.
صانع القرار يرسم الموجه ويصدر التوجيه، لكن هناك من لا يستوعب الموجهات بالشكل المطلوب.. من لا يلتزم بالتوجيهات كما يجب.. من يتعسف ويخرج عن الطريق أو يترك أثرا مترهلا، ليس هناك تنفيذ قوي.
ما المطلوب للخروج من هذا المنعطف؟
وضع استراتيجية توحد الجهات المعنية بالجانب الزراعي في مسار واحد وإرادة واحدة، فإذا توحدت الجهات المعنية في مسار عمل واحد وكانت لها إرادة واحدة فحينها نستطيع القول إنه يمكننا الخروج من هذا المنعطف، وأقصد أن على الجهات المعنية القيام بوضع حد لظاهرة التهريب (وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الزراعة والري والجانب الأمني)، فالكل لازم يسلك مساراً واحداً وبإرادة واحدة، أجزم بأن الأمور ستنضبط وتسير بخطى ثابتة نحو الغاية المنشودة وهي تحقيق التنمية المستدامة.
لا بد من رؤية موحدة تجمع عليها هذه الجهات، وتشكل لها غرفة عمليات مشتركة كي يتم ضبط الأسواق المحلية، بدأنا الآن بعدة خطوات عبر الجمعيات منها التعرف على جميع المحاصيل التي يمكن زراعتها في نطاق نشاط الجمعية، وكذلك تحديد القدرة الإنتاجية من كل محصول كي نضمن توفير سوقها مسبقا، ثم نرفع إلى وزارة الزراعة بالكميات التي سيتم إنتاجها مسبقا، هذا الرفع سيشكل إشارة للوزارة بأن عليها تجهيز الأسواق ورفع جاهزيتها للاستيعاب.
الجمعيات حتى اللحظة لا تزال بعيدة أو مبعدة عن دورها، بل إن بعضها لم تصل بعد إلى المستوى الذي يؤهلها لخوض المعركة التنموية؟
دور الجمعية منتج وبالإمكان أن تصبح مسوقاً لمحاصيلها، لكنها لا تتحمل مسؤولية عبء تنظيم الأسواق، ولا تتحمل مسؤولية الحد من ظاهرة التهريب، ومع ذلك، فقد وجهنا بعض الجمعيات لفتح أسواق كما حصل في جبل الشرق بذمار، ويريم بإب، وأشرنا على جمعية يريم وجمعية جبل الشرق برفع الدراسات اللازمة حول إمكانية بناء وتجهيز الأسواق، وكذلك الحال مع جمعية بعدان.
قد تنتج اليوم جمعية ما مائة طن من محصول معين، وتسوقها في الأسواق، لكن أين السعر؟ المنافس الخارجي موجود ومستعد يبيع بربع التكلفة. أقصد، إذا لم يكن هناك ضوابط وفق استراتيجية موحدة تلتزم الجهات كلها بصب كل جهودها داخل هذه الاستراتيجية، فما الفائدة؟
كل الجمعيات المنتجة بكميات كبيرة لأي محصول أن تهتم بجانب التسويق وان تعمل على فتح أسواق بالشراكة مع الجمعيات الأخرى، ونحن على اتم الاستعداد للتعاون مع الجمعيات في توفير مخازن التبريد عبر جهات تمويل استعدت لإقراض الجمعيات والدخول في شراكة بما يلزم لتجهيز مخازن تبريد، وهذه الخطوة نحن ماضون فيها، ولن نحمل الجمعيات مسؤولية تسويق المحاصيل، وإنما سنعطيها فرصة بأن نضمن لها سوقاً مستقراً.
الاتحاد في هذا المسار بصدد وضع اللمسات الأخيرة لاستراتيجية تحفيز مدراء المديريات في عموم البلاد لعمل مسح شامل لكل المحاصيل الزراعية التي يمكن ان تنتجها المديرية لتحقق منها اكتفاء ذاتيا داخل المديرية، ولا بد من تفعيل عملية تصدير تبادلي في فائض الإنتاج مع المديريات الأخرى، هذه خطتنا في الاتحاد، لكن ما زال هناك قصور في الإنتاج نوعا ما فضلا عن معوقات الحصول على بعض البذور.
المفهوم الذي نحاول الوصول إليه هو توفير سوق محاصيل محدد للجمعيات الزراعية، وتوفير مخازن تبريد للمحاصيل، وتوفير بذور تلك المحاصيل، وتوجيه الجمعيات للتعاون مع المديريات للحصول على المدخلات الزراعية الموجود في مديريات أخرى في إطار تبادل المنافع وتكامل الجهود.