3 آلاف و500 حاج يمني قتلهم آل سعود وقتذاك وأضافوا 50 ألف مذبحة اليوم
مذبحة تنومة في عامها الـ 103..اليمنيون يتذكرون إجرام آل سعود
الدم لا يُصالح.. والعدالة لا بد أن تأخذ لليمنيين حقهم
الثورة / صنعاء : تقرير خاص
في مثل هذا اليوم دوّن التاريخ في تفاصيله جريمة يندى لها جبين الإنسانية، هي واحدة من أبشع الجرائم التي ستبقى محفورة في الذاكرة البشرية، كما هي في ذاكرة اليمنيين – وإن غُيّبت عن وعي اليمنيين لعشرات السنين – بسبب سياسات الحكومات المرتهنة لآل سعود، فهي المجزرة التي راح ضحيتها ثلاثة آلاف حاج يمني عزّل من السلاح كانوا في طريقهم إلى بيت الله الحرام مهللين لأداء مناسك الحج.. لتبين حقدا كان يحمله آل سعود على الشعب اليمني منذ قديم الزمان.. وما عدوانها اليوم إلا تبيان أوضح لمدى حجم ذاك الحقد المتراكم بلا معنى وبلا سبب.
على طريق الطائف – أبها، شمال مدينة أبها بحوالي 125 كم تقريباً تقع تنومة التي شهدت هذا الفعل المنكر.
اختزلت الجريمة وحشية النفس البشرية، حين يسيطر عليها الحقد ورفض الآخر، وتعجز عن التعايش مع الآخر المختلف معها في الرأي أو المذهب.
ويرى البعض في عملية الربط بين الجريمة والعدوان على اليمن اليوم، أن ارتكاب السعودية المجازر الوحشية وسفك الدماء في عدوان سافر على اليمنيين منذ أكثر من ثمانية أعوام، ما هو إلا امتداد للنهج الإجرامي لمملكة آل سعود الحاقدة على الشعب اليمني.
وفي تفاصيل المذبح تذكر المصادر التاريخية أنه بعد دخول الحجاج اليمنيين إلى الأراضي السعودية اعترضت طريقهم سرية جنود من جيش آل سعود بقيادة الأمير خالد بن محمد (ابن أخ الملك عبد العزيز)، مسندةً بمجموعات تكفيرية بقيادة سلطان بن بجاد العتيبي، وبعد أن أعطوا الحجاج الآمن للمرور، حتى أحاطوا بهم وقتلوهم جميعا.
وتروي، بأن الحجاج حين وصلوا وادي تنومة في عسير، انقضّ عليهم جنود الفرقتين من كل حدبٍ وصوب بوحشية منقطعة النظير فقُتل أكثر من 3 آلاف حاج على الفور ولم ينجُ منهم إلا عدد قليل. وقف الجند على جثث الحجاج مهللين مستبشرين بالجنة، ذلك أنهم كانوا يعتقدون أن من قتل واحداً من الحجاج اليمنيين نال قصراً في الجنة ومن قتل اثنين نال قصرين وهكذا.
يؤكد الباحث الأهنومي في كتابه “مذبحة الحجاج في تنومة وسدوان” الذي طبع ثلاث طبعات، أن قرارَ تصفية الحجّاج صدر من الرياض، إذ لم يكن لأحدهم أن يجرؤ على اتخاذ هذا القرار باستثناء عبد العزيز بن سعود، وقد وصل القرار إلى يد حاكم أبها النجدي في الوقت الذي كان فيه الحجاج يجتازون الطريق بين أبها وتنومة، وقد علم أنهم سيقضون أياماً في أبها ومن بعدها تنومة ثم عسير وبالتالي تمكن عبد العزيز من إعداد الجند والمجموعات الإرهابية للقضاء على الحجاج.
وفي تفاصيل الواقعة – كما يرويها الباحث الأهنومي- والتي هي عبارة عن مجزرتين متتاليتين وليست مجزرة واحدة، شرع الحجّاج بعد وصولهم إلى عسير في إعداد طعام الغداء دون أي دراية بما قد حيك لهم من مؤامرة إبادة شاملة وهم عزّل لا يملكون السلاح.
وما إن شارفوا على الانتهاء من الطعام برز إليهم جيش ابن سعود الكامن لهم بعدما أحاطهم من كل الجهات وباشر بإطلاق النار على جباههم وصدورهم بشكل كثيف. تحرَّك الحجيج الناجين مجتازين مناطق كثيرة وصولاً إلى أطراف بني الأسمر (سدوان)، وإلى حدود بني شهر في (تنومة)، “فحطَّت القافلة الأولى والكبيرة في تنومة، والتي تبعد عن أبها حوالي 125 كيلو متراً، فيما حطَّت قافلتان في سدوان الأعلى وسدوان الأسفل، واللتين تبعُدان عن تـنـومـة بحوالي 10 إلى 15 كيلو متراً، إلى الجنوب الشرقي منها… فهجم الجند المدججون بالحقد على الحجاج من أعلى الوادي وأسفله وهم على خيولهم وإبلهم، وهجم المشاة عليهم من رؤوس الجبال، وتابعوا الرمي عليهم ببنادقهم من كل جهة، فاستُشْهِد معظمُ من كان بهذا الوادي من الــحــجــاج، وقتِل أكثرُ دوابهم، وأُخِذَتْ أموالُهم، ولم يفِرَّ منهم إلا القليل”. وهذه كانت المجزرة الأولى.
أما المجزرة الثانية فقد وقعت في سدوان، حيث فعل بني سعود بالحجيج- بعدما وصلوا إلى سدوان- ما فعلوه في تنومة، مع العلم أن المجزرة الأولى كانت أكبر وأعظم. وهذا يشير وفق الأهنومي إلى أن “النـاجــين كان أكثرهم من فرقتي سدوان، الفرقتين الأخريين، وأن عامل الوقت كان سبباً من أسباب نجاة الكثير منهم، بيد أن الوهابيين النجديين من عصابات آل سعود لم يكفِهم ذلك، بل انطلقوا لمطاردة الهاربين فمن أدركوه قتلوه”. لم ينجُ من الحجيج أحد باستثناء قلة تظاهروا بالموت بين الجثث الهامدة وأكملوا مسيرهم، فيما بعد مسلوبين وعراة ليس عليهم سوى سراويلهم، وذلك بعدما استولى الجند على كل ما كان يمتلكه الحجيج من أثقال ودواب، وأموال وأمتعة.
ويذكر الدكتور حمود عبد الله الأهنومي – صاحب كتاب “مذبحة الحجاج في تنومة وسدوان”، أنه قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وكان ممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي – رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء، وعمّ السخط والحزن أرض اليمن، وحين وصل الرحالة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن وجد الحزن والأسى يعم أهلها.
ويؤكد سياسيون وأكاديميون وقانونيون، أن مذبحة الحجاج اليمنيين الكبرى في تنومة وسدوان التي ارتكبتها عصابات آل سعود سنة 1341 هجرية، جريمة إبادة جماعية لا تسقط بالتقادم، وفقا للقانون الدولي.
وطالبوا بالبدء في خطوات عملية لملاحقة نظام آل سعود قضائياً أمام المحاكم الدولية بسبب مذبحة تنومة والجرائم التي ارتكبها على مدى أكثر من ست سنوات بحق اليمن أرضاً وإنساناً.
الصورة البشعة
وقعَتِ المجزرةُ في ظهر يوم الأحد 17 ذي القعدة 1341هـ الموافق 1 يوليو 1923م، وكان الحجاج قد نزلوا على ثلاث فرق، الفرقة الأولى في تـنـومـة، والثانية والثالثة في سدوان، وأن جملة من الأسباب السياسية والعقائدية والاقتصادية كانت وراء الحادث، وأنها مــجــزرة دُبِّر أمرُها بليلٍ شيطانيٍّ مشؤوم، وأن ابن سعود وحده هو الشخص الذي يمكنه اتخاذُ قرار بذلك الحجم وتلك الخطورة، وأن هناك دلائلَ وأماراتٍ ترجِّح أنه العقل المدبِّر لتلك المجزرة، وأن تظاهره بالبراءة منها كان مشهداً من مشاهد مسرحية قرن الشيطان..
يضيف الدكتور الأهنومي القول: اقتضت الخِطة الشيطانية النجدية إيجادَ طرف ثالث يتولَّى المجزرة في كمينٍ ينقض على الحجاج يتحمل في الظاهر وِزْرَ قتلهم، وتبيّن أن سلوكيات داعش والقاعدة كانت حاضرة فيها، فعدد مَنْ ذبحتهم سكاكين الإخوان الوهابيين كانوا حوالي 900 شهيد، وقتلوا النساء والكهول، وأن عدد الشهداء أكثر من 3000 شهيد، ينتمون لمختلف فئات وأماكن اليمن، وأنه لم ينج منهم إلا من تظاهر بالموت وانغمس بين الدماء، أو أمكنه الفرار عند بداية الهجوم، وهم حوالي 500 شخص، 150 شخصا منهم بقيادة أمير الحج صمموا على مواصلة السفر للحج في ذلك العام عن طريق تهامة، وعاد البقية إلى اليمن.
تحرَّك الــحــجيج مجتازين مناطق كثيرة وصولاً إلى أطراف بني الأسمر (سدوان)، وإلى حدود بني شهر في (تـنـومـة)، فحطَّت القافلة الأولى والكبيرة في تـنـومـة، والتي تبعد عن أبها حوالي 125 كيلو متراً، وحطَّت قافلتان في سدوان الأعلى وسدوان الأسفل، واللتين تبعُدان عن تـنـومـة بحوالي 10 إلى 15 كيلو متراً، إلى الجنوب الشرقي منها، وكان أميرُ الــحـجـاج في الفرقة الأخيرة التي نزلت في سدوان الأسفل.
كان اليوم هو الأحد 17 من ذي القعدة 1341هـ / 1 يوليو 1923م، في وقت الظهيرة، وقد حطَّت الفرق الثلاث لصناعةِ طعامِ الغداء ظهرا، وهم آمنون لا يدرون عما قد دُبِّرَ لهم بليلِ الشياطين، وما قد حيك لهم من مؤامرةِ إبادةٍ شاملةِ، وهم بلا سلاح، ولا تأهُّب، ولا شعورٍ لهم بشيء، ولما شدَّ بعضُهم أثقالَه بعد الغداء، وبعضهم كان لا يزال في حال الغداء، وبعضهم في حال الشد، إذا بجيشِ ابنِ سعود الكامن لهم قد أحاط بهم من كل الجهات، وإذا به يصليهم نارا، ويباشر بإطلاق النار في جباههم ورؤوسهم وصدورهم بشكل كثيف.
لقد أحاطوا بمن في تـنـومـة وهي الفرقة الأكبر، وطلعوا عليهم من أعلى الوادي وأسفله وهم على خيولهم وإبلهم، وهجم المشاة عليهم من رؤوس الجبال، فتابعوا الرمي عليهم ببنادقهم من كل جهة، فاستُشْهِد معظمُ من كان بهذا الوادي من الــحــجــاج، وقتِل أكثر دوابهم، وأُخِذَتْ أموالُهم، ولم يفِرَّ منهم إلا القليل.
حاول بعضُهم المدافعة بما أمكن، وكانت قلة قليلة جدا منهم لديها سلاحٌ ناري وذخيرة فقاتلوا به حتى كمُل ما معهم، فقُتلوا، وكان بعض الــحــجــاج ينتظر الموت لحظة بلحظة، وكانوا يقرأون سورة ياسين، ولكن كان رصاص جنود ابن سعود أسرع إلى أرواحهم منهم إلى إكمال تلاوة سورة ياسين.
بدأوا هجومهم عليهم برميهم بالبنادق من رؤوس الإكام، ثم نزلوا إليهم يقتلون من عرفوا أنه لا يزال حياً، فكانوا يمرون من بين جثثهم، فمن أصابه عيارٌ ناري وبه رمَقٌ من حياة جاؤوا ليذبحوه أو يطعنوه بحادٍّ للتأكد من فراقه للحياة، وإجماعُ حديث النـاجــين بأنهم جميعاً ممن غاصوا بين الدماء تظاهراً بالموت يدل على بشاعة سلوكِ هؤلاء مع الجرحى إجهازاً وفتكاً؛ فهذا السيد ضيف الـلـه المهدي – على سبيل المثال – من محل العرينة عمار محافظة إب، أحد النـاجــين من هذه المــذبــحــة، نجا؛ لأنه رمى بنفسه في مكان فيه دماءٌ كثيرة، وامتدَّ بينها كالميت.
وبعد أن أبادوا الفرقة الكبيرة في تـنـومـة عطفوا على الفرقتين في سدوان واللتين كانتا تبعدان عن الأولى بحوالي 10 إلى 15 كيلومتراً، وفعلوا بهما كما فعلوا بالأولى، إلا أن القتل في الأولى كان أوسع وأعظم، وهذا يشير إلى أن النـاجــين كان أكثرهم من فرقتي سدوان، الفرقتين الأخريين، وأن عامل الوقت كان سبباً من أسباب نجاة الكثير منهم.
بيد أن الوهابيين النجديين لم يكفِهم ذلك، بل انطلقوا لمطاردة الهاربين فمن أدركوه قتلوه صبرا، ثم بعد ذلك استولوا على غنائم أولئك المشركين!! الــحــجــاج!!، فاستولوا على كل ما كان في أيديهم وأثقالهم ودوابِّهم، من المال و(القُراش) والبضاعة، وأخذوا جميع أمتعة أولئك الـشــهــداء.
كثير من النـاجــين تظاهروا بالموت بين الدماء، ويحكي السيد زبارة كيفية نجاة أمير الــحــج في المخطوط من كتابه (نزهة النظر)، بأنه أظهر أنه مقتول، فلما جاء الليل مشى على رجليه، وترك جميعَ أدواته، إلا الثوب الذي فوقه، وواصل سفره إلى مــكــة. ويبدو أن ذلك الثوب لم يسلم من النهب، كما هو مقتضى رواية السيد ضيف الـلـه المهدي الآتية.
ومع ذلك كله فإن مَنْ نجا منهم بعد تلك الأهوال تلقاهم أهل القرى القريبة من محل المــجــزرة، كما تقول سيرة الإمــام يــحــيـى، فسلبوهم ما بقي معهم من أموالٍ محمولة، “وسلبوا ما عليهم من الثياب”، وبحسب رواية السيد ضيف الـلـه المهدي أحد النـاجــين من المــذبــحــة، فإنهم لم يتركوا عليهم سوى السراويل، وأن جمعا من الــحــجــاج من بينهم أميرُ الــحــج وصلوا إلى أحد المراكز الحكومية وليس عليهم إلا السراويل، وقد ترجَّح للباحث أن ذلك المركز هو مركز بارق في تهامة المحاذية لبني شهر من جهة الغرب، وهو مركزٌ كان حينها يخضع لحكم الشريف حسين ملك الــحــجاز، ومنه أبرق أمير الــحــج إلى شريف مــكــة.
أرقام وشهادات
الشهداء يمثلون مختلف ومناطق اليمن.. وقد حرص الباحث على أن يورد ما ذكر عن عدد الناجين ومن الطبعة الأولى للكتاب إلى الطبعة نلحظ تزايداً في عدد الناجين الذين جرى ذكرهم، ما يعني إن الباحث لم يتوقف عند الرقم الأول الذي توصل إليه في عملية البحث وإنما لا يزال في عملية بحث وتقصي.
وبحسب ما يورد الباحث فان المصادر اختلفت اختلافاً شديداً في عددهم، فالمؤرخ زبارة يقول: “زيادة على ألفي قتيل”، وإحدى الوثائق البريطانية تحدِّدُ عددَهم بـ”قافلة كبيرة”، وفي وثيقة أخرى، تقول: “كانوا 500 حاج”، ويقول صاحب كشف الارتياب إنهم كانوا ألف إنسان، ولم ينج منهم غير رجلين، ويذكر القاضي السياغي بأن عددهم 1800 شهيد.
تذكر جريدة القبلة، أن عددهم تجاوز الألفين، منهم تسعمائة فُصِلت رؤوسهم عن أجسادهم، والقاضي الإرياني يقول: إنهم ألفان وستمائة حاج، ويقول القاضي الأكوع: إنهم كانوا 2600 قتيل، لكنه في مكان آخر يقول: إن عددهم 2700، وذكر المؤرخ السيد زبارة: أنهم “نحو ثلاثة آلاف”، ويقول السيد العلامة مجد الدين المؤيدي: إنهم حوالي 3500 شهيد. وذكر القاضي العلامة الجرافي أن عدد الحجاج يقارب 4000 حاج، جميعهم استشهدوا، ما عدا قرابة 280 شخصاً وقُدِّر عددُ الــحــجــاج لنزيه العظم مرة بثمانية آلاف غير ألفي حضرمي، وأخرى بحوالي ستة آلاف، وثالثة بخمسة آلاف حاج، كلُّهم قتِلوا إلا نفرا قليلا.
وأضافوا خمسين ألف مذبحة
لم تتوقف مذابح ومجازر آل سعود عند تنومة وسدوان، بل امتدت بامتداد السنوات والأعوام، وإلى اليوم ما زالت مستمرة، وثمانية أعوام من الحرب على الشعب اليمني ارتكب آل سعود من المجازر والمذابح تصل إلى خمسين ألف مذبحة.
ومنذ 26 مارس 2015م، حصدت مملكة آل سعود بطائراتها رؤوس المواطنين اليمنين مع أطفالهم ونسائهم، قتلت الناس الآمنين في اليمن، ودمرت البيوت على ساكنيها وحولتهم إلى ركام، قصفت الأسواق المكتظة والأحياء السكنية مع المنشآت الحيوية والمطارات والطرقات والجسور، كما استهدفت صالات المناسبات بما فيها الأعراس والعزاء، ولم يسلم من القصف حتى الأمواتُ في المقابر.
ومنذ الساعات الأولى للعدوان الذي تشنه مملكة آل سعود، كان اليمنيين نياما وأيقاظا هم الأهداف لهذه الحرب، وبحسب آخر إحصائية، فقد بلغ عدد الشهداء اليمنيين في هذه الحرب أكثر من خمسين ألف يمني بينهم الأطفال والنساء والكبار.
وتتعدد الجرائمُ التي ارتكبها العدوان بحق الإنسانية في اليمن حَيثُ لا تزال عالقة في الذهن ولا يمكن نسيانها، إلى يومنا هذا، ولقد سجّلها التاريخ،
وعلى مدار الأعوام الثمان التي مضت وانقضت امتلأ السجلُّ السعوديّ بالجرائم البشعة للعدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن، وهي محصلةُ تراكم من الحقد السعوديّ على اليمن، لكن هذه الجرائمَ لن تسقُطَ بالتقادم، وسيدفعُ النظام السعوديّ ثمنَ خِسَّتِه ووقاحتِه، والدم لا يصالح ولن يسامح واليمنيون لن ينسوا ثأرهم مع المجرمين.
مائة وثلاثة أعوام مرت على مذبحة تنومة وسدوان المروعة التي ارتكبها جيش ابن سعود بحق 3 آلاف من الحجاج اليمنيين، وهم في طريقهم إلى بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام.
وفي مثل هذا اليوم 17 ذي القعدة من العام 1341 هجرية، وفيما كان ثلاثة آلاف حاج يمني يرتدون ثياب الإحرام مهلّلين ومكبرين، وجهتهم بيت الله الحرام لأداء هذه الفريضة والشعيرة العظيمة، كان العدو السعودي يذبحهم في تنومة وسدوان.
ويصادف اليوم الذكرى الـ103 لمجزرة “تنومة” المروعة التي ارتكبها جيش آل سعود بحق آلاف الحجيج اليمنيين عام 1923م، مسجلاً المذبحة الأولى في تاريخه الملطخ بالدم والإجرام.
لقد كان أكثر من ثلاثة آلاف حاج يمني بزِادِهم وراحلتهم، متجهين إلى بيت الله الحرام، بعد أن تجمعوا من مختلف المحافظات اليمنية، فيهم الشيخ العجوز، والطفل الصغير، والمرأة الضعيفة، وما إن دخلوا مناطق سيطرة بني سعود أحيطوا بجنود ابن سعود بقيادة خالد بن محمد ابن شقيق الملك عبدالعزيز، وحين وصلوا وادي تنومة في بلاد عسير، بدأوا بتحضير الطعام قام القتلة بذبحهم جميعاً.
مجزرة تنومة الإجرامية الوحشية البشعة التي غيبتها أنظمة الوصاية لعقود طوال عن وعي أجيال من أبناء الشعب، وبقيت حبيسة الإخفاء القسري منذ 1923 حتى إشعال شرارة ثورة الــ21 سبتمبر 2014 التي كشفت بوضوح مدى الحقد السعودي على اليمنيين والمسلمين بشكل عام، تعد مجزرة تنومة، كما يشير عدد من المؤرخين من أبشع جرائم التاريخ وحشية، وقد ذكرها الرحالة السوري نزيه مؤيد بك العظم في كتابه “رحلة في بلاد العربية السعيدة” 1343هــ الموافق 1923م، وذكرها المندوب الإنجليزي جاكوب في مذكراته، وأكدا أن العدد يتجاوز الثلاثة آلاف بكثير بل إنه قد يصل إلى السبعة آلاف حاج وحاجة وطفل وطفلة.
وقد تتبع الباحث حمود الأهنومي في كتابه “مجزرة الحجاج اليمنيين” هذه المجزرة من حيث الزمان والمكان، ورصد المواقف المختلفة حيالها، وترجم لبعض الشهداء والناجين، وبعض الروايات والأشعار التي تحدثت عن تلك الفاجعة، واستدل بتسعين مصدرًا ومرجعًا.
وتمثل مجزرة تنومة البشعة، أول جريمة يرتكبها نظام آل سعود بحق الشعب اليمني قبل مئة عام، ما يمكن تسميتها بمذبحة القرن العشرين في حق الحجاج اليمنيين، والذي يعكس حقد النظام السعودي على اليمن سواء بالتصفية أو احتلال الأرض والسيطرة على ثرواتها كما هو الحال بالنسبة لعسير ونجران وجيزان.
ولعل شن العدوان على اليمن عام 2015م من تحالف النظام السعودي، وتجاوزه لكل الحدود بتدمير مقدرات البلاد وبنتيه التحتية وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والمواطنين في منازلهم والطرق وصالات الأعراس والعزاء، يُعد امتداداً لمجزرة تنومة.
مذبحة تنومة الوحشية ستبقى شاهدا حيا على تأريخ آل سلول الدموي، ومن يقرأ تاريخ بني سعود الإجرامي لن يستغرب اليوم؛ هذه الجرائم المُنكرة، في حربهم القذرة، فإنهم مستكبرون متجبرون قتلة، وتاريخهم الإجرامي في قتل القبائل العربية في الجزيرة مشهور، كما تمثل مجزرة “تنومة” امتدادا تاريخيا للعدوان السعودي الإجرامي على اليمن.
وما العدوان الإجرامي المتواصل على اليمن بقيادة مملكة آل سعود إلا استمرارا في النهج ذاته، فالمجرم الذي قتل وأمات مئات الآلاف اليوم هو نفسه الذي قتل آلاف الحجاج اليمنيين قبل 103 أعوام.