قل أمر ربي بالقسط

يكتبها اليوم / زيد الشُريف

 

 

بدون إقامة العدل والقسط بين الناس لا قيمة ولا معنى للحياة، ولكن ما هو العدل؟ هل هو قيمة مادية أو معنوية أم كليهما؟ معلوم أن الله تعالى أنزل أربعة أشياء من السماء لتستقيم حياة البشرية، الماء، والكتاب، والحديد، والميزان الذي هو العدل، ليقوم الناس بالقسط، قال تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) هذه الآية المباركة تؤكد أن إرادة الله تعالى تقضي أن تكون حياة الناس قائمة على العدل في كل جوانبها لأن العدل قيمة مادية ومعنوية تشمل كل مجالات الحياة وتضمن للإنسان أن يعيش في هذه الدنيا بما ينسجم مع الكرامة التي منحه الله إياها ووفق ما يريد الله له بحيث تكون حياة الإنسان خالية من الظلم المادي والمعنوي بكل أشكاله وأنواعه وقائمة على العدل الإلهي إنسانيا واقتصاديا ومعنويا وتربويا وصحيا وسياسيا وقضائيا وأمنيا في كل المجالات لأن العدل هو المعيار الإلهي الذي يترتب على إقامته استقامة حياة الناس واستقرار معيشتهم وضمان حقوقهم، وفق ما تقتضيه إرادته وحكمته ورحمته تعالى.
الله تعالى يريد أن تكون الحياة بكلها قائمة على العدل والقسط والحق الذي فيه مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، وقد رسم طريق العدل والحق وبينها في عشرات السور ومئات الآيات في كتابه وجعل لها صراطاً مستقيماً واحداً وأمر الجميع أن يسلكوه وحذر من أي انحراف عملي أو فكري أو عقائدي أو ثقافي أو سياسي أو اقتصادي أو في أي مجال من المجالات عن صراطه، مؤكدا أن الانحراف عنه ستكون عواقبه كارثية على الناس في الدنيا والآخرة، قال تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) وهذه الآية تؤكد على أن صراط الله القائم على الحق والعدل صراط واحد ومستقيم لا إعوجاج فيه ولا نقص، فهذا الصراط يتمثل في دين الله وكتابه وأن أي انحراف عنه بأي شكل من الأشكال أو في أي مجال من مجالات الدين والحياة والإنسان ستكون نتيجته الظلم ثم الخسارة الفادحة للإنسان في الدين والدنيا والآخرة.
لو كان القرآن الكريم وحده يكفي لما أنزل الله معه وإلى جانبه الميزان المتمثل في العدل ولما أنزل الحديد أيضاً، فالكتاب أنزله الله ليكون منهجا ودستورا للحياة والإنسان وهو هدى الله ونوره للإنسان في دينه ودنياه وآخرته وعندما يترافق مع الهدى والنور ميزان العدالة الإلهية فتكون قائمة بين الناس يترتب على ذلك استقامة حياة الناس وحماية كرامتهم وحقوقهم بالحق والعدل للجميع بدون استثناء أو تمييز وحينها لن يستطيع الظالمون تحقيق أهدافهم ولا ممارسة أطماعهم وشهواتهم تحت أي عنوان كان لا ديني ولا سياسي ولا مادي ولا عنصري ولا غيره، فالكتاب بغير العدل نقص سيترتب عليه ظلم واستغلال والعدل بغير الكتاب نقص سيترتب عليه جهل وطغيان ولهذا أمر الله تعالى اكثر من مرة بضرورة إقامة العدل بين الناس ليؤكد بذلك أن إقامة العدل ركن من أركان الدين لا تستقيم حياة الإنسان إلا به، وبدون إقامة العدل لا قيمة للدين ولا للإنسان ولا للحياة، ولهذا كان إنزال الله للحديد الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس ليكون وسيلة من وسائل إقامة العدل والقسط بين الناس فإذا لم يقم العدل بالحق والهدى والنصح والمعروف فلا بد من تفعيل الحديد لإقامة العدل في كل زمان ومكان ومجتمع، فالعدل يجب أن يكون قائما سواء بالحق والهدى أو بالقوة والحديد.
سنة إلهية كونية وإنسانية ثابتة ودائمة تقضي بأن يكون العدل والقسط قائما بين الناس في كل زمان ومكان ومجتمع وفي كل المجالات المادية والمعنوية على المستوى الفردي والجماعي وعلى المستوى الداخلي للأمة الإسلامية وعلى المستوى البشري مع الأمم الأخرى بشكل عام، قال الله تعالى (قل أمر ربي بالقسط) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) وفي آية أخرى مماثلة (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) وهذه الآيات تخاطبنا جميعا وتقول لنا بصريح العبارة أن إقامة القسط (العدل) مسؤولية إيمانية مهمة وضرورية فردية وجماعية ومادية ومعنوية يجب أن تبدأ من النفس والوالدين والأقربين، ثم تشمل المجتمع الإسلامي والمجتمع البشري بحيث تكون حياة الناس بكلها قائمة على العدل والحق والصدق في كل قول أو فعل أو عمل لأن العدل هو المحور الأساس لاستقامة الحياة الإنسانية وهو البيئة الخصبة والصالحة التي ينمو فيها هدى الله ودينه ويعيش في كنفها عباده بالشكل الذي يريده الله تعالى وبه تزهر حياة الإنسان في الدنيا في كل جوانبها وتؤتي ثمارها العظيمة في الآخرة بين يدي الله تعالى.

قد يعجبك ايضا