مستقبل المؤسسات المالية بعد قانون حظر التعاملات الربوية

منير الشامي

 

لا يمكن أن يختلف اثنان في أن الله سبحانه وتعالى لم ينهنا عن أمر من الأمور المحرمة فعلا كان أم قولا، إلا وعواقبه وخيمة على حياتنا، وإضراره خطيرة علينا أفرادا ومجتمعات وتلك حقيقة مؤكدة لا يمكن لأي مسلم على هذه الأرض أن يثبت عكسها، ومع ذلك خالفت اغلب الدول الإسلامية شعوبا وأنظمة العديد من توجيهات الله تبارك وتعالى وأقرت أموراً نهاهها الله تبارك وتعالى عنها بل وسوغت لها قوانين وصاغت لها أحكام ولوائح منظمة ومارستها رغم علمها بحرمتها المطلقة ونتائجها الكارثية على واقعها ومجالات حياتها، والتعاملات الربوية على سبيل المثال واحدة من اخطر الأمور الدخيلة على الدول العربية والإسلامية أخذت أسسها من أعدائها ومارستها بنفس أسلوبهم وطريقتهم بشكل نظامي وعلني واعتادت عليها عقودا طويلة وما زالت حتى أصبحت غالبيتها تعتقد بحلها وشرعيتها وتبرر لنفسها بمبررات واهية لتستمر في ارتكابها رغم صراحة ووضوح النصوص الشرعية بحرمتها القطعية.
صدور قانون وقف التعاملات الربوية مؤخرا في بلدنا أثار ضجة صاخبة من قبل البنوك التجارية ستستمر ربما لعقود، وبدلا من أن تتجه إدارات هذه المؤسسات في تفكيرها إلى الطريق الصحيح في إدارة أموال المستثمرين فيها بعيدا عن التعاملات الربوية المحرمة ستتجه للبحث عن بدائل للتحايل على القانون ومحاولة تجميلها بأزياء مختلفة رغم إدراكها أنها لن تستطيع بتلك الأزياء الشفافة أن تخفي سوءة تلك التعاملات وستقع في دائرة المساءلة والعقاب عن مخالفة هذا القانون وكل ذلك بسبب اعتقادهم أن هذا القانون ضد مصالحهم التي حصروها في التعاملات الربوية.
وهنا أود أن أُنبههم إلى فداحة خطأ ما يعتقدون فقانون منع التعاملات الربوية هو في الحقيقة في مصلحتهم بالدرجة الأولى وليس ضدها كما يتصورون، وأن عليهم تصحيح هذا الاعتقاد الخاطئ جملة وتفصيلا، إما بتجسيد إيمانهم عمليا بنصوص القرآن أو من خلال قيامهم بالبحث والدراسة والتحليل لهذا الأمر وهذه هي أول خطوة في طريق نجاحهم في إدارة واستثمار الأموال المستثمرة لديهم ، ومستقبل استمرارية مؤسساتهم يعتمد على تجاوزهم لهذه الخطوة بنجاح وانتقالهم إلى الخطوات التي تليها ممثلة بإجراء تعديلات في أساليب الاستثمار وفق الرؤية الشرعية ونصوص القانون وتعديل إدارتها ورؤيتها الإدارية ورسالتها الاستراتيجية في المجتمع وتفعيل التعاملات الشرعية وفق شروطها وطبيعتها.
وعليهم أن يدركوا أيضا أن كفاءة إداراتها سينعكس في صحة وسلامة قراراتها الاستثمارية وحسن توجيه الأموال إلى المجالات الاستثمارية والدقة في اختيارها، وهو ما سينعكس بدوره على تركيزها على تحريك عجلة التنمية الشاملة في الاتجاه الصحيح وفتح مجال التنافس المشروع في النهوض بالمجتمع في شتى مجالات الحياة الزراعية والحيوانية والتصنيعية والتعدينية، والسمكية ….إلخ، فهذه مجالات لا زالت بكراً في بلدنا وحافلة بفرص عظيمة وثمينة أمامها ومتاحة في متناول إداراتها وهي فرص بناء حقيقية لا شكلية وطرق سليمة لتحقيق عوائد استثمارية عالية ومؤكدة تفوق عوائد التعاملات الربوية بعشرات المرات، فتكديس الأموال في خزاناتها وممارسة المضاربة والاحتكار والغش والترويج للفوائد الربوية التي تضرب اقتصاد المجتمع وتدمر استقراره هي الداء الوخيم على حاضرها ومستقبلها.
فالبقاء والتقوقع في أساليب التعامل الربوي يعني فشلهم وفشل مؤسساتهم وإفلاسها الحتمي في القريب المنظور فالقانون قد صدر وأقره مجلس النواب بحكم اختصاصاته وإعلانه يعني وضعه موضع التنفيذ إما بوجه القبول المستحب منهم أو بوجه الإجبار القسري رغما عنهم فلا مناص لهم عنه.

قد يعجبك ايضا