قد يكون أكثر ما لفت انتباهي عند زيارتي لجمهورية مصر هو شيوع ثقافة المنتج المحلي بشكل غير اعتيادي، فالمنتجات الغذائية والملبوسات والمنتجات الاستهلاكية والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وحتى السيارات يتم تصنيعها داخل مصر بأياد محلية.
عندما تقوم بزيارة لبقالة أو سوبرماركت في مصر، تتفاجأ بأن غالبية المنتجات المحلية هي التي تستحوذ على السوق تاركةً حصة بسيطة لمنتجات مستوردة ينظُر إليها المستهلك بعين الخوف، لكونها تتسبب بنزيف العملة الصعبة وتلغي فرص عمل يحتاجها كثير من الشباب العاطلين فضلاً عن ارتفاع سعرها مقارنةً بنظيراتها، وأصبح التعامل مع هذه المنتجات بمثابة تعامل مع جسم غريب يتطلّب الحذر، وبناءً عليه ترسّخت قناعة معمّقة ووعي لدى المستهلك بأهمية شراء (البلدي)، حيث باتت هي الثقافة السائدة.
على أن ذلك لم يتأتَّ من فراغ، بل كان نتيجة جهود حثيثة بذلتها الحكومات المتعاقبة على مدى عقود من خلال استراتيجية زرعت فيها الولاء للمنتج الوطني وشجعت الصناعات الوطنية والمنتجات الزراعية، وعملت على تنمية الصادرات وإنشاء المناطق الصناعية واستحداث القوانين الجاذبة للمستثمرين ورجال الأعمال، وفرضت رسوماً مضاعفة على جميع الواردات المنافسة للمنتجات الوطنية، أو التي ساهمت باستنزاف العملة الصعبة.
فمتى قومي يعلمون أن المُستورد ليس إلا دماراً ممنهجاً للاقتصاد الوطني، ومحاربةً للمنتج المحلي وهدراً للعملة الصعبة، وتوسيعاً لدائرة البطالة والفقر ؟
إن اقتصادنا – مهما تعدّدت الحلول – لن يتعافى إلا بتشجيع المنتج المحلي بقطاعيه الزراعي والصناعي، كونه الحل الأمثل لمواجهة التضخم ومكافحة الفقر والقضاء على البطالة.
لكن وللأسف، لا يزال (المستورد) يعبث في البلد واقتصادها، وهو صاحب القرار، فما أن تولي وجهك يمنة أو يسرة إلا وتشاهده قد غزا الأسواق، ونافس المنتجات المحلية بطريقة غير شريفة، متّكئاً على ثقافة خاطئة تتجسَّد بعقدة الخواجة، وهوس الميول إلى (الخارج) المتجذِّرة فينا منذ عهود طويلة نتيجة انخفاض مستوى الوعي وعدم الثقة في الذات.
فهل آن الأوان أن نستعيد ثقتنا بقدراتنا وصناعاتنا، ونفتخر بما ننتجه تحت شعار «صنع في اليمن» ؟
*رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي**