الوحدة في الوجدان

يكتبها اليوم / عبدالعزيز البغدادي

 

 

في 13مايو 1971 تأسس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وكان من بين المؤسسين القاضي والفقيه والشاعر والأديب عبد الرحمن الارياني رئيس المجلس الجمهوري في ما كان يسمى الشطر الشمالي من الوطن اليمني ، والمثقف الشاعر عبد الفتاح إسماعيل رئيس مجلس الرئاسة في ما كان يعرف بالشطر الجنوبي من الوطن ، هذه الواقعة التاريخية الوطنية لا ينبغي نسيانها أو تجاهلها لما لها من مدلولات عميقة في تاريخ الحركة الوطنية اليمنية يندر أن يكون لها مثيل ليس لأن على رأس السلطتين أديبين شاعرين فقط وإنما لأنهما كانا يدركان أهمية العلاقة بين الأدب والفكر وبين السياسة من منظور أن تكون السياسة خادم للعلم والثقافة والمعرفة والأدب وليس العكس.
أن يرأس سلطتين من سلطات العالم الثالث شاعران أديبان أعتقد أنها واقعة تاريخية لا مثيل لها على مستوى الوطن العربي إن لم يكن على مستوى العالم لما لها من دلالات موحية في حياة الشعب والدولة بكل أركانها وفي السلطة باعتبارها أحد أهم هذه الأركان، وقد كان لها أثرها على الحياة السياسية والنضالية في هذا البلد الذي يفاخر شعبه بأنه من أكثر شعوب الأرض اتصالاً بالحضارة الإنسانية ويتطلع لأن تستمر هذه الصلة.
هذه البداية ساعدت مؤسسي الاتحاد على الحفاظ على إبقائه كيانا موحداً رغم بعض الممارسات السلطوية والأحقاد المريضة متجاوزين إلى حد كبير كل التحديات وأسباب التشطير السياسي والأيديولوجي وعوامل التخلف والانعزال ما أكسبه مكانا ومكانة كانت المنطلق الأساس للسعي للانتقال بالوحدة من نطاق الحُلم إلى مرحلة الواقع المعاش رغم ما صاحب ذلك من نزوات وطموحات غير مشروعة لمن وصلوا إلى موقع القرار ممن لا علاقة لهم بالأدب أو الثقافة بل وممن لا يكنون لها الود ، ليتم من خلالهم اختطاف الحلم وتحويله إلى كابوس مرعب بفعل الفساد المغطى بالأناشيد والخطب الفارغة منذ حرب1994 القذرة التي قادها الانفصاليون الحقيقيون الذين اجتاحوا المحافظات الجنوبية الذين اندفع أبناؤها نحو الوحدة بكل جوارحهم عدا بعض المستفيدين من كل المراحل ومنها مرحلة تقاسم السلطة باسم ضرورة الوحدة والاستمرار في لعبة تزوير الانتخابات لتشويه الديمقراطية التي قامت الوحدة بناءً عليها.
لقد كان للاتحاد الموحد قبل الوحدة دوره المميز ، وكانت مكانته الريادية في العمل الثقافي والوطني والسياسي تجربة فريدة ومميزة عشنا بعض ملامحها ، كانت المبادرة بيد الفعل الثقافي تبرز من خلال بعض الشخوص الثقافية والأدبية أمثال الراحلين : عبدالله البردوني ، أبوبكر السقاف ، عبد العزيز المقالح ، عبد الله فاضل ، عمر الجاوي يوسف الشحاري ، محمد الربادي والقائمة كبيرة التي تضم بعضا ممن تمكنوا من جعل هذه المؤسسة المدنية ليس فقط منطلقاً للتنوير وإنما حاضنة للفعل الوطني والسياسي الذي يدرك أهمية الوحدة في الوجدان والضمير كطريق لوحدة سياسية متينة ، وتحدي كل عوامل وأمراض التشطير والمؤامرات السياسية التي كانت تحاك ضد حلم الوحدة التي كانت ويا للعجب أكثر متانة وقوة في النفوس قبل تجربتها في من خلال وحدة 1990 بفعل المؤامرات ورموزها في الداخل والخارج لتحولها إلى تجربة قاسية أقرب للكمين أو الكابوس منها إلى الأمل والحلم!؛
كان عمر الجاوي أبرز رافعي راية الحلم والتحدي وكان سريع الحركة شديد الحماسة والحساسية تجاه التصدي لأي ممارسة غير وحدوية شديد الانفعال في كل مرحلة يشعر معها بأن الحلم في خطر وفي سبيل ذلك تعرض لأكثر من محاولة اغتيال هو والأستاذان يوسف الشحاري ومحمد الربادي وغيرهم من مناضلي الاتحاد وشركائه في الحُلم؛
اتحاد الأدباء حريٌ بأعضاء مجلسه التنفيذي وكل منتسبيه اليوم  وكل يوم أن يدركوا أهمية الدور الذي قام به هذا الكيان المدني الموحد ودور منظمات المجتمع المدني عموماً في الحفاظ على النسيج الاجتماعي الواحد أو ما تبقى منه وإبقائه حياً فاعلاً في الضمير والوجدان الوطني قادراً على استلهام المعاني الإنسانية والإبقاء على نسيج وحدة قوية ليس بمنطق الغلبة والتغلب والاستقواء بالخارج والتهديد بالشعار الغبي : (الوحدة أو الموت) الذي رفعه الانفصاليون الحقيقيون في وجه الوحدويين الحقيقيين بهدف استفزازهم ودفعهم إلى هاوية الانفصال الوجداني المعزز بالكراهية والحقد الأعمى ، الوجدان الحي يمثله أكثر الناس وعياً وإدراكاً لارتباطه بالوعي والإدراك وليس أقواهم عضلات أو سلاحا ، روح الشعب الواعي بأهمية الحب والعلم والاحترام أقوى من كل الأسلحة الفتاكة التي يتباهى بها ضعاف العقول ويستخدمها الأغبياء في الهيمنة ونصرة الجهل ؛ إنما تبنى الدول بمنهج الحوار وإفساح المجال للثقافة والمعرفة والعلم وهو أساس البناء المنشود لتكون الدولة الوطنية وحدها صاحبة الحق الحصري في الدفاع عن الوطن وبسط سلطة النظام والقانون المستند إلى مبادئ الدستور وثيقة الإجماع الوطني.
قد تفيق الجبال إن لم تفيقوا

قد يعجبك ايضا