الثورة / إبراهيم الوادعي
قبل 75 عاما سقطت فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني رسميا ، وأعلنت العصابات الصهيونية التي جرى جلبها إلى ارض فلسطين من أنحاء أوروبا وأفريقيا وبلدان في الشرق الأوسط أنشاء الكيان الإسرائيلي في 15 مايو 1948م .
سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ الإنساني يجري جلب أناس لإقامة دولة في ارض يوجد بها شعب بمساندة وتواطؤ الدول الاستعمارية آنذاك وإلى اليوم يضرب الكيان الصهيوني بكل القوانين الدولية والأعراف لوقف جرائمه ضد الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال .
تحل الذكرى المؤلمة لما يعرف بالنكبة ، وبعد 75 عاما على وقوعها وتشريد شعب بأكمله من أرضه هل دخل الكيان الصهيوني مرحلة الزوال بفعل تطور المقاومة الفلسطينية وتبدل البيئة السياسية والعسكرية المحيطة به مع ظهور محور المقاومة .. سؤال بات يقلق حتى قادة الكيان الصهيوني الذي يعيش انقساما داخليا حاد واهتراء واضحا فيما يعرف بقوة الردع .
منذ سقوط فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني رسميا في مايو 48م ومع فشل جيوش الأنظمة العربية في استعادة فلسطين من يد العصابات الصهيوني والكيان المزروع على ارض فلسطين ، وفشل منظمة التحرير الفلسطيني في المهمة من خارج الحدود ، وإجبارها على الرحيل إلى دول بعيده عن فلسطين كتونس واليمن عقب اجتياح لبنان في 1982م ، انطلقت المقاومة الفلسطينية بثوب إسلامي في مهمة صعبة للغاية لخصها المجاهد الكبير فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي بالقول «إن دور المجاهدين اليوم هو منع استقرار إسرائيل بأي ثمن» فهل نجحت في ذلك ؟
واقع الحال على مدى الثلاثة العقود الماضية حتى العام 2000م وأول نصر عربي كامل تجد فيه « إسرائيل» نفسها مجبرة على إخلاء أول أرض عربية بالقوة يؤكد ذلك وتأكيد ذلك التفوق والانتصار في عدوان تموز 2006م ، نجحت المقاومة الفلسطينية التي أدارت انتفاضتين كبيرتين الأولى في ديسمبر 1987م ، انطلقت شرارتها عقب قيام مستوطنين بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين ، والانتفاضة الثانية عقب أربعة أشهر فقط من هزيمة « إسرائيل في جنوب لبنان وانسحابها ذليلة تحت ضرب النار حين دنس ارئيل شارون رئيس وزراء الكيان الأسبق المسجد الأقصى ، في إبقاء قضية فلسطين مشتعلة على الصعيد الدولي ، ومنع استقرار الكيان الصهيوني رغم الأثمان الباهظة دفعها الشعب الفلسطيني من اجل قضيته وحقه في الأرض والعودة .
ولا يمكن بحال نسيان العمليات الخالدة التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي نشأت عقب هزيمة الأنظمة العربية في 67م وشكل اختطاف طائرة صهيونية وإجبارها على الهبوط في الجزائر في يوليو 67م واختطاف طائرات صهيونية وأمريكية وغربية أبرز العمليات الفدائية .
في عام 67 م احتل الكيان الصهيوني ما تبقى من أرض فلسطين بما في ذلك القدس والمسجد الأقصى وقطاع غزة ، بالإضافة إلى أجزاء من الأردن ومصر وسوريا.
وفي عام 1972م شكلت عملية ميونخ التي نفذتها منظمة أيلول الأسود ضد الوفد الرياضي الصهيوني خلال دورة الألعاب أبرز العمليات التي لفتت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية، وفقا لكاتب صهيوني أشار إلى أن عملية ميونخ وضعت القضية الفلسطينية تحت الأضواء دولياً، والصراع القائم بما في ذلك إطلاق عهد جديد من المقاومة الدولية .
الأنظمة العربية وخلال عقد السبعينيات تخلت واحداً تلو الآخر عن الشعب الفلسطيني واحتضان مقاومته المسلحة فالأردن شن حربا ضروسا ضد الوجود الفلسطيني المقاوم فيما عرف بأحداث أيلول الأسود 1970م ، وتورد مذكرات سياسي صهيوني أن الملك حسين الراحل استعان بالطائرات الإسرائيلية لمنع السوريين من تقديم مساعدة عسكرية للفلسطينيين .
وفي فبراير 1978م نفذت القوات المصرية عملية عسكرية ضد فدائيين فلسطينيين في مطار لارنكا بقبرص لتحرير رهائن وتسليم الفدائيين المتهمين بقتل يوسف السباعي وهو شخصية مقربة من السادات الذي وقع اتفاقا للتطبيع مع العدو الصهيوني في ذات العام مع مناحيم بيجن رئيس وراء العدو الصهيوني برعاية أمريكية .
وفي أكتوبر 1994م وقع الأردن اتفاقا للتطبيع مع الكيان الصهيوني ، ووقعت قطر وعمان اتفاقات لاستضافة مكاتب صهيونية ، قبل أن ينتقل التطبيع إلى العلن بشكل فج فتوقع الإمارات والمغرب اتفاقات تطبيع سياسي واجتماعي واقتصادي مع العدو الصهيوني لمحاولة كسر الحصار الشعبي الذي فرضه الشعبين الأردني والمصري على اتفاقيات التطبيع والمتعاملين مع العدو الصهيوني .
الموقف العربي المتخاذل علنا وسرا لم يوفر فرصة لسرقة أي انتصار تحققه حركات المقاومة فبعد عامين فقط من انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان وطرد العدو الصهيوني من جنوب لبنان قدمت السعودية مبادرة للتطبيع مع العدو الصهيوني تتضمن أدني المطالب ، رفضتها حكومة العدو وذهبت إلى ارتكاب أفظع جرائمها في مخيم جنين ، دون أن تحرك الأنظمة العربية في قمة بيروت 2002م ساكنا أو تسحب مبادرتها للسلام والتي تنازلت عنها الأنظمة المطبعة حديثا حتى مطلقوها السعوديون وفق ما يدور من حديث أن السلام أضحى مقابل السلام وسط سؤال كبير من متى كانت هناك حرب بين «إسرائيل « والإمارات أو السعودية والمغرب؟! .
في أكتوبر 2001م أطلقت كتائب الشهيد عز الدين القسام أول صاروخ فلسطيني بمدى 2 كيلو متر ، وبعد 23 عاما تمتلك فصائل المقاومة الفلسطينية صواريخ يصل مداها حتى 250 كيلو متراً، ويجري الحديث عن صواريخ أكثر دقة وأكثر فتكا ، ناهيك عن تطور أساليب القتال .
فهل دخلنا عمليا مرحلة زوال الكيان الإسرائيلي، وبالنظر إلى الواقع السابق وتبدل الوضع حيث أصبح للمقاومة الفلسطينية حضن يحميها متمثلاً بمحور المقاومة الآخذ في القوة والبناء ، وهل يمكن لهذا الجيل أن يشهد زوال « إسرائيل» بعد أن اضحى المساس الصهيوني بالأقصى والقدس يقود إلى حرب إقليمية ، ربما كان إطلاق أكثر من 40 صاروخا من لبنان في رمضان الفائت عقب الاعتداء على المصلين بالأقصى مؤشرا عملياتياً على ذلك .
يقول قادة في حركات المقاومة الفلسطينية أن مهمة مشاغلة العدو بنجاح قد أنجزت من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية وهي الآن في طور مراكمة القوة والقدرات للمرحلة القائمة تحرير الأرض .
واعتبر أولئك أن العدوان على غزة بين الحين والأخر وقتل قادة المقاومة لم يؤخر من عملية البناء بل هي منظومة متكاملة ودللت على هذا التطور بالإشارة إلى معركتي وحدة الساحات التي خاضتها حركة الجهاد قبل أشهر وبين معركة ثأر الأحرار حيث شهد رد الحركة تطورا ملحوظا تمثل بمديات وتقنيات إطلاق الصواريخ التي عطلت القبة الحديدية واضطرت الحكومة الصهيونية إلى اللجوء لمنظومات تستخدم لاعتراض الصواريخ باستخدام منظومات اعلى كلفة كمقلاع داود .
وللدلالة على هذا التطور ودخول المرحلة الجديدة أن حركة مقاومة فلسطينية كالجهاد الإسلامي لا تعد الأقوى بين حركات المقاومة الفلسطينية أمكنها القتال لمدة 5 أيام والاستمرار في إطلاق الصواريخ حتى الثانية الأخيرة ، وهو مقياس مذهل بالنظر إلى أن إسرائيل هزمت في ساعات أنظمة عربية في العام 67م واحتلت أضعاف مساحة فلسطين ، فيما لم تجرؤ على دخول متر واحد في قطاع غزة .
أضف إلى هذا التطور النوعي حضور محور المقاومة في جولات الصراع الأخيرة مع العدو حماية للقدس أو تأهبا للدخول في المعركة فعليا متى طلبت المقاومة الفلسطينية ذلك ، وإعلان اليمن للمرة الأولى منذ هزيمة الجيوش العربية جهوزيتها للدخول في مواجهة مع العدو الصهيوني وضربه بأسلحة متطورة من تصنيع محلي .
اليمن مثّل الإضافة والنقلة النوعية لمحور المقاومة فاليمن البعيد عن جغرافية فلسطين يتحكم بأهم الممرات التجارية الدولية ، كما أن الصمود الذي أبدته قيادته في مواجهة عدوان خارجي لتسع سنوات كان مذهلا للأصدقاء ومقلقا للأعداء ، هذه القيادة ومجاهدوها يؤكدون دوما أن عينهم على فلسطين ، ولا تخفي شوقها وجهوزيتها للقتال في فلسطين والدخول في حرب إقليمية ضمن حلف إسلامي يعنى بحماية القدس ، ولايزال مدى انخراطها الفعلي في جهود اقتلاع «إسرائيل « من المنطقة وفلسطين غير مكشوف للإعلام ، وستكشفه الأيام حتما .