تم بعون الله تعالى إصدار كتاب حديث بعنوان “الأمن القومي في ظل المتغيرات الدولية المعاصرة” حيث ينطلقْ موضوع الكتاب من أن مفهوم الأمن يْعد من أصعب المفاهيم التي يتناولها التحليل العلميº كونه مفهوماٍ نسبياٍ ومتغيراٍ ومركباٍ وذا أبعاد عدة ومستويات متنوعة يتعرض لتحديات وتهديدات مباشرة وغير مباشرة من مصادر مختلفة تختلف درجاتها وأنواعها وأبعادها وتوقيتها سواءٍ أكان ذلك متعلقاٍ بأمن الفرد أم الدولة أم النظام الإقليمي أم الدوليº فهو أحد المفاهيم المركزية في حقل العلاقات الدولية الذي اتسم بالغموض الشديد منذ ظهوره كحقل علمي مستقل عقب الحرب العالمية الأولى حيث احتلت القضية الأمنية وضعاٍ جوهرياٍ في السياسات الخارجية لبعض الدول التي عادةٍ ما تتخذ الأمن هدفاٍ من أهدافها يتم تحقيقه باتباع إجراءات وقائية وأخرى علاجية وتهدف من وراء ذلك تغيير البيئة المحيطة أو بحسب ما أطلق عليه البعض أهداف البيئة.
ولم يعد الأمن يقتصر على المفهوم التقليدي المعني بحماية الحدود الإقليمية فحسب وإنما اتخذ أبعاداٍ أوسع من ذلك تنطوي على تطور المجتمع باتجاه تحقيق أهدافه التي تضمن له مصالحه إذ يعد الأمن من أهم حقوق الإنسان سواءٍ كان يتعلق بذات الإنسان كأمنه على حياته وجسده وعرضه فلا يعتدي عليه أحد أم كان يتعلق بماله كاطمئنانه على مورد رزقه أم كان يتعلق بنفسه عندما يتحرر من القلق والخوف مصداقاٍ لقوله ((): “من أصبح منكم آمناٍ في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.
وطبيعي أن ضمان الأمن القومي لأية دولة بمفهومه الشامل لا يمكن تحقيقه كاملاٍ بحال من الأحوال فليست هناك دولة تمتلك من المقومات والإمكانات ما يسمح لها بتحقيق أمنها الوطني بالدرجة المطلقة التي تتمناها فضلاٍ عن ما يحيط بها من متغيرات دولية وتيارات سياسية مختلفة تؤثر تأثيراٍ قوياٍ ومباشراٍ على كثير من عناصر أمنها بما لا يكفل لها صيانة مصالحها الداخلية واستقلالها الخارجي بالقدر الذي تطمح إليه القيادة العليا للبلاد.
ومن جانب آخر فإن مكانة الدولة أو الأمة وهيبتها وسمعتها في الأسرة الدولية تتأثر بنسبة طردية بقدر ما تتمتع به من أمن واستقرار وازدهار وهذه أمور شديدة الارتباط بالقدرة العسكرية والأمنية وكذا الطاقة الاقتصادية والمستوى الحضاري والمكانة السياسية والرصيد المعنوي للشعب والأمة.
وفي الظروف التي يعيشها اليمن الآن يشكل الأمن الدعامة القومية وركيزة أساسية للنمو الاقتصادي والاجتماعي وتدعيم الوحدة الوطنية والحفاظ عليها لاسيما مع تصاعد حدة الصراعات السياسية وعدم الاستقرار الأمني وطنياٍ وإقليمياٍ خاصة في دول القرن الأفريقي التي تركت آثاراٍ سلبية بالغة الخطورة على الحياة الاقتصادية وما رافقها من انعكاسات سلبية كتفشي ظاهرة البطالة وتدهور الحالة المعيشية واستمرار تصاعد أعمال العنف في تلك الدول دونما حل لهذه الأزمات فغدت اليمن من أكثر الدول الإقليمية عرضة لاستقبال وتسلل النازحين واللاجئين الأفارقة الواصلين عن طريق التهريب إلى سواحل المحافظات اليمنية الشاسعة.
ويحاول هذا المؤلف الإجابة على التساؤلات التالية:
1 – ما حقيقة الأمن القومي¿ وما متطلباته على المستويين الإقليمي والوطني¿
2 – ما المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية التي طرأت على المجتمع بمستوييه¿
3 – ما مدى وما كيفية تأثير تلك المتغيرات على مبادئ واتجاهات الأمن القومي العربي عموماٍ والأمن القومي اليمني خصوصاٍ.
4 – ما التهديدات والتحديات التي تواجه الأمن القومي بمستوييه الإقليمي والوطني¿
5 – ما وسائل حماية الأمن القومي وتحقيقه على المستويين الإقليمي والوطني¿
6 – ما الدور الذي يقوم به جهاز الشرطة والأمن في حماية الأمن بمفهومه الواسع والشامل في ضوء المتغيرات الدولية المعاصرة¿
وتنبع أهمية موضوع هذا الكتاب من وجوه عدة أهمها:
– إن الأمن القومي لأي دولة من الدول يْعتبر ظاهرة ديناميكية تتطور بالحركة والتغيير وليس مرحلة تصلها الدولة وتستقر عندها كونه خلاصة لتفاعل عوامل داخلية وإقليمية ودولية من خلال امتلاكها لمكونات القيام والبقاء في الإطار المحدد الذي يميزها عن غيرها من الدول الأخرى.
– ما أظهره عصر العولمة من تطورات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وعلمية وتكنولوجية كان له تأثيره على الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية وخلق حالة عدم الاستقرار وانعكاس وتأثير ذلك على قيم وثقافة ومبادئ وعادات وتقاليد الإنسان العربي والمسلم.
– الحفاظ على الأمن القومي من خلال تنمية وتطوير ورفع مستوى الإحساس والشعور والوعي بالولاء والانتماء الوطني لدى أفراد المجتمع كافة لما يترتب عليه من تعزيز للأمن القومي والمحافظة على القيم والمبادئ والثوابت والمصالح الوطنية العليا.
– إبراز سبل تعزيز الأمن القومي في المجتمع والمحافظة على القيم والمبادئ والثوابت والمصالح الوطنية العليا للبلاد والعباد وحمايتها من التهديدات والتحديات والأخطار الداخلية والخارجية في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية.
– تأثير تلك المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية على الهوية الثقافية والتاريخية وما تحمله من قيم ومثل وتقاليد سلبية وما تتسم به من خصوصية غربية تتنافى مع الشريعة السمحة الأمر الذي جعلنا نتساءل عن الدور والآليات والوسائل التي تحقق وتحافظ وتحمي الأمن القومي في المجتمع التي أصبحت حمايته شبيه بحماية الجسد الواحد الذي يتأثر بأي حدث في العالم.
– تداعي وسعي الدول العظمى وكل من له مصلحة أو كل من تتأثر مصالحه إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول وذلك عندما يختل الأمن في أي مكان أو دولة من دول العالم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ومثال ذلك ما حدث في دول الربيع العربي: تونس ليبيا مصر اليمن سوريا من تدخلات سياسية وغير سياسية تخدم مصالح تلك الدول ومنظماتها الدولية.
لذلك تهدفْ هذه الدراسةْ إلى تحقيق جملةُ من الأهداف نوجزْها فيما يلي:
1. التعرف على حقيقة الأمن القومي ومتطلباته على المستويين الإقليمي والوطني.
2. التعرف على أهداف وركائز الأمن القومي ووسائل حمايته وتحقيقه.
3. إلقاء الضوء على المتغيرات والتطورات على الساحة الدولية والإقليمية والمحلية والوقوف على مدى وكيفية تأثيرها على مبادئ واتجاهات الأمن القومي العربي عموماٍ والأمن القومي اليمني خصوصاٍ.
4. تشخيص أهم التحديات والتهديدات التي تواجه الأمن القومي بمستوييه الإقليمي والوطني.
5. إيجاد العلاقة وتحقيق الربط بين المتغيرات والتطورات الدولية والإقليمية والمحلية كتحديات ومهددات للأمن القومي الوطني والإقليمي.
6. تحديد الإستراتيجية الوطنية والإقليمية القومية لمواجهة تلك التهديدات والتحديات ومحاولة التغلب عليها على المستويين الإقليمي والوطني.
7. معرفة وبيان الدور الذي يقوم به جهاز الشرطة والأمن في حماية الأمن بمفهومه الواسع والشامل في ضوء المتغيرات الدولية المعاصرة.
وبناء على المفهومات السابقة وتحقيقاٍ لأهداف البحث قْسمت الدراسة في هذا الموضوع الهام إلى أربعة فصول رئيسة يسبقها مقدمة موجزة تضمنت العناصر والأفكار التالية: أهمية الموضوع ودوافع البحث فيه مشكلة البحث وتساؤلاته أهداف الدراسة ومفرداتها وذلك على النحو الآتي:
الفصل الأول: تناولِ حقيقة الأمن القومي ومتطلباته حيث تم عرض ومناقشة مفهوم الأمن القومي وتمييزه عن المصطلحات المشابهة الأخرى مع الإشارة إلى مفهوم الأمن القومي في الشريعة الإسلامية وكذا مفهومه في إطاره العالمي إضافة إلى إيجاز خصائص الأمن القومي وأهدافه ومستوياته الثلاثة: الداخلي والإقليمي والدولي بأسلوبُ بسيط ولغة سهلة واضحة وذلك في مبحث أول وفي مبحث ثان خْصص لبحث ركائز الأمن القومي كون الأمن القومي لأي دولة من الدول هو خلاصة التفاعل بين عوامل داخلية وإقليمية ودولية أو هو التفاعل بين عوامل داخلية وأخرى خارجية.
أما المبحث الثالث: فقد ناقش متطلبات الأمن القومي في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية حيث تم فيه إيجاز أهم المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية وانعكاساتها على الأمن القومي العربي واليمني ومتطلبات مواجهتها في ظل الظروف الراهنةº بغية الحفاظ على الأمن القومي بمستوييه الإقليمي والوطني.
في حين خْصصِ الفصلْ الثاني لدراسة التهديدات والتحديات التي تواجه الأمن القومي الإقليمي والوطني إذ تضمن عرض وبيان المفهوم الإستراتيجي للتهديد والعوامل المؤثرة في تحديد التهديدات التي تواجه الأمن بمستواه العام الوطني والإقليمي وتأثير الصراعات الإقليمية على الأمن القومي الوطني وانعكاساتها على الأمن القومي الإقليمي والوطني وذلك من خلال مبحثين رئيسين تناولا تلك العناصر والأفكار بشكلُ منهجي مبسط.
أما الفصل الثالث: خْصص لبحث آليات ووسائل حماية الأمن القومي في ظل المتغيرات المعاصرة كون الأمن لأي مجتمع يعد العمود الفقري والركيزة الأساسية في تقدمه وازدهاره استناداٍ إلى أن التقدم والازدهار لا ينموان إلاِ في مناخ من الاطمئنان والاستقرار اللذين يعدان مصدرهما الذي لا منافس له كون الهدف من تلك الوسائل هو حماية الأمن القومي من مختلف أنواع التهديدات الداخلية والخارجية التي تلحق الأمن والكيان الداخلي والخارجي للدولة والوطن.
إذ تم في هذا الفصل إيجاز تلك الوسائل التي تستخدمها الدولة لتحديد مفهوم الأمن القومي وفقاٍ لمتغيراته والأدوات النظامية اللازمة لوضع القيادة السياسية في الصورة الصحيحة للأحداث التي تؤثر على الأمن القومي والإجراءات التي تتخذها بصورة مباشرة وغير مباشرة سواءٍ على المستوى الداخلي أم الخارجي وذلك في الوقت المناسب.
ومن تلك الوسائل: مراكز البحوث والدراسات أجهزة المخابرات مجلس الأمن القومي (مجلس الدفاع) والأجهزة الحكومية الأخرى التمثيل الدبلوماسي أو الخارجي التخطيط الإستراتيجي للأمن القومي باعتباره الأداة والآلية الفعالة لتطوير العمل الأمني وجعله قطاعاٍ مواكباٍ للمتغيرات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية وذلك من خلال خمسة مباحث رئيسة.
والفصل الرابع: خْصص لعرض ومناقشة دور جهاز الشرطة في حماية الأمن القومي في ظل المتغيرات المعاصرة كون جهاز الشرطة والأمن يْعد من أهم الأجهزة الحكومية الذي يتحقق من خلاله أكثر المهام ضرورة وحتمية في المجتمع كونه المسؤول الأول عن تنفيذ القوانين وإقامة النظام العام لاسيما عنصر الأمن فيه فضلاٍ عن توفير العديد من الخدمات الضرورية لأفراد المجتمع التي لا غنى لأي منهم عن الحصول عليها وذلك من خلال ثلاثة مباحث رئيسة أولها تناول واجبات وصلاحيات جهاز الشرطة وثانيها: أثر المتغيرات الحديثة على وظائف هيئة الشرطة.
أما المبحث الثالث: خْصص لبحث منهجية الارتقاء بفاعلية إسهامات جهاز الشرطة في تحقيق وحماية الأمن القومي للدولة كون المهام الأمنية والإنسانية لأجهزة الشرطة والأمن تتصل بشكل مباشر بحياة المواطنين بمختلف ثقافتهم ومستوياتهم الاجتماعية الأمر الذي يجعل الارتقاء بالعمل الأمني الخدماتي والإنساني ضرورة حتمية في تلك الأجهزة وبما يلائم التطور الاجتماعي المضطرد للمجتمع الدولي والوطني.
وجاءت الخاتمة في نهاية كل جزئية من جْزئيات هذه الدراسة لتلخص أهم ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات ولتطرح أيضا بعض المقترحات التي يزعم الباحث أهمية الأخذ بها من قبل الجهات المعنية لتدارك بعض جوانب القصور الحاصلة في السياسة الأمنية تجاه مختلف القضايا ذات الصلة وفيما يتعلق بمكافحة التطرف والإرهاب من أجل الحد من آثار هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع اليمني التي أثرت على مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية حسب ما تم مناقشته وخلصت إليه في كل جزئية من جْزئيات الدراسة بشقيها النظري والتطبيقي من نتائج في الصدد ذاته.
والجدير ذكره أن هذا الكتاب قد نهض بتحليل وتمحيص مجمل الإشكاليات التي أثارها موضوع دراسته وذلك على نحو معمق ومؤصل علمياٍ وعملياٍ الأمر الذي يجعل الدراسة التي وردت فيه تْمثل إضافة هامة للفقه القانوني العربي لما ورد بها من تحليلات واستنتاجات واقتراحات جديرة بالدراسة والتحليل والتأصيل العلمي والعملي.
وبالتالي فهي دراسة جادة في موضوع هام في حقل العلاقات الدولية والقانون الدولي بصفة عامة وهام للجمهورية اليمنية على وجه الخصوص دراسة تستحق التأمل والمناقشة.
* أستاذ القانون الدولي العام المساعد
رئيس قسم العلوم الأمنية بكلية الدراسات العليا
عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة