أتى وصول المبعوث الأممي هانس بروندبرغ قبيل موعد العودة المرتقبة للوفدين العماني والسعودي إلى صنعاء لاستكمال النقاشات التي بدأت أواخر شهر رمضان وقُطعَتْ بضغوط أمريكية على السعوديين تسببت في تأجيلها إلى ما بعد إجازة عيد الفطر ، كما أن المبعوث وصل صنعاء أمس ولم يأت بجديد.. لا رسائل لحساب جهة ما ، ولا مقترحات للحلول ، بل جاء مرسلا من الأمريكيين تحديدا هذه المرة ليستطلع حقيقة الموقف في صنعاء ، ويستطلع أجواء ما بعد مشاورات رمضان التي لم تكن بالمستوى الذي يمكن البناء عليه إلى القول بأن الأمور مضت بشكل جيد وإن كانت إيجابية على الأقل في الملف الإنساني، والواضح أن الإدارة الأمريكية التي غابت عن أجواء مشاورات رمضان وجهلت مجرياتها وضغطت على السعوديين لقطعها ووقفها ، هي من أرسلت المبعوث الأممي إلى صنعاء ليستكشف الأجواء بالتوازي مع الترتيب لمبعوثها المشؤوم ليندر كينغ للسفر بجولة مكوكية إلى عمان والرياض ، والتحرك الأمريكي يصب في سياق العرقلة والتخريب والتشتيت والتعقيد لكل المسارات الإيجابية التي يمكن أن تنجح وتؤدي إلى وقف العدوان ورفع الحصار ، وهو ينصب حاليا على تعقيد وتخريب الأجواء الإيجابية التي سادت نقاشات صنعاء، وإن لم تكن بالمستوى.
الدور الأمريكي في اليمن لا يحتاج إلى عناء بحث وتحليل ، فأمريكا- منذ اللحظة الأولى للعدوان على اليمن وإعلانه من واشنطن 2015م ، وإلى يوم أمس- تنخرط بقضها وقضيضها في الحرب والحصار على اليمن ، وتتولى الدور الأكبر في ذلك ، وإزاء السلام هي تدفع الأمور إلى نقيضه ، وبشكل أدق تدفع بالأمور إلى استمرار الحرب والحصار ، من خلال إفشال كل الجهود التي تتوجه نحو إحلال السلام ، ومن خلال تخريب أية تقاربات بين اليمن والسعودية بشكل مركز، وتريد الإمساك بالمسارات كلها لما يحقق أهدافها في تثبيت سيطرتها واحتلالها لليمن ، ولما يبقي اليمن تحت الحصار وبلا سلام ولا مرتبات ، وبما يحفظ الوضع دون التصعيد ويرضخ اليمن تحت حالة المراوحة والتوهان.
الرئيس المشاط يعي كل هذه الحقائق وأكثر عن الدور الأمريكي، علاوة على البريطاني ، ويعي المهمة التي جاء بها المبعوث الأممي هذه المرة ، ولقد أسمعه ما يجب أن يسمع ، ليعود إلى الأمريكيين برسائل واضحة وحاسمة لا لبس فيها ، وكان حديثه بالدخول مباشرة إلى الدور الأمريكي، حيث قال للمبعوث : من خلالكم ننقل إلى المجتمع الدولي تحذيرنا بأن أمريكا وبريطانيا تدفعا بالأمور نحو التصعيد.
وكانت أبرز ثلاث رسائل ركز عليها الرئيس إلى الإدارة الأمريكية وبريطانيا ، الأولى وتتعلق بحقيقة الموقفين الأمريكي والبريطاني الذي يدفع بالأمور نحو التصعيد ، وأوضح أن الوقائع قد أثبتت أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا هما من يضعا العراقيل أمام كافة جهود إحلال السلام في اليمن، انطلاقاً من رؤيتهما في أن استمرار العدوان والحصار يمثل مصلحة اقتصادية وسياسية لهما ، مشيرا إلى أنه وكلما حدث أي تقارب بين اليمن والسعودية والوصول إلى تفاهمات تسارع أمريكا إلى إرسال مبعوثها المشؤوم إلى المنطقة وتفشل كل الجهود ، وهذه الرسالة بمثابة تعرية للموقفين الأمريكي البريطاني ، ولما يتلبس به مبعوث بايدن ليندر كينغ الذي من المقرر أن يصل الرياض وعمان، كما أعلنت الخارجية الأمريكية، وفي إطار المهمة ذاتها ، تعكير الأجواء الإيجابية قبيل عودة الوفدين السعودي والعماني إلى صنعاء الأيام المقبلة ، وذكر الرئيس بالدور الأمريكي الحقير في العدوان الإجرامي على اليمن والحصار ، ودور أمريكا في قطع مرتبات الموظفين وهي التي أشرفت على نقل وقرصنة البنك المركزي وعلى ضرب العملة الوطنية ، علاوة على الدور الرئيسي لأمريكا في تجويع الشعب اليمني وإفقاره ، وإمعانها في استمرار المعاناة باعتبارها مطالب رفع الحصار وصرف المرتبات شروطا غير مقبولة- كما صرح بذلك المبعوث البغيض ليندر كينغ- وفي ما يتعلق بهذه الرسالة أكد الرئيس أن الشعب اليمني يعرف أن أمريكا هي من تقف وراء كل معاناته، وأنها تسعى دائماً إلى استمرار الحرب ومحاربة أي جهود للسلام.
أما الرسالة الثانية فكانت تحذيرا واضحا وحاسما لناحية التصعيد الذي تدفع إليه أمريكا ومعها بريطانيا ، وقد توجه الرئيس بكلام واضح إلى المبعوث الأممي ، وأخبره أن أمريكا وبريطانيا لن تنجوا من تداعيات أي تصعيد يدفعان إليه في اليمن،، وقال إن العالم كله سيتضرر بما في ذلك أمريكا وبريطانيا ولن يدخل اليمن وحده في تصعيد وتخرج أمريكا وبريطانيا بسلام ، والإشارة في ذلك واضحة ، أن ميدان الحرب القادمة سيكون في البحار ، ولن يجوع اليمنيون وحدهم ، بل سيدفع الأمريكي والبريطاني قبل غيرهما مغبة ذلك ، وسأقتبس كلام الرئيس للمبعوث ونصه : ننقل من خلالكم للمجتمع الدولي بما في ذلك الدول الأوروبية تحذيرنا من سعي أمريكا وبريطانيا للدفع باتجاه التصعيد، ونؤكد أن العالم كله سيتضرر إذا عاد التصعيد في اليمن، بما فيها أمريكا وبريطانيا ستتضرران، فنحن لن نقبل أن يدخل اليمن في تصعيد جديد وتخرج أمريكا وبريطانيا بسلام».
الرسالة الثالثة لناحية الوضع الداخلي لليمن ، وقطعا لأي رهانات أمريكية بريطانية على الوضع الداخلي لتطويع بعض مؤامراتهما وتثبيتها، سواء فيما يتعلق بمآلات التصعيد وسبل مواجهته ، أو ما يتعلق بوحدة اليمن ، والرسالة هي تحذير في نفس الوقت مما بات اليمن يمتلكه من قدرات كبيرة بتوفيق الله ، وفي التحذير قال الرئيس: “نحن جاهزون للسلام بمثل جاهزيتنا للحرب وليختار العدوان الطريق الذي يريده، فنحن في موقف الدفاع المشروع عن بلدنا وحريتنا واستقلالنا» ، أما في ما يتعلق بالمؤامرات التي ترتبها أمريكا وبريطانيا بشأن الوحدة اليمنية ، أكد الرئيس أن المبادرة الإنسانية بإطلاق فيصل رجب تؤكد أننا كيمنيين قادرون على ترميم وضعنا، وأن ما حدث يسقط كل الدعايات التي روج لها الأمريكي والبريطاني ودعاة التقسيم ويبخرها في الهواء ، ويؤكد أن وحدة اليمن ليست وحدة سياسية فقط، بل هي وحدة شعب ومثلما قادها الشعب وصنعها الشعب فسيحافظ عليها الشعب، ولن تخضع لأي مزايدات خارجية أو سياسية».
سيغادر المبعوث اليوم أو غدا إلى الرياض ، ليبلغ ليندر كينغ ما سمعه من الرئيس المشاط في القصر الجمهوري بوضوح وبدون رتوش ، وعلى ليندر كينغ- الذي سيصل الرياض- أن يعيد صياغة التعليمات والتوجيهات التي يحملها للسعوديين ، وأن يعرف أنه مفضوح ومكشوف وتحت المجهر ، ولا يجوز أن يبالغ كثيرا في أوهامه، وأمريكا لم تكن يوما مع السلام والحلول السياسية ، إنها منظومة ناهبة باغية لا تنظر إلى البلدان إلا كثروات وموارد لا تفكر إلا بالسبل التي تمكنها من سرقتها ونهبها.
وأخيرا.. لا يعني عدم تطرق الرئيس للسعودية وتركيزه على الدور الأمريكي والبريطاني في إفشال أي تقاربات أن السعوديين ماضين بشكل جاد في ما يجب وما يتطلب من حلحلة للملف الإنساني أولا ثم في بقية الملفات ، وفي تقديري أن مملكة العدوان السعودية لا تتعامل بواقعية مع الأمور ، وهي تحاول على الطاولة التماشي مع متطلبات اليمن شكليا فقط وتحاول تأجيلها والمماطلة فيها بالإغراق في التفاصيل، وحسب معلومات فإن وفدها مع الوفد العماني سيعود إلى صنعاء بعد أيام أي بعد أن يستمع للأمريكي ليندر كينغ في الرياض ، والمعلومات نفسها تؤكد أن الحل في الملف الإنساني تحاول نقله إلى تفاصيل فنية تتعلق بتوحيد البنك المركزي والقضايا المتعلقة بالعملة ، وهي تفاصيل مغرقة ومؤجلة لأي حلول ، وفي تقديري أنها سترضخ للضغط الأمريكي حتى في عدم التماشي ظاهريا مع ما يفترض ، وصنعاء تدرك كل هذه المعطيات- وهي حسب معلومات- ترتب لعمليات عسكرية نوعية وحاسمة وموجعة جدا ترى بأنها ضرورية لترجيح كفة الحرب ودفع المعتدين إلى النزول عند مطالب الشعب اليمني العادلة والمحقة ، وتدفع بالمعتدين دون أي تلكؤ نحو رفع أيديهم عن اليمن وترسيم معادلة سيادة شاملة لا يفكر أحد بانتهاكها.. ومن الله النصر والعاقبة للمتقين.