في خضم عالم مفعم بالمتناقضات المنحازة للشكليات في غالب الظن، بدا أن أجيال هذا الزمن لا يدركون في أوضاعهم العامة والخاصة إلا هوامش الأمور والأشياء، فصاروا بواقعهم كالمتسمر على أرجوحة تمضي به يميناً ويساراً مع شرود في الذهن، ولا يكاد يفقه من وضعيته إلا أنه يتحرك غير آبهٍ بحركته تلك وما الفائدة من ورائها، فما يلبث بعد وقت وجيز إلا وقد أصبح “مسوماً / يشعر بالدوار والغثيان”، وهنا نستطيع القول إن الكثير من الناس في هذا الزمن ينبغي عليهم التريث أمام دوشة الواقع والتفكير بإيجابية وحيادية، مع أهمية سؤال أنفسهم عن ماهية السبب في عدم تذوقهم للأشياء بوجه عام، رغم جودة التصنيع ووفرة الحاجيات وقرب البعيد وسهولة الوصول ووووو ؟.
ذات يوم – في مقتبل شبابي – كنت أقرأ لكتَّاب مقالات، وعرفت بعض كتَّاب المقالات للصحف والمجلات المحلية والعربية والدولية المترجمة بشكل بسيط نظراً لقلة الإمكانيات، بل وأنتظر اليوم الذي أعرف أن ذلك الكاتب سيكتب في عموده المخصص له في الصحيفة أو المجلة الفلانية أو العلانية، شغف كبير، حب الاطلاع، تشوق للمعرفة من أي مصدر قد أحصل منه على معلومة ولو كانت أبسط من البسيطة، لكنها كانت والشاهد الله بالنسبة لي كغذاء اتغذاه بل وأعظم – أحس بقوة ومنعة كلما قرأت موضوعاً مفيداً، شعور جميل – نهم الفهم والتركيز والتفاعل بموضوعية مع مواضيع هادفة وغير مغرضة، لم يهمني يوم أن أرى كاتباً يكتب وهو منحاز أو متشدد، بقدر ما كنت أقرأ لهذا وذاك ثم أفرق وأفهم فيما هي وكيف تكون التداخلات والأيقونات التي تميز هذا عن ذاك وعقلية هذا عن أولئك، فعرفت الغث والسمين و»المخضرية» حتى على مستوى الموضوعات المطروحة للجدال والتداول، صارت كملكة لدي، فأوجدت لنفسي خلفية أو مرجعية لمن يستحق أن أتابع مقالاته وأقرأ له على الدوام ومن اتحاشى مقالاته وأهملها، نعم، فالناس أجناس وعقليات، والناس مهام واستحقاقات، فليس من يكتب فقد كتب، وليس من يقرأ فقد قرأ، الكاتب متجانس والقارئ، فلِمَ تكتب ولمن تقرأ؟
للأسف اكتشفت وضعاً مزرياً لم يكن يخطر يوماً على بالي، صار أناس – في السوشل ميديا تحديداً – كلامهم وكتاباتهم «شجح» وغالباً سفري أو بمعنى أدق «زبج حامض» وأصبحوا مشاهير !!!، بذاءة الكلام وحقارة التفكير وانعدام المسؤولية وغير ذلك من الصفات المشينة، لكنهم «مشاهير» ويحسب لهم ألف حساب، وكذا بعض المسؤولين المتنفذين في الدولة الذين ليست لديهم ذرة أخلاق وأسلوب في التعامل مع موظفيهم دأخل المؤسسة الحكومية فما بالنا بكيفية طريقة تسيير مهام تلك المؤسسة، المهم مسؤولون «وساعك يا صدق ومصدقين أنهم بيمشوها صح وخيرة الله !!!»، لكن الغلط ليس فيهم بل الغلط في من يتابعهم و«د دصدصيشخر لمجابرهم»، طبيعي « الأشكال على بعضها تقع، وحقيقةً هناك كتَّاب مقالات وليسوا كتَّاب تقارير أو استطلاعات مع التصوير أو بدونه أو غيرها مما تعج به الصحافة والمجلات، «كُتَّاب مقالات» يمكن للفطن أن يبحث عن كتاباتهم وسيجد وفرة من الهدوء والطمأنينة واللذة في تذوق الكلام والعبارات، لا لشيء إنما لأن الإنسان بطبعه ذواق يتذوق كلام العقلاء ويستأنس بصحبتهم عن طريق قراءة كلماتهم وعباراتهم، والإنسان على ما اعتاد، فالساذج يحب السذاجات وحامليها والفطن يحب الفكرة المعلومة والالقاء والأسلوب والعقول الناضجة لأنه آدمي ناضج.
يحزن الإنسان كثيراً عندما يجد كاتب مقالات مخضرماً يجهد نفسه غالبية الأوقات من أجل كتابة مقالات هادفة في شتى المواضيع العلمية والسياسية والاجتماعية وووو ثم يتفاجأ بأنه لا تقدير له ولا احترام لا من مجتمع ولا مسؤول ولا دولة ولا عاقل ولا غاوي !!!!، لكن لو كان أحد السذج لرحبوا به وسهلوا وفرشوا الورود والرياحين و»هوشلوا» وفعلوا معه صور سلفي وجعلوه في الدولة مستشاراً وحققوا أمانيه ولبوا طلباته، لأنهم…..؛ المهم : «يكفي كاتب المقالات الهادفة أنه يحمل تقدير كاتب مقالات، وهل هناك شرف كشرف العلم والحكمة وتبليغها للناس لوجه الله ومع الله وفي سبيله»؟، شتان بين العلم والجهل لو كنتم تفقهون، وهذا الكلام مني مجاناً للمستهترين بكتَّاب المقالات قاصيهم ودانٍ.
،،ولله عاقبة الأمور،،.