ثوابت الوحدة اليمنية.. وزوابع الفجور والعدوان

عبدالرحمن الأهنومي

 

منذ فجر التاريخ ظلت اليمن، يمناً واحداً من نجران وعسير وجيزان إلى عدن وحضرموت وسقطرى ، وإن كانت تحدث بعض الانقسامات في فترات متعددة، فبفعل عوامل خارجية وتدخلات وغزو أجنبي ، وما نشأت دويلات وإمارات ومشيخات متعددة إلا تحت سواطير الغزاة الأجانب ، وسرعان ما كان اليمن يعود إلى وحدته وكيانه الواحد ، وحول هذه القضية سنتحدث عن حقيقتين أساسيتين ، يجب أن تنصب كل جهودنا حولهما.
الحقيقة الأولى، أن اليمن التي عرفت عند الأغريق والرومان بالعربية السعيدة، وأسميت في التاريخ باليمن السعيد، وهي أصل العرب الأوائل عند العرب، وهي منشأهم ، ظلت يمناً واحداً موحداً، كجغرافيا كانت موحدة ومتصلة ، وكتاريخ وهوية وأواصر وأعراق وأنساب كذلك هي مجتمع واحد ، أواصره الممتدة واحدة ومتشابكة على كل هذه الجغرافيا من بلاد العرب المعروفة قديما وحديثا «اليمن».
وإذا كانت وحدة اليمن اليوم تواجه تحديات ومخاطر فأسبابها لا تختلف عما سبق ، أجزاء من اليمن تخضع لسيطرة الغزاة وأدواتهم ، وحلقة الصراع اليوم بين الشعب اليمني وبين تحالف العدوان والاحتلال والغزو ، تتعلق بتحرير الأجزاء التي تخضع للاحتلال وأدواته ، أما اليمن سيبقى واحداً موحداً ما بقيت الأرض ، لا أكبر قوة في الكون تستطيع تغيير حقيقته كجغرافيا وشعب وتاريخ وحضارة وأواصر ومجتمع، ولا أن تصبح اليمن مملكة سعودية ولا دويلة إماراتية ، ولا سقطرى أو حضرموت أو المهرة وعدن ولايات أمريكية ، أو مقاطعات بريطانية أو سعودية أو مشيخات إماراتية ، ولا اليمني في هذه المناطق يمكن أن يصبح سعودياً أو إماراتياً، هذه الحقائق الكبرى باقية وثابتة بثبات جبال اليمن وأواصر اليمنيين وأعراقهم وأصالتهم ، أكان تاريخنا اليوم أسيرا للمحتلين والغزاة الذين زوروا كل شيء ، أو كانت بعض الجغرافيا متصدعة بفعل المليشيات والجيوش العميلة التي أنشأتها هذه القوى الغازية والمحتلة ، سيبقى كل بيت هنا يمني ، وستبقى كل قرية في كل الربوع يمنية لا تتغير.
ضعيف وهش من يتفاعل مع قضية الوحدة بعيدا عن هذه السياقات والحقائق الكبرى ، وضعيف من يهتز بالتهريج الذي نسمعه من ألسنة وأبواق تحالف العدوان والغزو ومرتزقته وأدواته ، الوحدة باقية وثابتة ومتجذرة في عمق التاريخ وصلب الجغرافيا ، وستبقى القضية مجرد تزوير وتزييف للحقائق الكبرى.
جغرافياٌ ، اليمن هي يمن واحد موحد ، من عدن حتى صعدة ، ومن المهرة حتى الحديدة ، وتاريخياً ظلت اليمن وما زالت كذلك ، لا حضرموت دولة ، ولا عدن كانت جنوبا وحتى مع جنوبيتها كانت يمنية في فترات ما بعد تحريرها من بريطانيا المحتلة ، وشعبياً اليمنيون كلهم يمنيون ، لا يوجد يمنيون وحدويون ، ويمنيون انفصاليون ، بل هناك مرتزقة وعملاء بالألوف تجندهم دول تحالف العدوان وتشغلهم في مهام وظيفية متعددة ، وكما كانت وظيفة هذا الحشد المشوّه من المرتزقة والعملاء في بداية الحرب العدوانية تبرير الحرب الإجرامية على الشعب اليمني ، فإن وظائفهم اليوم التهريج باسم الشعب اليمني لتبرير احتلال بعض أراضيه ، هذا باسم الجنوب العربي ، وذاك باسم دولة حضرموت ، والآخر باسم اليمن الاتحادية ، وكلهم مرتزقة وعملاء ومأجورون لا يعترف بهم واحد في المائة من الشعب اليمني.
وبناء على ذلك، فإن تحرير المناطق المحتلة هو محور معركة الشعب اليمني اليوم ، وبتحرير هذه المناطق ستسقط كل المسميات والألاعيب الأمريكية البريطانية ، وتسقط الهويات المصطنعة أرضاً، وبعودة هذه المناطق والمحافظات إلى سيادة الدولة الوطنية ، والإرادة اليمنية ، ستذهب هذه التشوهات الناشبة في راهننا اليوم ، وتسقط ترسانة المرتزقة والمليشيات والجيوش المتقاسمة التي شكلتها وأنشأتها وسلحتها دول تحالف العدوان وأطرافه المتعددة ، ووظفتها كترسانة تعمل لحساباتها واحتلالها.
الحقيقة الأخرى.. تواجه الدولة اليمنية حرباً خارجية بقيادة السعودية وأمريكا والإمارات ومشاركة عشرين دولة أخرى منذ ثمانية أعوام ونيّف ، وتخضع أجزاء من أراضيها للاحتلال الأجنبي ، وكما جندت دول تحالف العدوان على الأرض جماعات ومجموعات وفصائل المرتزقة والعملاء كترسانة لسيطرتها ونهبها للثروات ، هي كذلك وظفت هؤلاء المرتزقة والعملاء الذين وجدت فيهم ضآلتها لتبرير حربها وغزوها واحتلالها وحصارها على الشعب اليمني ، وأصبغت عليهم وبتواطؤ المجتمع الدولي والجامعة العربية الألقاب والصفات السيادية ونصبتهم زوراً وتزييفاً كممثلين للشعب اليمني ومتحدثين باسمه ، وقد خلطتهم في توليفة العار ، بوظائف متعددة ، فصيل يدعو للانفصال وإلى الجنوب العربي ، وآخر يدعو للأقلمة والتفكيك باسم اليمن الاتحادي ، وكل ينطق بما يوجهه الطرف المشغل في دول العدوان.
لا المرتزق الزبيدي يمثل أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، ولا يمثل حتى نفسه، إنما هو مجرد أداة رخيصة يشغلها طرف من أطراف تحالف العدوان حسب مقتضيات مصالحه ، ومثل الزبيدي ألوف من المرتزقة الذين يهرجون بالمسميات والكيانات الوهمية ، وكما لم يكن المرتزق هادي رئيساً شرعياً لليمنيين، بل عميلاً لتحالف العدوان والحرب عليهم ، كذلك هو المرتزق العليمي الذي نصب في السعودية سابقا في حفلة هزلية ومنحوه صفة رئيس ، وهو مجرد أداة رخيصة مسلوبة الإرادة والقرار، لا يمتلك تأييد نصف مواطن يمني ، غير أن دول العدوان ولتجاوز فضيحة المسمى «الحكومة الشرعية» أو الرئيس الشرعي ، قامت بإحلال مصطلح الحكومة المعترف بها ، أو الرئيس المعترف به دوليا ، لتجاوز الفضيحة المكشوفة.
عزلت دول العدوان المرتزق هادي، وزجت به في السجون بعدما استخدمته كيافطة لعدوانها وحربها الإجرامية ، جاءت بالمرتزق العليمي ومجلس العار لتستخدمه اليوم في سياق تقاسم النفوذ على أنقاض حرب الثمانية أعوام ، وهي تستخدم اليوم جزءاً من مجلس العار والخطيئة للترويج للتمزيق والانفصال ، وجزءاً آخر لاستمرار العدوان والحصار ، ومن وظائف هؤلاء أن يعملوا على كل المشاريع التي تريدها أطرف تحالف العدوان ، وهم دوما «عند الطلب» ، حين تقرر من المرتزق الزبيدي الدعوة للانفصال دعى لذلك ، وحين تقرر منه حشد المرتزقة للقتال في محافظات تعز ومارب والحديدة فعل ذلك ، وحال الإخوانج والعليمي وبقية المرتزقة لا يختلف ، إننا أمام استجرار للعملاء والبيادق والشعارات والعناوين.. أما الوحدة، فستظل اليمن واحدة، وإن قدموا ألف وجه مزّيف لتمثيلها والناطقين باسمها..

رئيس التحرير

قد يعجبك ايضا