ربما لم يكن خافيًا بعض ما أورده فيلم «السيطرة» (وثائقي من إنتاج قناة «المسيرة» يتضمن مشاهد ووثائق تعرض للمرة الأولى عن طبيعة النشاط العسكري والاستخباري الأميركي في اليمن مطلع الألفية الثالثة) بخصوص العلاقة بين الولايات المتحدة ونظام عفاش العائلي، لكن ما يكشفه هو التأكيد على صوابية التحرك وأهمية المشروع الذي قدمه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، حول مناهضة أمريكا ومخططاتها الخبيثة لليمن والمنطقة، والذي عبر عنه بالشعار والصرخة وكلماته المشهورة، التي تنم عن وعي وادراك عميق بخطورة التحركات الأمريكية حينها، وأبعادها الكارثية.
وللتدليل على ذلك فإن فيلم «السيطرة»، عرض مشاهد للنشاط العسكري الأمريكي في وسط وحدات من الجيش اليمني تحت غطاء التدريب، حيث كان ضباط المارينز الأمريكي يتجولون بحريّة في مواقع ذات أهمية استراتيجية في السواحل اليمنية، ويطلعون على طبيعة الجغرافيا، كما كشف حرصًا أمريكيا للوقوف على طبيعة التشكيلات العسكرية والتسليح اليمني، وهذه الأمور تعتبر أسرارًا عسكرية خطيرة يحظر معرفتها من قبل أي طرف خارجي، إلا أن النظام حينها أظهر الكثير من التراخي والخضوع وعدم الممانعة أمام ذلك.
من جهته، كشف وكيل جهاز الأمن القومي سابقًا الفريق الركن جلال الرويشان، عن رغبات أمريكية (تمثلت في عروض بإنشاء رصيف بحري في جزيرة ميون وأرصفة بحرية ومطار في جزيرة سقطرى)، مشيرًا إلى أن ذلك حدث «عقب حادثة «كول» إذ نزلت قوات أمريكية داخل عدن دون إذن رسمي وسط ضغوط للسيطرة على الموانئ والسواحل»، ما يعيد إلى الأذهان خفايا تفجير المدمرة في خليج عدن، واستخدامها كذريعة للسيطرة على اليمن، انطلاقًا من عنوان (محاربة الإرهاب).
تتوالى في هذا الفيلم سلسلة من الفضائح، واحدة منها تتعلق برشاد العليمي الذي وضعته السعودية اليوم، في منصب رئيس مجلس القيادة في عدن المحتلة، وتعامله الوثيق مع السفارة الأمريكية ابان شغله منصب وزير الداخلية لحكومة علي عبد الله صالح، حيث تضمنت وثيقة صادرة عن وزارة الداخلية 2002م تفاصيل لقاء جمع العليمي والسفير الأمريكي ادموند هول الذي أكد أن بناء غرفة عمليات للمخابرات الأميركية يتطلب نقل معدات إلكترونية عبر سلسلة رحلات متعاقبة من دون أن تخضع لأي إجراءات في المطار، نظراً لسرية وحداثة التكنولوجيا المستخدمة.
العليمي الذي أكد في مقابلة تلفزيونية العام الماضي أنه كان ينقل التقارير للسفارة الأمريكية، ويعرضها على المسؤولين الأمريكيين للتحريض على «أنصار الله»، كشفت الأيام أحد أهم أسرار وضعه على رأس مجلس الخونة الثمانية، وهو موالاته لواشنطن، وعمالته القديمة لها.
لم تكن تلك التحركات تجري في غفلة من السلطات العسكرية والسياسية والأمنية، بل تثبت وثيقة صادرة عن مكتب رئاسة الجمهورية 2004م رصد زيارات ميدانية تقوم بها فرق طبية عسكرية أجنبية لجمع معلومات استخباراتية، كما تشير إلى تقرير من رئاسة هيئة الأركان يفيد أن الفرق الطبية العسكرية الأمريكية تقوم بعمل استخباراتي خلال أنشطتها المختلفة، وانها جمعت معلومات حول الحالة الأمنية والأسلحة التي يمتلكها المواطنون والجانب العقائدي لهم، كما يكشف الوثائقي أن معسكرات القوات الخاصة التابعة لنجل الرئيس حينها كانت مركز النشاط العسكري الأمريكي في العاصمة صنعاء.
لا تتوقف انتهاكات واشنطن للسيادة اليمنية عند اختراق القوات المسلحة، بل تصل حتى إلى حدود التفاصيل الصغيرة كتجاوز القوانين والإجراءات المتعبة في مطار صنعاء، ومع توالي الرحلات الجوية الأمريكية المتكررة بعد اللقاء مع العليمي، وبعد أن أوقفت سلطات المطار بعضها، كانت توجيهات عليا متكررة توقف تطبيق الإجراءات الرسمية على الرحلات الأمريكية، كلما سعت السلطات الأمنية في المطار لتفتيش الطرود الأمريكية بوصفها حقائب دبلوماسية في أكثر من رحلة لمخالفتها المعايير الدبلوماسية واتفاقية فيينا.
لم يكن مفاجئًا أيضًا، الاهتمام الأمريكي بالبحر الأحمر، وما رصدته وزارة الدفاع من تحركات أمريكية مشبوهة، لكن ربما لم يكن معروفًا أن سفارة واشنطن عملت على منع بناء خفر سواحل وقوات بحرية مقتدرة، حيث كشفت وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية أكتوبر 2002م أن السفير الأمريكي قال إن المشكلة في عدم بناء خفر السواحل عدم وجود الأشخاص المناسبين للتدريب، الأمر الذي دفع السلطة -حسب مدير مكتب رئيس خفر السواحل – إلى توزيع كوادر القوات البحرية على القوات البرية مع هالة إعلامية لخفر السواحل، وعلل الفريق الركن جلال الرويشان في سياق الوثائقي عدم السماح لليمن وغيرها من دول البحر الأحمر بناء قوات بحرية بأنه يرتبط أمريكيا بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني. وهذا تفسير صحيح، وإلا كيف يمكن تفسير عدم وجود قوات بحرية يعتد بها تابعة للقوات المسلحة في بلد تمتد سواحله لأكثر من الفي كيلومتر، في البحر الأحمر، وخليج عدن وبحر العرب، ولديه مئات الجزر الهامة والاستراتيجية، مثل سقطرى وكمران وحنيش وميون، وغيرها؟
وعودًا على بدء هذه كلها شواهد لا تقبل التشكيك في خطورة التوجهات الأمريكية في اليمن، وأهدافها الخبيثة لإحكام السيطرة على البلد، ومقدراته، وتوجيه سياساته، بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وهي أسباب كافية لاستشعار الخطر، ووضع التصورات والرؤى للمواجهة، وإعاقة المشروع الأمريكي الخبيث، وقد جاء الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، في الوقت المناسب، ووضع منهجية متكاملة، لكشف وفضح ذلك المشروع الخطير، وحشد الجهود لمواجهته، ولا زال مشروعه قائمًا، رغم استشهاده، ويحظى بالشواهد الداعمة، والأدلة المتواصلة على صوابيته، فهو حصن اليمن، ودرعها، وبه تنتصر، وتزدهر.
Next Post