بعض آثام شعار: (الوحدة أو الموت)

يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي

 

 

الشعارات أية شعارات يفترض أنها عنوان لبرنامج عمل يضع من يرفعها على عاتقه عبء تنفيذها ومراجعتها بين فترة وأخرى لمعرفة ما تم إنجازه وما تعثر، إلا أن واقع الحال أن معظم إن لم تكن جميع الشعارات تقوم على الشحن العاطفي وتغييب الوعي وتستخدم لدفع العامة أو الدهماء للاتباع بصفتهم قطيعاً، ورفع الشعارات من سمات الأنظمة الاستبدادية الشمولية.
وفي التعامل مع قضية بناء دولة الوحدة اليمنية أثبتت الأيام أن المزاج العام لآلية إدارة السلطة سواءً قبل الوحدة في الشطرين أو بعدها كان محكوما بالشعارات التي غالباً ما يكون فيها الوعي مغيباً بالنظرة الشمولية، ولأن علاقة السلطة بالجماهير لا يجمعهما سوى هذا التغييب فقد كانت الهموم الحقيقية لبناء الدولة وتصحيح مسار سلطاتها إما في حالة انفصال عن بعضهما أو قائمة على التضليل والمخاتلة والتسويف واختلاق المبررات للأخطاء بل الخطايا التي يرتكبها الرئيس أو القائد الرمز نصف إله يمتلك من الصلاحيات ما يجعله قادر على التفرد باتخاذ أخطر القرارات التي قد تصل إلى تغيير جذري في نظام الحكم وكأنه يقوم بإجراء عادي من حقه القيام به لذلك وبعد أن تلقى إشارة البدء بتنفيذ سيناريو وحدة 1990 السياسية فقد توجه رئيس النظام في الجمهورية العربية اليمنية (الشطر الشمالي من اليمن قبل وحدة 1990) إلى عدن وهو يخاطب بعض ممثلي القطيع في نظام حكمه «أنا ذاهب إلى عدن لتحقيق الوحدة ومن أراد اللحاق بي فليفعل» وكان أبرز من أبدى بعض التحفظات رموز حزب الإصلاح ليس لدواعي تتعلق بالحرص على أن يكون المسار الوطني في بناء دولة الوحدة سليماً وإنما حسب تصريحات أولئك الرموز خوفاً على الإسلام الذي امتلكوا بقدرة قادر الحق الحصري في تمثيله من الشيوعيين ليفتحوا بذلك الباب رغماً عنهم في ما بعد أمام التنافس على الحق الإلهي في الحكم في هذا العصر، وفي عدن لم يكن المشهد أقل سوءاً حيث تبين أن الديمقراطية والعمل الجماعي لم يكونا في الحقيقة أكثر من شعارات يسيّر بها الحزب قطعانه مع مساحة محدودة من الحق في إبداء الرأي ولكن على طريقة «قُل ما شئت ونحن نفعل ما نشاء»، طبعا مع الاحترام لكل النوايا الحسنة أينما وجدت؛ في هذا المناخ استقبل رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب شريكه الشمالي بالعناق الحار الذي غلبت فيه العاطفة الجياشة كل ما سواها ولكل قارئ توزيعها كما يشاء، هذه الحالة سرعان ماحوّلت العناق الحار إلى خناق قاتل راح ضحيته الآلاف، حيث بدأ التأزيم عقب التوقيع على اتفاقية الوحدة مباشرة، وتصاعد إلى أن تحولت الوحدة من عمل مشترك إلى ملك خاص بالزعيم الأوحد بحكم صلاحياته اللامحدودة وبلغ التوتر بين الشريكين منتهاه وتحولت الوحدة في الخطاب الإعلامي الذي يطلق عليه بالرسمي من عمل وطني مشترك هو نتاج نضال وطني ومعاناة طويلة لكل مناضلي الحركة الوطنية اليمنية إلى ملك خاص بالزعيم الأوحد الذي رفع شعار :(الوحدة أو الموت) وهو الشعار الذي لا يقل سوءاً وخطورة عن الشعارات المنادية بالانفصال لأن الوحدة وسيلة تشاركية مشروعة لتحقيق أهداف سامية ونبيلة لا يمكن تحقيقها عن طريق مثل هذا الشعار الغبي الذي استخدمه أكثر الحكام فسادا وأقلهم وعيا وفهما بأهمية الوحدة وأهدافها وأبعادها الوطنية والقومية والإنسانية.
وأرجو أن لا يفهم دعاة الانفصال أنني مع تحركاتهم المريضة والمشبوهة وخاصة من يستقوون ببعض دويلات الخليج ودُولِه لأن ما يقومون به خيانة وليس حقاً وأعتقد أن واجب كل يمني وحدوي حر أن يرفض رفضاً مطلقاً وحاسماً السعي للوحدة أو للانفصال باستعمال القوة والاستعانة كما يقال بالشيطان فهذه كلها أعمال شيطانية وغير مشروعة لا يقرها دين ولا قانون ولا تؤدي إلا إلى تأجيج الصراعات وتغذية النزاعات.
تحقيق الوحدة أو الانفصال في هذا العصر إنما يكون عن طريق ما يعرف بحق تقرير المصير الذي لا يبنى على التدليس والتمويل من دول خارجية دعما لمن يمثلونها ولا يمثلون الشعب الذي يتم التلاعب بعواطفه تارة باسم الوحدة وأخرى باسم الانفصال؛ الوحدة والانفصال حق للشعوب وليس لأمراء الحروب ومقاولي مشاريعها القذرة ومديري الأزمات ومن يرفع شعار: (الوحدة أو الموت) انفصالي ومعادي للسلام وللعدالة والحرية !!، وكذلك من يحاول من الجهلة البحث العبثي عن هوية لأبناء الجنوب الأحرار غير الهوية اليمنية، الوحدة هدف نبيل لا يتحقق وينمو نمواً طبيعياً إلا بوسائل نبيلة ووحدة 1990 في اليمن تحققت بالسلام وتم المساس بها بحرب 1994القذرة ولهذا ينبغي تصحيح مسارها بالحوار وحده ويمكن اعتبار ما يسمى مخرجات الحوار الوطني منطلقاً للتصحيح المنشود وأن يكون حوارا جادا ومسؤولا.
يضعون الشعوب في كفن الكلمات
لتمضي مكبلة الروح صفر اليدين
ويمضون لغاياتهم
يعزفون غواياتهم
في الطريق إلى الهاوية

قد يعجبك ايضا