من البديهي أن الوحدة ليس فقط بين دول كانت منفصلة ثم اتحدت أو داخل الدولة الواحدة أو القبيلة أو الجماعة أو حتى الأسرة، أي وحدة تضم كائناً حياً لكائن آخر كبر أو صغر ،لا ولن تكون مؤهلة للبقاء والديمومة وتؤدي إلى تجميع القوة في قوة واحدة إن لم تولد معها سلطة وفلسفة تحمل رؤية تتناسب مع الكيان الموحد وتختلف جذرياً عن رؤية القبيلة أو الجماعة أو الكيان أو المذهب الذي سبق الانتظام في الكيان الموحد وتحرص بصدق- وليس بالادعاء والإعلام المزيف- على الشراكة الحقيقية التي لا تعني التوافق بين جماعات الحكم أو التي استولت على الحكم أو وصلت إلى السلطة بوسائل غير مشروعة متعددة أقبحها وسيلة القوة وهي الوسيلة التي كانت متبعة في تكوين الدول وتقسيمها ومد نفوذها وشعملت على تحويل مقدرات الجسد الذي قيل أنه موحد إلى كعكة تقاسمتها مراكز القوى والنفوذ وشوشت على كل مجهود يخدم إيجاد النظام المؤسسي في هذا الجسد واستبدلته بالضجيج الإعلامي الذي مارسته السلطات المتعاقبة، هذا الأسلوب وإن بدا أنه يمكن الاعتماد عليه في بسط سلطان دولة الفيد وتوسيع خارطتها إلا أنه أسلوب أقرب للانفصال الداخلي والخارجي أو يؤدي إليه عن طريق الحروب الأهلية.
جوهر شرعية الوحدة الحقيقية القابلة للبقاء إذاً هو الالتزام بمقتضيات الشراكة الوطنية وتوزيع المصالح والثروات بما يحقق العدالة، ومن المعلوم أن الشرعية الوطنية النابعة من الداخل ومن إرادة الشعب هي الأصل التي بموجبها يتم الاعتراف بالدول في إطار المجتمع الدولي المعاصر وتصبح الدولة عضو في هذا المجتمع، لها ما له من حقوق وعليها ما عليه من الواجبات، ولعل التوازن بين الحقوق والواجبات هو الضامن الحقيقي لتحقيق السلام على مختلف المستويات الوطنية والدولية وفي جميع الأحوال والظروف.
وسلطات الدولة الواحدة هي الحارس المؤتمن على دولة النظام والقانون بموجب الشرعية التي اكتسبتها من مواطنيها عن طريق الانتخابات الديمقراطية الحقيقية الحرة والنزيهة المتكاملة وهي أحد أبرز أركان الدول والوسيلة العملية للسلطة الحارسة للتوازن بين الحقوق والواجبات ، ما أقصده هنا هو الدولة الحديثة وليس دولة الغلبة والاستبداد والتحكم في حياة الناس تحت أي عنوان والاستقواء بعناصر من خارج مبدأ سيادة القانون، هذا الأساس الوطني للشرعية بهذا المعنى المثالي هو نفسه أساس بناء الشرعية الدولية التي عبر عنها ميثاق الأمم المتحدة في فصوله ومواده بتفاصيلها وعناصر تكاملها المعتمدة على تعهد الدول الموقعة عليه بإرادتها الحرة وبواسطة مندوبيها بموجب وثائق التفويض تجسيدا لمبدأ المساواة بين الدول في السيادة، وباعتبار ذلك عهداً موثقاً ملزماً لكل الدول مهما تغيرت سلطاتها وتباينت أنظمتها وأي دولة تعتدي على دولة أخرى أو تخلق فيها أي نوع من الفوضى أو تغذيها أو تدعم عوامل تفكيكها ولا تحترم القانون الدولي تعد دولة مارقة يجب على مؤسسات هيئة الأمم المتحدة أن تتخذ الإجراءات الواجب اتخاذها بموجب الميثاق الذي وقعت عليه .
هذا هو المنطق النظري للشرعية والعدالة الوطنية وهو ذاته منطق وجوهر الشرعية الدولية، حيث تكررت البيانات الصادرة عن مجلس الأمن والمنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة عن وقوفها مع وحدة اليمن التي تم التوقيع عليها بإشراف واعتراف دولي وسلامة أراضيه.
فماذا عن واقع التعامل، ومبعث السؤال هو عدم قيام هذه المنظمات بداية الصراع بواجبها في فض النزاع بين الأطراف المتصارعة على السلطة والإشراف على حوار مباشر ومحايد بينها، وعدم السماح للسعودية والإمارات بالتدخل المناقض لمصالح اليمن وتستهدف وحدته وسلامة أراضيه ومن لا يزال يتجاهل هذه الحقيقة عليه أن يتجه لأقرب مصحة ؟!.
والسؤال الأكبر الذي يطرح نفسه بإلحاح ومرارة هو: أين يقع الشعب اليمني داخل أجندة سلطات الأمر الواقع بين من يحتفل زورا وبهتانا بعيد الوحدة بالأغاني والأناشيد والهتافات واشتباك الشعارات، وفي نفس الوقت يمارس أقبح أساليب الانفصال الفعلي ، وبين من يمارس الانفصال قولا وفعلا بوسائل غير مسؤولة ومستهترة بكل معاني الإنسانية بحجة أن السلطة التي مد يده إليها مندفعا نحو الوحدة الاندماجية عام 1990 قد خانت الأمانة، متجاهلاً أن الاندفاع الغرائزي سواء نحو الوحدة أو الانفصال ليس من سمات الكائنات المميزة بالعقل ، وبين مجتمع دولي وشرعية دولية مزعومة تتعامل مع القضايا بمعايير مزدوجة بعيدة كل البعد عن مسؤوليتها القانونية والأخلاقية ، وهل تصريحات مجلس الأمن وبقية منظمات الأمم المتحدة المتكررة ومخرجو مسرحية المسارعة بإدراج اليمن ضمن الفصل السابع بأنها مع وحدة اليمن واستقلاله وسيادته شكل من أشكال التنويم المغناطيسي للشعب اليمني خدمة لأجندة الداعمين للحروب والصراعات وإدارة النزاعات والأزمات واستثمارها ؟!!.
رسالة مشفرة:
ويل لشعب تتخطف روحه الشياطين
سواء هبطت من السماء أو نبتت من الأرض
والويل كل الويل للمتلاعبين بالعقول والعجول
ومن يرون الرقص على رؤوس الثعابين حكمة.