الشهيد علاء الدين محمد محمد الغزالي المعروف بأسد نجران أو قناص نجران، أحد أولئك العظماء الذين انطلقوا في سنوات العدوان الأولى دفاعاً عن الأرض والعرض، رافضين استباحة المعتدين والطغاة ليمن الإيمان والحكمة.. شاهدوا طيران العدوان تقصف المساكن فوق رؤوس ساكنيها، ورأوا أشلاء الأطفال والنساء تتناثر عقب كل غارة جوية، فوهبوا أنفسهم وجادوا بأرواحهم في سبيل الله دفاعاً عن عزة وكرامة واستقلال اليمن.
الشهـيد/عــلاء الـدين الغـزالي، شاب في مقتل العمر من سكان العاصمة صنعاء التي قدم إليها مع والده من مديرية السدة بمحافظة إب، حيث كان الشهيد طالباً في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، ووصل إلى هذه الحصيلة العلمية بفضل اهتمام والده بتدريسه، لأن والده لم يكن متعلماً سوى أبجديات الكتابة والقراءة، فأراد أن يتلقى ابنه مختلف المهارات والعلوم، فحرص على تعليمه بشكل جيد وإلحاقه بمعاهد اللغة الإنجليزية إلى جانب المدرسة، فنضج ” علاء الدين” بالعلم باكراً، وأصبح مذ أن كان في الصف الخامس يكتب لوالده ويراجع حسابات ورشة السيارات التي كان يعمل بها أيضاً إلى جانب والده، إلى أن اكتسب خبرة كافية عن هندسة السيارات خصوصاً السيارات المدرعة، وبجهده وعلاقته في العمل حصلت ورشة والده على عدة شهادات من الملحقات العسكرية ومن وزارات الخارجية والدفاع، على التفاني في مجال صيانة العربات المدرعة، وفي ذلك الوقت أكمل الشهيد ” علاء الدين” الثانوية العامة.
أسرة الشهيد
الشهيد من أسرة آل الغزالي المعروف عنها حب آل البيت ومنهجهم القويم، حيث ظلت هذه الأسرة محافظة ومتمسكة بالهوية الإيمانية النقية، رغم تأثر الكثير من أفرادها بفعل الانتماءات الحزبية والسياسية، والتأثير كذلك بالثقافات المغلوطة التي راجت في فترة النظام السابق، إلا أن والد الشهيد وهو مصدر ونبع الاقتداء، حرص على تربية الشهيد علاء الدين على منهج الآباء والأجداد وعمق في نفس الشهيد قيم التضحية والإحسان والوقوف في وجه الظلم والظالمين المعتدين.. وهذا ما برز جلياً في مواقف الشهيد في حياته العملية والجهادية.
الانطلاقة الأولى
الأيام الأولى للعدوان واستهدافه المكثف للعاصمة صنعاء، وحالة الفزع الذعر وصراخ الأطفال ولنساء كل ليلة، شكلت دافعاً قوياً للشهيد للالتحاق بركب الجهاد والتصدي للعدوان الانتصار لمظلومية شعبنا المعتدى عليه، ساهم في ذلك استنارته المبكرة بمحاضرات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي التي كان قد اطلع وقرأ الكثير منها منذ 2012 /2013م.
وهكذا اتسعت آفاق الشهيد وإدراكه لواجباته الدينية والوطنية.. وجاء الموقف الذي لم يستطع ” علاء الدين” أن يخفي عنفوان اندفاعه نحو الجهاد في سبيل الله، وذلك حين أقدم العدوان الغاشم على إلقاء القنبلة الفراغية في منطقة نقم، وكان قريباً من مسرح الإجرام العدواني، وهاله ما رأى من دمار وخراب وقتلى وجرحى، فما كان من شيدنا البطل إلا التوشح بسلاحه والانطلاق مباشرة مع رجال الرجال إلى جبهة نجران.
شبح نجران
علاء الدين وبحسب ما تحدث عنه الكثيرون، كان في الخطوط الأمامية على مشارف نجران وفي موقع الشبكة، وهو أحد الجبال المسماة في مصطلحنا العسكري (عيبان) أبلى بلاءً حسناً، ونكل هو وزملاؤه في حدود الثلاثين أو أكثر من قوى العدوان السعودي، كما أن جثمانه لازال مع العدو السعودي.
من منا لم يسمع بالشهيد (حسن الملصي) وإرعاده في الحد الشمالي ومن منا لم يعلم عن تنكيل (أحمد العزي) بالمعتدين ومن منا لم يعرف القائد الجسور (ناصر القوبري) بإيمانه الوثيق.. هؤلاء الشهداء من أفضل من أنجبتهم القضية اليمنية الكبرى.
وشهيدنا (علاء الدين) أحد أبرز تلاميذ أولئك العظماء.. شاب خرج من مغارة الدنيا حاملاً بيمناه فانوس الهدى المبين ومن فوهة ذلك الفانوس انبعث مارد النصر العظيم ليحقق أمنية تمناها (علاء) وعلى إثر تحقيقها حلق عالياً، مبتعداً عن دنيا كفى الله الشهيد شرها.
كان علاء الدين أثناء جهاده تحت أقوى قيادات عرفها تاريخ اليمن وهم السيد أحمد العزي قبل استشهاده بفترة قصيرة، ثم تحت قيادة أبو حرب الملصي وبعد استشهاده أبو حرب ظل تحت قياده أبو صلاح القوبري وهي أطول فترة ما يقارب العام.
(علاء الدين الغزالي) ذلك هو شبح نجران المخيف، من بث الرعب وزرع الخوف في جنود المملكة، حتى ظنوا بندقيته القناصة سحراً يصيب الجماجم والأقدام ويسحق القلوب دون غيرها، فجمع الطاغي كبار كهنته وأعتى عتاده ليوم في الحدود معلوم.. وفي اليوم الكبير ألقى الخصوم حديدهم وكائناتهم، فإذا ببندقية “علاء” تقنص ما يأفكون … تلك أعجوبة أذهلت العدو قبل الصديق، وتلك درة تلألأت في سماء الملاحم المسطرة بحكايات لا منتهى لسردها.
أعياده في الجبهة
عندما حصلت هدنة مؤقتة في جبهات الحدود عاد علاء الدين إلى صنعاء والتحق بكلية الشريعة والقانون، ويعد مضي نحو شهر واحد عادت المواجهات في جبهات الحدود، حينها رجع الشهيد للجبهة وكانت جميع أعياده في الجبهة حتى تاريخ 18 سبتمبر 2017م، وهو تريخ استشهاد المجاهد علاء الدين الغزالي، حين قام العدو بأقوى تصعيد له في جبهة نجران، وقد ذكر ذلك السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه ووصف شهداء التصعيد بشهداء التصعيد وأيضاً بالربيين كما قال الله تعالى “وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّۢ قَٰاتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰابِرِينَ”
*بلسان العدو*
قنوات عديدة من قنوات العدوان تحدثت عن الرعب الذي سببه قناص نجران ” علاء الدين” عندما كان يتصدى لزحوفات العدو وجحافله، وبعد استشهاده قال العدو بلسانه: ” هذه وثائق القناص بعد المعركة الشرسة”، وهكذا أسمي بـ”أسد نجران” وقناصها بلسان العدوان.
ورغم أن استخدم العدوان لكل أسلحته منها الأباتشي والرشاشات والقذائف الهاون والمدفعية والقنابل اليدوية، وأقوى الزحوف من الجيش السعودي والسوداني ومرتزقتهم على مواقع في الخطوط الأمامية والتي كان مجاهدونا يتمركزون فيها، رغم كل ذلك لم يستشهد إلا أسد نجران علاء الدين الغزالي بعد أن قام بإخراج زملائه الاثنين اللذين كانا معه.
*الثقافة القرآنية*
كان الشهيد يملك الثقافة القرآنية العالية، فقد طلب منه أحد المشرفين البقاء في صنعاء عندما سجل في الجامعة ليكون ثقافياً لمديرية معين ويواصل دراسته في الجامعة، وذلك لما يملكه من الثقافة القرآنية العالية، فهو حافظ للقرآن والملازم، ولكن الشهيد رفض البقاء هنا فقال حينها:” أنا للجبهات ومكاني الجبهات ولن أبقى هنا”، لأنه حينها قد كانت اشتعلت جبهات الحدود من جديد فعاد إلى هناك .
والد الشهيد طلب من علاء الدين أن يوقف قيد التسجيل في الجامعة أكثر من مرة، خصوصاً عندما كان يأتيه للزيارة كل أربعة أشهر، فقال الشهيد لوالده: ” همي قيد الرحمن القيد الأبدي، أما قيود الدنيا فهي زائلة”.
ثقة وإيمان
كان “علاء الدين” مقاوماً عظيماً ثائراً، يعـلم جيداً أن لا شيء أغلى مــن الأوطان، وأن الإيمان بالله هو سـر النصر العظيم مهما احتـشدت الأمـم واشتعلت الجبال بالنيران وقصفت السماء جمرها، فلا ملجأ إلا الله، وأن الوفـاء والإخــلاص هما من يجعلان المؤمـن يدك مواقـع الأعداء ويحــرق عرباتهم ومعداتهم وناقلاتهم.. يزحف في ظلام الليل فيحـصد المئات من الخـونة بتلك البندقية التي يلوح من فوهتها السم الأرقم.
وقبيل توقيت الشهادة المنتظرة بدقائق، وثقت عدسات العدوان ثقة (علاء) بربه وقضيته، فبقي حيث أراد الله له أن يكون.. لم يتزحزح، لم يغادر أو يبرح مترسه.. رغم غارات الأباتشي وكثافة النيران وزحوفات الرصاص المنطلق نحوه من كل جانب، وتلك هي روحية اقتبسها من نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن آل بيته، وبالقرآن ترجم معانيها وفي الميدان طبق نظرتها.
فالسلام عليك أيها الشهيد يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم يقوم الأشهاد.
عشق الشـهادة
وإن سألوك عن أســد نجران قل لهم إنه “عــلاء الدين” الفارس الذي رفع شعار نموت ويبقى الوطن.. وإن سألـوك عن القـناص الذي انـتزع أرواح الخـونة من الأعـماق فقل إنـه ابن الغــزالي الصــنديد.. من أوائل الأحـرار الذي كان له الأسـبقية من أبناء قبيلته في الدفاع والذود عن أرض الكرامة ومنـبع الجود.
عشق الشـهادة عشـقاً قوياً، وبـذل في سبيـلها كل غالٍ ونفيس، ولم يبخل بشيء من العطاء.
سطـر في جبال نجـران وقمـمها وسهولها وأوديتها أروع البطـولات والملاحـم التي تستـحق التدوين في كتب التاريخ كي تروى للأجيال القادمـة.
إذا دخلت نجـران ستدرك أنها تحتـضن روحه الطاهرة وتتزين باسـمه وتسـمو بذكره وتشعر بالفرح كلما مر طيفه.
أزاح عنـها الألــم وكسـر عنجهـية الظالم الذي كان يتربص بها، حتى صارت البهـجة تلمع في سمائها، وتفـتح الزهر في حقولها، يفــوح بعطره الزاكي، لا ينقطع ذكــره، أينما وليت وجهك تشعر بوجود طيفه يزور الأمكنة ويزرع فيها الحياة والأمل..
كان يستفتح يومه بقول الله تعالى:( وما رميت إذ رمـيت ولكن الله رمى)..
هنيئا له الشهادة وسلام الله على روحه الطاهرة وعلى جميع شهدائنا الأبطال، ولأنهم السابقون والفائزون والصادقون والمخلصون فصاروا هم الشهداء.
Prev Post