الهروب السعودي والبطولات الدونكشيوتية الفارغة

إبراهيم محمد الهمداني

 

– تصنَّع المهفوف -وما زال- محمد بن سلمان، دور البطولة الدونكشيوتية، في عدة محطات ومواقف، ولعل عدوانه على اليمن، كان فاتحة تلك البطولات الوهمية، كما كان فاتحة هزائمه النكراء أيضا، على كافة المستويات والأصعدة، وهو الأمر الذي لم يكن يتوقعه هو، ولا أسياده الأمريكان، الذين ورطوه في هذه الحرب الخاسرة، نظرا للواقع الحياتي المزري، والأوضاع المتردية، التي طالت حياة المجتمع اليمني في جميع الجوانب، على يد ممثلي السفارات الأمريكية والبريطانية والسعودية، بدرجة أساس.
كانت الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة اليمنية، التي شهدتها عمليات الرد والردع، وفرض السيادة على الثروات الوطنية، هي مصاديق وشواهد إفلاس وهزيمة، زعيم حرب طواحين الهواء السعودي، الذي لم يفق من سكرة جنون العظمة، إلا بعد استهداف (الضرع الحلوب) أرامكو، وتعطيل نصف الإنتاج أو أكثر، وهو ما انعكس على أسعار النفط، التي ارتفعت بشكل جنوني، وأحدثت أزمة وقود عالمية، كما انعكست على الاقتصاد السعودي بأثر رجعي، سواء من حيث تدني الإنتاج النفطي، أو من حيث انخفاض أسعار البورصة، وتراجع فرص الاستثمار، وهروب رؤوس الأموال، نظرا لانعدام البيئة المناسبة للاستثمار، وفي مقدمتها الأمن، ولم يكن أمام النظام السعودي – حينها – بد من اتخاذ الإجراءات الوقائية، لحماية الاقتصاد من الانهيار الوشيك، فلجأ إلى زيادة الضرائب، وتكبيل المواطن بأغلال غلاء المعيشة، وجعله يدفع ثمن جنون ابن سلمان، من لقمة عيشه باهظا.
وتبعا لسياسة تخدير الشعوب، من خلال استراتيجية الضربات المتلاحقة، عمد ابن سلمان إلى لعب دور البطل الحداثي الإمبريالي، من خلال انتهاجه سياسة الانفتاح، والتحلل الأخلاقي والتفسخ القيمي، ليقامر بالدين والقيم والمبادئ، والثوابت والأخلاق والأعراف المجتمعية، دفعة واحدة، في صالات الترفيه السلمانية الصهيونية، في انتهاك صارخ لكل محظورات الدين الإسلامي، وتدنيس علني لمقدساته، وتجاوز سافر لخصوصية المكان والإنسان معا، الأمر الذي أثار استياءً واسعاً، من جميع المسلمين، على المستوى الداخلي والإقليمي والعالمي، ليسقط دور البطولة المزعوم هذا، كما سقط سابقه.
وبدعم سياسي أمريكي صهيوني، تزعَّم ابن سلمان، قيادة جامعة الدول العربية، بعقلية همجية ترامبية محضة، دون أدنى مراعاة لعقل أو منطق أو قوانين دولية، أو بروتوكولات سياسية أو أعراف دبلوماسية، فتخبطت خطواته، وتقاطعت مساراته، فحينا يعلن تبنيه دعم الجماعات الإرهابية “داعش وأخواتها”، في سوريا والعراق واليمن وغيرها، ووقوفه إلى جانبها، رغم افتضاح علاقتها المباشرة، بحكومة الكيان الصهيوني المحتل، وحضورها الوظيفي لخدمة الأجندة الصهيونية، وحينا يعلن عن سياسة معتدلة، لا تتجاوز البروتوكولات الشكلية، والاستهلاك الإعلامي البائس، وما بين هذا وذاك، غابت عن قيادة وسياسة ابن سلمان، أدنى ضوابط العقل والمنطق والحكمة.
إن تحوُّل موقف السعودية تجاه سوريا وإيران، من العداء المطلق إلى الصداقة المفتوحة، والسير نحو إعادة العلاقات الطبيعية، رغم إيجابيته، إلا أنه سلوك غير مبرر، ولا منطقي، لأن أسباب العداء، التي أعلنتها السعودية وتذرعت بها، تجاه كل من سوريا وإيران، مازالت قائمة على حالها، وما زالت السعودية تتبنى وتدعم الجماعات التكفيرية، والفصائل الإرهابية المتطرفة، في سوريا، بحجم رغبة المملكة السعودية الاستبدادية في تحرير الشعب السوري من جمهوريته ونظامه الديمقراطي، ومازالت السعودية -أيضاً- تشن عدوانها الظالم وحصارها الغاشم، وإجرامها المستمر، بحق أبناء الشعب اليمني، بحجة أنهم أذرع إيران في المنطقة.
إن هذا التناقض الحاد، في سياسة وسلوك النظام السعودي، لا يبشر بخير، ولا يقيم العلاقات الجديدة، على أرضية صلبة، خاصة وأن السعودية لم تعتذر عن تجميد عضوية سوريا، في الجامعة العربية، وجعلت عودتها وفقاً لدعوة يتيمة لم تمثل رغبة الجامعة العربية في تموضعها السياسي الجمعي، وإنما مثلت استلاب أعضاء الجامعة العربية التابعين لابن سلمان في التموضع الملكي الفردي، وهو ما يفسر عدم إعلان السعودية التخلي عن دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة في سوريا، كما أن خطابها الإعلامي المحرض ضد الجمهورية الإسلامية في إيران لم يتغير تبعاً لمقتضيات العلاقات الجديدة، وإن كان قد تخفف نوعا ما، إلا أنه مازال ينفخ النار من تحت الرماد، وفي ظل هذه الشيزوفيرينيا الحادة في سلوك وأيديولوجيا النظام السعودي، لا يمكن الركون إلى التحول السياسي المفاجئ، في العلاقات الدولية السعودية مع جيرانها ومحيطها الإقليمي، التي ستظل ريشة في مهب الريح، قد ينقلب عليها ابن سلمان في أي لحظة، مادام قد اتخذ من الترامبية نهجاً ومنهجاً، في مسيرته السياسية.
بعد سقوط ابن سلمان، في ثمثيل دور القائد القومي الإقليمي، هرب إلى الأمام، ليؤدي دور المتمرد على سيده الأمريكي، في مسرحية “انهيار القطب الواحد”، ويتحرك على خشبة المسرح العالمي، في إطار ما سمح به “السيناريست الصهيوني”، الذي أسند مهمة الانقلاب على هيمنة القطب الواحد، إلى الدونكشيوت النجدي الأبله، ليقوم – الأخير – بأداء دور البطل، الرافض زيادة إنتاج النفط، تضامنا مع عرابه الجديد الروسي.
ولأن اللوبي الصهيوني “عاوز كده”، فقد قدم الولايات المتحدة الأمريكية، في دور البطل المتمرد – أيضا – على اشتراطات الكيان الصهيوني، بشأن تسوية الملف النووي الإيراني، وهو ما تؤيده وسائل الإعلام العبرية، التي ما تنفك تبدي تذمرها من التعاطي الأمريكي، مع الملف النووي الإيراني، بوصفه تنازلات غير محمودة العواقب.
كثيرة هي الأدوار الساقطة، التي فشل في أدائها الأمير المجنون، ولم يستطع مواراة سوءته، بما أراق من أنهار الدماء، وانتهك من الحرمات والمقدسات، رغم كثرتها وهولها العظيم، حيث كان السقوط ومازال حليفه الأبدي، كما هو حال أسياده الأمريكان والصهاينة، وابن سلمان – بطبيعة الحال – أعجز من أن يتجاوزهم بنجاح سياسي أو حضاري، كما أنه لا يملك الجرأة الكافية، لإعلان رفض التبعية المطلقة، التي أقرها جده عبدالعزيز على نفسه ومن يليه، موثقة بخط يده، وممهورة بخاتمه، بالتزام الطاعة المطلقة لبريطانيا العظمي، ومن يمثلها، إلى قيام الساعة، وتسليم فلسطين لليهود المساكين، حسب وصفه.
يمكن القول إن ابن سلمان لن يكون أقل يهودية من جده عبدالعزيز، ولن يكون أقل طاعة وتبعية لأمريكا وبريطانيا، ومن خلفهما الكيان الصهيوني الغاصب، وبناء على شواهد ومعطيات الواقع، لا يبقى هناك مجال للشك حول حقيقة الدور الدرامي للمتمرد الصغير، الذي أساء حتى لمعنى التمرد، بما يعنيه من شمولية الرفض والثورة، ليختط لنفسه تمردا جزئيا حسب مقاسه، وبما اقتضت توجيهات اللوبي الصهيوني.
وفي ذات السياق الدرامي، صدرت أوامر إمبريالية للنظام السعودي، ليقوم بأداء دور الوسيط في المفاوضات اليمنية السعودية، الجارية مؤخراً برعاية سلطنة عمان الشقيقة طمعاً في الخلاص والتهرب من المسؤولية السياسية والأخلاقية، وعدم دفع التعويضات وجبر الضرر وإعادة الإعمار ومعالجة كافة الملفات والأضرار الناتجة عن قيادتها للعدوان على اليمن، لكن النظام السعودي -ممثلاً في ابن سلمان- سقط كعادته، وفشل فشلاً ذريعاً في التنصل عن جرائمه ومجازره بحق الشعب اليمني بأكمله أرضاً وإنساناً على مدى ثلاثة آلاف يوم، حتى وقتنا الراهن، وما زال باب الزمن مفتوحاً على تداعيات ومخاطر كارثية، سيتحملها حتماً النظام السعودي/ ابن سلمان، كونه قائد التحالف بشهادة العالم بمن في ذلك سيده الأمريكي.
إذا كانت الحرب على اليمن رغبة أمريكية، تم توريط السعودية فيها رغما عنها، فلماذا لا يثبت البطل الثائر ابن سلمان تمرده على سيده الأمريكي بإنهاء الحرب على اليمن ومعالجة ملفاتها وتداعياتها بكل جرأة وشجاعة؟ فقد يكون في ذلك حفاظاً على ما تبقى من تموضعه الوجودي، واستمرارا لحضوره الافتراضي، لكنه لن يجرؤ على فعل ذلك، وسيستمر في مسلسل السقوط، ليكون دور دون كشيوت المطبع مع الكيان الصهيوني علناً هو آخر محطات ظهوره على المشهد السياسي الإقليمي والعالمي.

قد يعجبك ايضا