في المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد (عليه سلام الله ورضوانه) للعام 1444هـ ، حول موضوع الحث على الدعاء لله ، لأن الإنسان بحاجة لذلك، وشهر رمضان من المناسبات المميزة للدعاء كونه شهر القرب من الله والإقبال لله بالدعاء، لأن الدعاء من الأدوات التي تقرب للتقوى، والله هيأ الاستجابة للدعاء، وخص موسم رمضان الاستجابة أكثر وهو فرصة مهمة، والكثير من الناس في الظروف الصعبة يلجأون بالدعاء لله، لأنه القادر وحده على كشف الكرب، وهذا يحصل حتى عند واقع غير المؤمنين، والناس بشكل عام في حالة الضر يلجأون لله سبحانه وتعالى بالفطرة ، ولكن الكثير بعد ذلك يتنكر، والله وحدة هو المقتدر على من ينقذهم، وهو الرحمن الرحيم وهو من يكشف السوء، وما يميز الحياة الإيمانية والمؤمنين في دعائهم هو عدم الالتجاء لله في حالة الضر فقط، فالمؤمن يرجع لله في حالة الاضطرار والشدة وفي الرخاء واليسر، في كل الأحوال منيبا لله، وبالنسبة للمؤمن فإن الدعاء حالة وصلة عبادة، والشعور بالعبودية لله، والتوجه لله في كل مسيرة حياته، ومن منطلق إيماني يرجو الله ويحبه ويأمل رضا الله، ومشاعر المؤمن مميزة في الدعاء تأتي في مختلف الحالات، فالمؤمن وجهته لله في كل همومه، وعبادته منتظمه..
إن دائرة الاهتمامات في الدعاء مختلفة، فالكثير لا يتذكر الله الا عند المشاكل والكرب ، ويغفلون عن الله بعد رحمة الله عليهم ، الإنسان المؤمن اهتماماته واسعة بالدعاء ويطلب المغفرة دائما، لأنها من الاحتياجات المهمة له: ويحمل المؤمن هذا الوعي، ولهذا نجد في دعاء الأنبياء والرسل والصالحين طلب المغفرة في مقدمة دعائهم دائما، ويطلبون العون في دينهم، ويطلبون ان يفرغ الله عليهم الصبر في أداء مهامهم الإيمانية، ويطلبون من الله النصر في ميدان العمل، وعند الشدائد والمحن، فالمؤمن في دعائه دائرة اهتماماته واسعة، بل يشمل اهتمامه الفوز برضوان الله والجنة، لأنه يدرك أن هذه الأمور مهمة، وليس مثل من يحصر نفسه واهتمامات دعائه في الدنيا، فهؤلاء لا يركزون على حياة الآخرة، والتي هي أكثر أهمية. الله سبحانه هو المبتدئ للناس بالنعم والرحمة الواسعة، ونعيش بألطافه في كل ظروف حياتنا، ومن عظيم رحمته وكرمه ان فتح لنا باب الدعاء، ويأذن لنا بالدعاء ويخاطبونه ويطلبون منه َ، ويأمرهم بذلك ويحثهم على ذلك، وفتح باب الدعاء لكل عبادة، وهذه نعمة كبيرة وهو سبحانه الودود والرحيم و ارحم الراحمين، الله فتح لنا باب الدعاء وامرنا به وليس بطريقة صعبة بل في كل وقت وفي كل حال، ويسمعك الله أينما كنت وأينما أنت، والله أمرنا بالدعاء، وهو يستجيب لنا وهذا وعد منه سبحانه، وهو الحي الذي لا يموت، مخلصين له الدين، وهو سبحانه وتعالى لم يربط مسألة الدعاء بطريقة معينة2..
لقد هيأ الله سبحانه أوقات فيها فرص الدعاء أكبر ومنها حالة الضر والشدة، ولا ييأس ولا يقنط الإنسان فيها، فإذا حضرت الشدة والاضطرار والكرب فهي من مقامات الاستجابة للدعاء لقبوله ومن مقامات الاستجابة الصلوات وشهر رمضان وفي ميادين الجهاد وليلة القدر ووقت نزول الغيث. وللدعاء آدابه ففي كل الأحول يجب أن يكون الإنسان مركزاً ومقبلاً لله، وفي حالة الدعاء يجب أن يقبل الإنسان بتضرع وخضوع وتذلل ويحمل مشاعر التذلل والرغبة لله والعبودية لله، ومن آداب الدعاء لابد من الاستقامة في العمل والتصرف، وحمل مشاعر الخوف والرهبة من التقصير ومن المعاصي ومن آثار الذنوب ووعيد الله، والدعاء لله بالطمع بالاستجابة من الله وبدون يأس، حمل روحية ومشاعر الرجاء مشاعر إيمانية أساسية وهي تعبر عن حسن الظن بالله، وغير ذلك هو سوء ظن بالله والعياذ بالله، وكن محسنا ومستقيما ومسارعا بالخيرات وادع الله، فسوف تجد رحمة الله قريبة منك. وثمرة الدعاء ونتيجيته مؤكدة في الدنيا والآخرة ، أي لابد منها، والله وعد بذلك، والدعاء يدفع الكثير من المصائب والمشاكل..
لقد عرف أهل الجنة ان اهم ما أوصلهم للجنة هو الدعاء لله بالمغفرة ، والله يذكر أهل النار وهم في النار كيف كان المؤمنون يدعون الله وهم يسخرون منهم ، ففي الدنيا يقول الله (ادعوني استجب لكم) وفي نار جهنم يقول لأصحابها (اخسئوا فيها)، هذا هو سبب التسويف، فالانطلاق و الاستجابة لله بكل أمورنا ودعانا اليه والإيمان بالله هو الخير لنا في هذه الحياة، ان رحمة الله قريبة من المحسنين، فلا تدعو الله بإثم، فالله يستجيب الدعاء في نطاق حكمته وتدبيره، وهكذا فإن نطاق ثمرة الدعاء واسعة، وعلى الإنسان ان يتوجه بالاستجابة العملية لله، والدعاء ليس بديلا عن العمل، واليأس من روح الله هي حالة خطيرة جدا، وشهر رمضان المبارك نعمة عظيمة الاستجابة للدعاء والانتباه لليلة القدر..