مؤسسة الرحمة

يكتبها اليوم / أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

 

 

كما يُقال مشاهدة الشيء أبلغ وأهم من السماع عنه، فالبصر هو الأكثر قدرة على التمييز ومعرفة الأشياء من مجرد السماع، هذا بالفعل ما حدث عند زيارتي مع مجموعة من الزملاء لمؤسسة الرحمة، وكم كانت مسؤولة المؤسسة الناشطة الأستاذ رقية عبد الله الحجري حصيفة جداً وعلى درجة عالية من الذكاء، عندما بدأت حديثها معنا معلنة البراءة من كل الأحزاب السياسية والمذاهب الدينية، وقالت إننا نعمل في هذه المؤسسة بدوافع إنسانية بحتة ونقبل كل الأيتام من مناطق اليمن المختلفة، استهلت حديثها بالكلام عن البداية وتعمقت أكثر في سرد قصة مريم، أول طفلة دفعتها لتبني هذا العمل الإنساني الكبير، وهي قصة ذات شجون تُحرك المشاعر وتجعل الإنسان يتفاعل وإن كان قلبه من حجر .
من قصة مريم اتضحت الرؤية فلقد كان العمل منذ بدايته بدوافع إنسانية مجردة من أي أهواء أو رغبات، بعيداً عن الانتماء السياسي لمشرفة المؤسسة أو العاملين فيها، هذا ما سمعناه من الأستاذة رقية ولمسناه أكثر من خلال الطواف في أروقة المؤسسة واللقاء بشرائح من اليتيمات اللاتي تأويهن الدار، قد يستغرب المرء عندما يسمع أن امرأة بكل هذا الحنان أصبحت أماً لخمسمائة فتاة، هذا هو عدد الفتيات القاطنات في الدار، وكل فتاة تنادي رئيسة المؤسسة بكلمة يا أماه، وإن تجاوزت سن العشرين، أي أنها أصبحت أما للجميع، وكلما تخرجت دفعة جاءت دفعة أكثر عدداً من سابقتها ومأساوية، وهو عمل إنساني عظيم يستحق الشكر ولكل العاملين في هذه المؤسسة بل والمؤسسات المماثلة .
لا أخفي أني قبل سنوات زرت دار الأيتام الموجودة أمام وزارة الإعلام وكان يومها المشرف عليها الأخ المرحوم حمود هاشم الذارحي، وقد استأتُ جداً لأن التوجيه كان مغلقاً على مذهب معين وحزب محدود والقبول على نفس الشاكلة، يعني أن المطلوب لهذه المؤسسة أبناء أسر محددة، انتماؤهم معروف، هذا الأمر اختلف جداً عندما زرنا مؤسسة الرحمة، كما قلت كانت الأخت رقية قد فندت هذه الهواجس بحديثها عن الاستقلالية التامة، رغم أننا نعرف أنها تنتمي لحزب مُعين، لكنها أقسمت أن هذا الأمر لم يؤثر على الأداء في المؤسسة ولا علاقة له بتوجيه الفتيات الملتحقات بهذا المرفق الإنساني الهام، وهذا ما نأمل أن يتحلى به كل من يعملون في هذا المجال، حتى لا تتحول هذه المؤسسات إلى أوكار للاستقطاب السياسي والشحن المذهبي، وبدلاً من أن نُنقذ الفتيات أو الأطفال من الشوارع ومن يتسكعون في الجولات، نقودهم إلى مزالق أكثر خطورة تتمثل في الشحن الطائفي أو المذهبي أو التعبئة السياسية الخاطئة، وهي اتجاهات لا تتوافق كلياً مع سماحة وعظمة ديننا الإسلامي الحنيف، وتختلف كلياً مع روح الانتماء الصادق للوطن، فالوطن ملك للجميع والأبناء المشردون ممن يسمونهم أطفال الشوارع كلهم لابد أن يحظوا بالرعاية والاهتمام من كل اليمنيين باعتبارهم أبناء هذا الوطن، وحتى لا نُعالج المشكلة بمشكلة أكبر وتتحول هذه المدارس إلى متارس، وهذا ما يجعلنا نُضاعف الشكر والثناء للأستاذة رقية، ونأمل أن يكون هذا النهج هو السائد والمُتبع في هذه المؤسسة وغيرها، كي نخلق جيلاً واعياً قادراً على التعامل مع كل المستجدات، وهذه هي اللبنة الأولى الحقيقية لبناء اليمن على أساس سليم، وإنقاذ هذا النوع من الأطفال من حالة التشرد والضياع وكم أتمنى من أصحاب القدرة والميسورين بأن يزوروا هذه المؤسسة وأن يقدموا لها الدعم، كي تتمكن من تجاوز كل الصعاب التي استمعنا لها من رئيسة المؤسسة، أتمنى التوفيق والنجاح لكل العاملين في هذه المؤسسات وأن يجنب الله البلاد كل المكاره، إنه على ما يشاء قدير، وهو من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا