التولي في معادلة الإيمان والنفاق

إبراهيم محمد الهمداني

 

 

تعد قضية التولي، المرتكز الأساس في بناء الإيمان بالله تعالى، والتصديق برسله ورسالاته، والتسليم المطلق لأوامره ونواهيه، ومما لا شك فيه أن النجاة في تولي الله ورسله وأوليائه، الأئمة الهادين إليه، الذين نصبهم أعلاما لدينه، بينما يكمن الهلاك والخسران المبين، في تولي (الطرف الآخر) الشيطان وأوليائه وحزبه، وبين هذا وذاك، لا يوجد توسط أو حياد أو مهادنة. إن مجرد الالتزام الشكلي بالإسلام، لا يكفي لتحقيق الانتماء الحقيقي والإيمان الصادق، في صيغته الإلهية، المفروضة على الناس جميعا، الذين يزعمون في مجملهم، أنهم أهل الله وحملة دينه، وخاصة من آمن به، ولكن معظمهم سرعان ما يسقطون في نفاقهم، عند أول خطوة، في مسار إثبات صدق الإيمان الحقيقي، ألا وهي مبدأ الولاية، الذي نصت عليه الآية الكريمة، في قوله تعالى:- “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ”، وفسَّرته حادثة “غدير خم”، تفسيرا واقعيا وترجمة فعلية، فصلها الحديث الشريف، بكل معطياته ومقدماته، الفعلية والقولية، التي خلُصت إلى تقديم مبدأ الولاية، في تموضعه الشرطي، بحديته الحتمية الصارمة، بين طرفيها المتناقضين، فأما القبول المطلق بالولاية، بوصفها كلا متكاملا، لا يتجزأ ولا يتبعض، “من كنت مولاه، فهذا عليٌ مولاه”، وأما الرفض المطلق لها، في كليتها المترابطة، لأن رفض جزء منها، هو رفض لمجملها، إذ لا يستقيم الإيمان ببعضها، والكفر ببعضها الآخر. وبهذا يمكن القول إن دلالة النص الحديثي، “فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه”، تؤكد على طبيعة الارتباط التلازمي – في مبدأ التولي المتسلسل – بين الله ورسوله وصالح المؤمنين، المخصوص بصفته “يتلوه شاهد منه”، المشهور بفعله “الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون”، المنصوص باسمه والإشارة إليه “فهذا علي….”، وليس سواه، يمثل الامتداد الطبيعي لمبدأ الولاية، الذي يتوقف عليه قبول الإيمان، وتحقق الانتماء إلى حزب الله، وفقا لذلك التدرج الكلي المترابط، غير القابل للفصل أو التجزئة. إذا كان بنو إسرائيل، قد فصلوا بين الله تعالى ونبيَّه موسى عليه السلام، في سياق تلقي الشريعة، وقدموا غير هارون منزلة من موسى، في سياق تجسيد التولي، فإن مثل ذلك الفعل المشين، والانحراف الخطير، والمخالفة الصريحة، لا يجوز أن تصدر عن “خير أمة أخرجت للناس”، بعدما علمت يقينا، معنى “فهذا عليٌّ مولاه”، وعرفت حقا الشخص المخصوص من بين “الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون”، وشهدت حقيقة التطابق الحضوري/ الوجودي، المكنَّى عنه في آية المباهلة، بقوله تعالى:- “وأنفسنا وأنفسكم”، كما شاهدت ونقلت لمن بعدها، “الإيمان كله”، وقد برز “للشرك كله”، وغيرها من المواقف العظيمة، التي غيرت مسار التاريخ، وأعلنت ميلاد العهد الجديد، القائم على الهدى والحق والخير والنور، على يد خير خلق الله أجمعين، وخاتم أنبيائه ورسله الكرام المطهرين، يؤازره ويشد من عضده، أخيه ووصيه وخليفته من بعده، أمير المؤمنين علي عليه السلام، الذي قال فيه الصادق الأمين، وقوله حق من رب العالمين، “أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”.

قد يعجبك ايضا