عفاف البعداني
هزيلة البنية وقد شبعت حياة حد الامتلاء، أنفاسي منهكة ولا زلت أؤمن أن الجلوس تحت المطر رمز للولوج من جديد تحت أصوات مرعبة، عيناي غارقتان في البحث والتأمل في مخاطر مجهولة، وغيري يلوذ بنفسه بالفرار تجاه أصغر مخاطرة تقدم عليه، أنا هنا لوحدي أربت على كاهل العقل حينما يجبُّ في غياهب الوجود مستلهما بأفكار جنونية مؤديا الدور التكميلي للخيال في قرية بعيدة عن كل شيء، ولكن صعب أن تقنع بشرا أن هناك أسوداً تطير وجبالاً تبتسم، وأرضاً تبكي وليلاً يعاني الصداع، وطيوراً مغمياً عليها، كل ذلك مستقره في قلبك ولوحدك.
وجدت له معنى ملتفعا بغربته يوماً بعد يوم، يسعدني وأطمئن كوني مختلفة، وأطير باسترسال فكري دون أي أجنحة، ولا أخفي عنكم….. تارة يعود عليّ هذا الاختلاف بالعواقب حيث يراهنون على أني لست أهلا لأمثل الواقعية بشرودي التام حيال قضية مستعصية، ووقوفي في جبل مشؤوم دون خوف، كل ذلك أعيشه لأنني أقترف ذنب المتخلف والشاذ في مسار حياته، ربما كان ذنبا حين مشيت عكس الطريق واخترت الهدوء على الزحام وقيضت مشاعري لتكون برية الحركة وبديهية الاحتراز من قوادم الأشياء، كما أني لم اختر لي صديقا واحدا يعينني على مكابدة الحياة المخبأة بداخلي .
بهذه الملامح، وبذاك المزاج، بذلك الرضا الناجم عن نفسي وبالكثير من الصفات التي ظهرت مؤخرا، مضيت كثيرا دون عودة وضعت مطارح غربتي في مكان كثيب اسمه ليس متداولاً ولا يصله إلا فئة عصرية تسمى فئة «المعقدين» أحضره نهاية كل يوم وأعود منه عند مقترب الغروب ذهابا وإيابا، هذه الحركة المستمرة أدارت تركيب مزاجي باستفراد مستقل وجنبتني حوادث الشخوص، وعلى أثير العودة لأدراج حياتي بت مستكينة، حتى الكلمات التي كنت أغتاظ منها سابقا باتت عادية ولم تعد تؤثر فيّ كالسابق وأنزعج منها، الوجوه عندي واحدة، والعلاقات جميعها في مصب معتل، الشعور تجاه الجميع هو عينه، لا شيء حزين يمكنه أن ينالني، فكل شيء قد مضى نحبه ومات بنظري ولو كان حيا يرزق أمام عيني، ولا فرح بوسعه اجتذاب انتظاري ، لا أثق حتى بشخص أسميته عزيزاً وقريباً ، حياة ماثلة أعيشها بعيدة عن كل شيء، أنتظر فقط أن أتعافى كليا حتى أستمتع بهذا الصيف وأزاول أمكنتي المفضلة، تحت شجرة وفوق تلة، وبين الاخضرار، عدا ذلك فقد انطفئت بداخلي أشياء كثيرة لا يمكنني حصرها أو إعادة من كانوا فيها كما كانوا.
الآن وقد انتفضت بعض حروفي أشعر ببعض الراحة لم يكن ما كتبته أهلا لأدبيتي المأمولة، وليس فيه كل ما أردته ولا عظيم ما شعرت به في أيامي السابقة، وليس فيه كمية الأسقام التي اندلعت في جسدي كحروب متتالية دون أي هدنة ومضت بأعجوبة دون أن يشعر بها أحد، لم أحرز في هذا النص عباراتي المثلى، ولا امتناني الكبير لما مضى، لم أعاتب فيه أشخاصي المفضلين، ولم أعزي نفسي بتخاذلهم المتجدد، لكنه كان ترويحا عن مهجة عذبها الصمت وأوشكت على الذبول والخمول عن كتابتها لأي نص قادم ولكنها الآن تحاول أن تكتب……..
استدراك: لا يهمني كم مفرد جديد استخدمته، ولا كم قارئ بقي يقرأ لي حتى النهاية، ولم يكن في مقصدي أن أثير في نفوسكم الأدبية، فقط كانت حروفي تموت و تتألم في كهف طالت به مغبة البوح دون أن يجد شعاعاً للضوء ليعيش على مبسم الكتابة من جديد.