الإنسان قبل الحَجَر والآلة!

عبد الكريم الوشلي

 

 

الإنسان أهم عناصر الرقي والإنتاج والنجاح في الوصول إلى الأهداف والغايات المرسومة.. وهو الثروة الأهم والمورد الأساس لأسباب نهوض المجتمعات والدول وقهر التحديات التي تواجهها..
وهذا ما غاب عن ذهن معظم المعنيين بالشأن الإداري والسياسي في بلداننا العربية والإسلامية، للأسف الشديد.. فترى المسؤول في أي مؤسسة أو منشأة تطيب نفسه في الإنفاق والصرف على أي شيء عدا الموظف أو العامل لديه، كما أن المباني والآلات والأثاث.. أهم من الإنسان، ولذلك نعاني من شبه فشل إداري مزمن جعلنا في مؤخرة الصفوف، وعكس نفسه في كل المجالات.. ولو أدركنا أهمية الإنسان وأولوية الرفع من مستوى عيشه وصون كرامته قبل كل العناصر الأخرى.. لوضعنا القدم على الطريق الصحيح نحو الرقي الحقيقي، ولتجلى أمامنا على نحو عملي خلاق أن غياب البعد الإنساني عن كل ما له علاقة بإدارة النشاط الحياتي الكلي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، عموما، هو المرد الأساسي لمعظم ما نعانيه من معضلات وإشكاليات في شتى مجالات وجوانب حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والخدمية..
نحن كأفراد وكمجتمع، ندفع أثمانا مكلفة من معيشتنا وصحتنا واستقرارنا النفسي وأمننا الجماعي(بمفهوم الأمن الشامل..)،نتيجة تنحية البعد الإنساني عن السياسات والخطط والقرارات والمشاريع والقوانين والتشريعات والممارسات الإدارية والتسييرية لشؤون الحياة المختلفة.. بصورة ألحقت الأذى حتى بأبسط المفاهيم وألصق القيم بحياتنا..
لقد أدى هذا الأمر الإشكالي المزمن إلى حرمان الإنسان من أبسط حقوقه وأبدهها، كحقه – مثلا- في أن يتمتع بالعيش في مدينة نظيفة، وفيها الحد الأدنى من الخضرة في شوارعها وميادينها وساحاتها.. أو في أن لا تُصرف الأموال الطائلة في مؤسسته الحكومية التي يعمل بها، على تجديد أثاثات وتجهيزات مكاتب مسؤوليها ومديريها بأشكال باذخة، وعلى سفرياتهم الضرورية وغير الضرورية، وفي شراء سياراتهم الفارهة.. وهو يُحرم من الحد الأدنى من حقوقه المادية التي توفر له قدراً معقولاً من كرامة العيش في وطنه، وإمكان الحصول على الضروريات والأساسيات التي لا تستغني عنها حياتُه وحياةُ من يعول..
إننا في ألح احتياج إلى «أنسنة» سلطاتنا وسياساتنا وإدارتنا واقتصادنا وتعليمنا وتربيتنا وثقافتنا ومفاهيمنا وفلسفتنا الرؤيوية إزاء الحياة إجمالاً.. بكل ما في «الأنسنة» من إعلاء لشأن الجانب الإنساني في كل تلك المجالات والجوانب.. وإعادةِ الاعتبار لقيم الصدق والرحمة والأمانة واستشعار المسؤولية إزاء كل حق مترتب بموجبه القانوني أو الأخلاقي، لهذا الإنسان.. يرتِّب-في المقابل-واجباً على عاتق المسؤول أو المخاطَب بشأن ذلك الحق.. وهو الدولة بكل قوامها المؤسسي وأذرعها وأجهزتها الرعائية والخدمية والتنفيذية.

قد يعجبك ايضا