العدالة المناخية .. مطلب عالمي للدول النامية

د.يوسف المخرفي

 

نعيش اليوم في عالم القرية الصغيرة التي تشهد تغيرات مناخية تتجلى مظاهرها في الاحتباس الحراري والأمطار الحمضية وتآكل طبقة الأوزون وتنعكس آثارها على هيئة منخفضات جوية عنيفة وأعاصير، عاصفة وفيضانات عارمة وصيف حار على غير العادة وجفاف وتصحر يهددان قدرة الأرض على الإنتاج الزراعي، وكذا ذوبان للجليد السرمدي في المناطق القطبية مما يهدد بارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات وبالتالي غرق المناطق الساحلية وفي مقدمتها جزر المالديف والساحل الشمالي لمصر في دلتا نهر النيل.

هذا على صعيد الظواهر الطبيعية المناخية، أما على الصعيد البشري فيما يتعلق بالاستقرار الحضاري والإنساني فقد أدى ويؤدي كل ذلك إلى هجرات بيئية قسرية خصوصا في عديد من دول أفريقيا والوطن العربي عموما.

وفيما يتعلق بالجانب الصحي للإنسان؛ فيشهد صيف كل عام موجات حر شديدة تنجم عنها العديد من الإصابات والوفيات، وما نجم وينجم عن تآكل طبقة الأوزون ونفاذ أنواع الأشعة الضارة إلى انتشار للأمراض الجلدية والسرطانية وفي مقدمتها سرطان الميلامين.

كما أدت الأمطار الحمضية إلى انتشار أمراض الجهاز التنفسي والعيون والأمراض الجلدية.

وقد كانت مسببات كل ذلك فيما ينبعث من أنشطة الإنسان من غازات وأدخنة حبست حرارة الأرض في غلافها الجوي وتكسر طبقة الأوزون وتلوث مياه الأمطار بتلك الغازات.

وبحسب تقارير آلية التنمية النظيفة CDM التابعة للأمم المتحدة؛ فإن جملة تلك الانبعاثات وصل إلى ٣٠ مليون طن سنويا، تنتج أمريكا لوحدها ٢٢ مليون طن سنويا كرأس حربة شر في جميع صحائف الأنشطة البشرية التي تتعدها إلى اللابشرية؛ فيما نصيب اليمن من تلك الانبعاثات وصل إلى ٨١ ألف طن سنويا.

إن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من أمريكا قد ساقتها الرياح شرقا إلى بلد يمتلك ١٥ ألف بحيرة(فنلندا) في اسكندنافيا بشمال أوروبا لتلوث مياه تلك البحيرات وترديها إلى مياه غير صالحة للشرب.

وقد قدمت حكومات وخبراء البيئة حول العالم مقترح اتفاقية كيوتو للمناخ لخفض تلك الانبعاثات والتحول نحو الطاقة النظيفة، لكن أمريكا رفضت التوقيع عليها حتى تاريخه.

كل ما سبق حدا بدول العالم خصوصا دول العالم الثالث نحو المطالبة بالعدالة المناخية، لرفض الظلم المناخي الذي يقع على كاهل الدول النامية التي خصص لها منتدى باريس قبل نحو عشر سنوات ١٠٠ مليار دولار تقدم كمساعدات عبر سوق الكربون بما يمكن تلك الدول من التحول نحو الطاقة النظيفة، لكن كما هو حالها فهي غير قادرة على استيعاب تلك المساعدات.

كما تقضي العدالة المناخية المحافظة على الغابات الاستوائية (رئة العالم) التي تتعرض للاجتثاث بما يهدد التوازن البيئي والطبيعي للكوكب الأزرق نتيجة زيادة الطلب العالمي على الأخشاب والتوسع الزراعي والعمراني.

إن تغير المناخ قد أدى أيضا لانقراض العديد من الحيوانات النادرة وإلى هجرة البعض الآخر وفقدان موائلها.

إن العدالة المناخية تقتضي احترام حق شركاء الحياة في الحياة من سائر الكائنات الحية إنسان وحيوان ونبات، كما تقتضي كبح جماح الدول الرأسمالية البراجماتية للتخفيف من الانبعاثات وتقديم مقومات الحياة الطبيعية والوجود الإنساني والبقاء بسلام على الكوكب الأزرق الوحيد المواتي للحياة على جميع المصالح والمنافع.

كما تقتضي العدالة المناخية انتهاج آلية التنمية المستدامة التي تلبي احتياجات الأجيال الحاضرة وتضمن انتفاع الأجيال القادمة من الموارد والتي تقضي بدورها إلى عالم متحول نحو التنمية النظيفة.

أستاذ العلوم البيئية المساعد ورئيس قسم البيئة والتنمية المستدامة بجامعة ٢١ سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا