من قواعد الخلاف والخصومة

يكتبها اليوم / عبدالعزيز البغدادي

 

 

من الحقائق التي أصبحت على درجة كبيرة من الاتساع والرسوخ في عالم اليوم أنه : لا يجوز فقهاً وقضاءً الاستماع إلى الرأي المخالف أو رأي الخصم أمام مجلس القضاء إلا في حضور صاحب الرأي المخالف فقهاً أو الخصم الآخر مدعياً أو مدعى عليه قضاءً لسببين مهمين أولهما حق صاحب الرأي الفكري أو السياسي الغائب أو الخصم في الاستماع إلى رأيه بحضوره ليقوم بتوضيح ما يستلزم التوضيح في رأيه أو للرد على الحجج والأدلة والبراهين التي تقدم وذلك ضماناً لحق الرد أو الدفاع ، أما ثانيهما فهو حق المجتمع في التحقق من نسبة كل رأي إلى صاحبه في قضايا الشأن العام ليتمكن من له اهتمام من استنباط الرأي المناسب والأخذ به في مسألة الرأي البحت وليتمكن القاضي من أداء واجبه القانوني في الخصومة القضائية من إعطاء كل خصم من المتخاصمين أمامه الفرصة المناسبة بما يحقق المساواة بينهم ليقوم بالرد على ما يقدمه خصمه من أدلة وبراهين، وكون الأصل العلنية في جلسات المحاكم فهذا يعني أن القاضي خاضع لرقابة المجتمع كجزء مما توجبه القوانين من كون العدالة المدنية عدالة شكلية أي المعتمدة على التزام القاضي بجميع الإجراءات التي تجعل الخصوم يطمئنون إليه، وهذا المفهوم القانوني يقابله في الشريعة الإسلامية جزئياً مفهوم: (الشريعة بالظاهر) والمقصود بالعدالة المدنية المعتمدة على الظاهر التفريق بينها وبين العدالة الإلهية التي ليست من اختصاص البشر لاعتمادها على الظاهر والباطن فهذه من اختصاص الخالق وليس المخلوق ومجمل ما سبق يصب في مصلحة ما يسمى اليوم في الحكم الرشيد بمبدأ العلانية والمكاشفة في كل ما يتعلق بالوظيفة العامة والمال العام للتدليل على مدى الالتزام بمبدأ حق المشاركة في الحكم، وهذه المبادئ والحقائق تختلف جذرياً عما كان سائداً في البدايات الأولى لتكوين الدول حيث كان للحاكم الفرد الدور الحاسم في تحديد قواعد الحكم وكيفية تسييره لأن شرعية الوصول إلى السلطة كانت تعتمد على القوة والغلبة فهي لصيقة بالحاكم وكأنها ملك خاص، وصاحب هذا الحق أي الحاكم المطلق هو من يحدد ما إذا كان له الاستماع إلى مشورة أو رأي في مسألة معينة من المسائل أم لا وهو من يعين من يساعده في مهمة أو أكثر من مهام الحكم ويبين له صلاحياته ومنه يصدر الثواب لمن أحسن في تنفيذ ما تمليه رغباته وإرادته والعقاب لمن يخالفها وعلى الجميع واجب الطاعة والانقياد.
ولأن حجم السكان قديماً كان محدوداً فقد كانت صلة هذا الحاكم -أياً كان شكل نظام حكمه- مباشرة وتصرفاته مكشوفة سواء اتصفت بالعدل أم بالظلم، ومن ثم فإن طريقة تغيير نظامه تشاكل طريقة وصوله إلى السلطة أو الحكم ومن ثم فإن شرعية تداولها تكمن في قانون القوة والغلبة، وهذا هو مصدر مقولة: (الناس على دين ملوكهم).
ومن هذا الاقتضاب يمكن ملامسة التفرقة بين رؤية الحكم القائم على مبدأ (قانون القوة) ومبدأ الحكم القائم على مبدأ (قوة القانون) والنتيجة إما حصر المسؤولية في شخص الحاكم وعليه تحمل تبعاتها أو توزيعها وفق مبدأ الشراكة في الحكم ونطاقها وهي نتيجة منطقية لأن من غير المعقول ولا المقبول أن يسأل من لا يشارك في جرائم السلطة أو أفعالها، ومن غرائب ما رأيناه وما نراه يومياً أن بعض الحكام يستولون على كل السلطات ويريدون تحميل مسؤولية ما يقومون به على من هم خارجها وهذه أبشع نتائج وجرائم السلطات الاستبدادية.
ومن الجرائم التي تمارسها بصورة مباشرة: جرائم اغتيال المعارضين أو مضايقتهم أو إقصائهم أو التضييق على الناس في معيشتهم أو التحكم في أرزاقهم أو الاستيلاء على أموالهم أو المساس بحرية الرأي والتعبير أو بصورة غير مباشرة عن طريق إهمال أداء الوظيفة العامة إهمالاً يؤدي إلى عدم تحقيق الأمن والعدالة والعمل الجاد على توفير فرص العمل وفق خطة عادلة وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين في كل أنحاء الجمهورية كالماء والكهرباء والمواصلات والاتصالات وغيرها من الخدمات الضرورية بأرخص الأسعار ووضع خطة لتكون خدمة مجانية مستقبلاً لأن الدولة العاجزة عن توفيرها دولة فاشلة.
ومؤسسات الدولة كشخص اعتباري يمكن أن ترتكب الجريمة بالفعل أو بالامتناع حيث يجب أن لا تمتنع، وعلى سبيل المثال فإنها إذا امتنعت السلطات المختصة عن رفع المخلفات والقمامات الضارة أو لم تقم بتنظيم مجاري السيول والأمطار بما يحمي حياة المواطنين ومنازلهم وممتلكاتهم ووضع الخطط اللازمة للاستفادة منها فإن امتناعها يعد جريمة سلبية تتحمل تبعاتها المادية والمعنوية مدنياً وجنائياً كما تفصله القوانين ومنها القانون المدني والجنائي، لكي يكون اختلاف الأمة رحمة والخصومة بعيدة عن الفجور لا بد من الإحساس بالمسؤولية في ما نقول وما نفعل كلا من موقعه.
طريقُك إن شئت ملكُ اليمين * وإن شئت من رابع المستحيل

قد يعجبك ايضا