تبدو الغطرسة (الصهيونية) المعتادة إزاء القضايا العربية وخاصة فيما يتصل برد فعل هذا الكيان وجيشه وأجهزته تجاه أي عمل مقاوم تقوم به المقاومة العربية في فلسطين أو في لبنان، آيلة للسقوط والتلاشي وربما الخفوت أمام تنامي قدرة المقاومة وتوحد ساحاتها بعد أن العدو وحلفاءه قد امعنوا في تكريس مخططات تقسيم القضية العربية الفلسطينية وتقسيم نطاقاتها الجغرافية ودق اسفين بين الفعاليات الفلسطينية المقاومة، تزامن هذا السلوك (الصهيوني) مع دور أمريكي – غربي استعماري نجح في فك الارتباط المصيري بين فلسطين القضية وعمقها القومي والإسلامي وتحويل مسار الصراع من صراع عربي – صهيوني، إلى صراع فلسطيني- صهيوني، ثم اختزال هذا الصراع الفلسطيني- الصهيوني، إلى صراع بين الكيان و (غزة) من ناحية وأخرى بين الكيان و(الضفة)..؟!
فيما عمل الكيان وحلفاؤه من أنظمة التطبيع وبرعاية ودعم أمريكي- غربي على تكبيل حركة ومواقف السلطة الوطنية الفلسطينية والسعي الجاد في طريق تطويعها وتحويلها من سلطة ممثلة للشعب العربي في فلسطين، إلى سلطة، مهمتها حراسة الكيان الصهيوني وأمنه وأمن مستوطنينه، هذا المخطط الذي تم تكريسه منذ رحيل القائد العربي الفلسطيني الرئيس الشهيد ياسر- عرفات رحمه الله – في محاولة صهيونية لاختزال قضية شعب وإرادة أمة برعاية أمريكية هدفت إلى عزل قضية فلسطين عن عمقها العربي الإسلامي – أولاً – ثم إفراغها من هويتها الوطنية الجامعة وبالتالي إظهار القضية وكأنه مجرد قضية بين دولة ديمقراطية ذات سيادة هي (الكيان) وبين مجاميع (إرهابية) فلسطينية هم (المقاومة) وبما أن (الكيان) شريك أساسي لأمريكا في حربها ضد (الإرهاب) فإن من الطبيعي والحال كذلك أن تواصل عربدتها ضد شعب ووطن وأمة وقضية وهذا ما لم يتحقق وفق كل المؤشرات الماثلة التي تؤكد فشل كل هذه المخططات حتى مع محاولة أمريكا والغرب إجبار عدد من الدول العربية والإسلامية على تطبيع علاقاتها مع الكيان في سبيل منحه غطاء وشرعية لوجوده في جغرافية المنطقة وتعزيز مكانته والحفاظ على تفوقه العسكري والتقني وتحويل كل النطاقات الجغرافية المجاورة لفلسطين إلى بؤر مزعزعة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وجعلها منهمكة في أزماتها وخلافاتها وحروبها الذاتية وفاقدة القدرة على الانهماك في المشهد الفلسطيني..؟!
هذا السيناريو القذر سقط وفشل وأخفقت أدواته في الوصول إلى أهدافها، واستطاعت المقاومة العربية في فلسطين وخارج فلسطين في إعاقة هذا المخطط وفضح أدواته، وقد لعبت جغرافية محور المقاومة في إفشال هذه السيناريوهات من خلال تعزيز مساراتها ووحدة ساحاتها وربط قدراتها وتعزيزها في مواجهة الكيان ومن يرعى الكيان..؟!
بيد أن وحدة الساحات النضالية الفلسطينية لم تأت بمعزل عن تفاهمات أكبر وحدت بموجبها وحدة محور المقاومة الممتد عسكريا وأمنيا من أزقة غزة وشوارع الضفة وأحياء القدس والداخل العربي الفلسطيني بكل امتداده، إلى بيروت وصنعاء ودمشق وبغداد وصولاً إلى العاصمة طهران التي شكلت وعلى مدى عقدين تحديداً بمثابة الحاضنة للفعل العربي المقاوم والمناهض للوجود الاستعماري الصهيوني ولرعاته من المحاور الاستعمارية الأمريكية والغربية، الأمر الذي انعكس سلبا على تطلعات وأهداف الكيان وحلفائه في المنطقة وخارجها وخاصة أمريكا التي وجدت نفسها في مواجهة أزمة داخلية ذات أبعاد وجودية ناهيكم عن سلسلة أزمات متراكمة هي حصيلة غطرسة مارستها ضد دول وشعوب العالم ومنها دول الوطن العربي، غير أن هذه الغطرسة آخذة في التلاشي والتراجع بفعل تحالفات جديدة برزت على خارطة العالم وقوى جديدة صاعدة نمت واتسع نفوذها أبرزها الصين وروسيا وإيران التي رغم الاستهداف الممنهج لها ومحاولة الحد من قدراتها وتطلعاتها، إلا أنها استطاعت الصمود وتحدي كل المعوقات الاستهدافية والحصار والحملات الإعلامية والسياسية الظالمة التي حاولت تشويه صورتها والحد من تقدمها الحضاري، لكنها تفوقت على كل هذه المعوقات والعراقيل وبرزت كقوى إقليمية صاعدة تواجه بصلابة المخططات الصهيوامريكية، لتأتي الأزمة الأوكرانية بكل أثقالها على أمريكا والغرب ناهيكم عن الأزمة السورية التي جعلت إيران لاعباً محورياً فيها ليس دفاعا عن النظام القومي في سوريا وحسب، بل دفاعاً عن فلسطين وأهداف إيران الجيوسياسية التي بالمقابل ربطت محور المقاومة بامتداد دبلوماسي ناعم وصل أمريكا اللاتينية وقارتي آسيا وأفريقيا ليأتي التفاهم الإيراني- السعودي برعاية صينية ليدق آخر مسمار في مخططات وسيناريوهات الكيان وحلفائه.