ها هي الأيام تنصرم وتنقضي وتعود إلى نفس الدائرة لنعيش موسم الخير الذي أمتن الله علينا به في كل عام وهو شهر رمضان المبارك، ولرمضان في صنعاء بالذات نفحة خاصة ويتم استقباله بفرحة غامرة ليس بالبهرجة والزينة وما شابه ذلك، ولكن بفتح بيوت الله للعبادة والذكر والابتهالات وكم يحس أهل صنعاء اليوم بسعادة وقد استعادوا تلك الهوية التي حاول أتباع الوهابية طمسها، فبدأنا نسمع في مساجد صنعاء التسبيح والتهليل والتكبير وبدأ الأذان يُرفع في مواقيته المألوفة التي حددها الشرع القويم، والأفضل من ذلك أن مساجد صنعاء بالذات القديمة تظل مفتوحة على مدار الساعة والمصلون ومن يتلون القرآن لا ينقطعون عنها، وهذه هي الأشياء المألوفة عند اليمنيين منذ القدم، فهم يعتبرون رمضان محطة للعبادة والذكر والتخلص من الذنوب والأوزار بنفس القدسية التي منحها الله سبحانه وتعالى لهذا الشهر الكريم .
فكما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى (إن عدة الشهور عند الله أثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ) صدق الله العظيم، سُئل أحد العلماء لماذا لا يكون رمضان من الأشهر الحرم؟ فأجاب لأنه مقدس في ذاته وأن عظمة الفريضة حولته إلى محطة إيمانية متفردة بصفات عظيمة المنبت كثيرة العطاء، وهذا هو الأساس الذي يُعطي لرمضان نكهة خاصة ويجعل أهل صنعاء يحتفلون بهذه المحطة الإيمانية احتفاءً يليق بقدسيتها لا أن يُذهِبون الأوقات في مشاهدة اللهو وما شابه ذلك، ولكن بالصلاة وتلاوة القرآن والعبادة في هذه المدينة العظيمة لها نكهة خاصة بالذات في المساجد القديمة وعلى وجه الخصوص الجامع الكبير المقدس بصنعاء القديمة، هذا المسجد الذي تم بناؤه بتوجيه من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وكان رابع مسجد يُقام في الإسلام، والحقيقة أنه الآن تحول كما كان زمان إلى ورشة إيمانية متواصلة، الكل يتلون القرآن والكل يبتهلون إلى الله بالعبادات ويُحيون الليل والنهار بذكر الله للاستفادة من هذه المحطة وفق التعاليم التي حددها الخالق سبحانه وتعالى فجعل شهر رمضان محطة إيمانية تعبق بالإيمان وتحث الناس على الصدق والإخلاص والبذل والعطاء، بل والجهاد في سبيل الله إذ كما نعرف أن معظم غزوات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تمت في هذا الشهر الكريم وفي المقدمة غزوة بدر الكبرى وفتح مكة وكلها مؤشرات هامة بقدر ما تدل على عظمة الشهر فإنها تكسبه قدسية أكبر وتجعل الأعمال فيه كما أخبر بذلك الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم مضاعفة الأجر والثواب وفقاً للحديث النبوي الشريف إن أجر الأعمال يتضاعف في رمضان عشرات الأضعاف.
من أسبوع مضى يمكن لأي مشاهد أو متابع أن يلاحظ مدى احتفاء أهل صنعاء بهذا الشهر الكريم، فالأسواق والأزقة والشوارع تحولت إلى خلايا نحل الكل يتسوقون ويقتنون الأشياء التي يحتاجونهاً في هذا الشهر الكريم رغم غلاء الأسعار الفاحش إلا أنهم اعتادوا على توفير ما يحتاجه هذا الشهر، على أن العادات الجديدة التي دخلت على أهل صنعاء بالذات تعتبر نوعاً من البذخ مثل السنبوسة وما شابه ذلك وهناك بدعة أخرى يسمونها يا نفس ما تشتي وهذه بدعة تتعارض مع الجانب الإيماني للفريضة كأن الناس في رمضان لا يأكلون ولا يشربون، ولو أخذها الناس بشكل آخر أن يجعلوها محطة للتآلف والتقارب والاجتماع كمقدمة للشهر الكريم، أما أن تكون مجرد موائد طعام وما شابه ذلك فهذه أمور تتعارض مع الطبيعة الإيمانية للشهر ويجب أن نتخلص منها ونعود إلى عاداتنا القديمة، وكما كنا نعهد في الماضي كان الناس لا يستخدمون زيت السمسم إلا قبل رمضان بيومين لصناعة الزلابيا كمادة وحيدة يأكلونها قبل رمضان تحت يافطة يا نفس ما تشتي، وفي كل موائد رمضان كانت تتسم بالبساطة وأهم شيء العبادة والمساجد عابقة بالإيمان وأصواتها تتعالى بدون مكبرات الصوت كما هو الحال اليوم بدون إزعاج للآخرين، ولكن بالتلاوة والذكر وحلقات الدرس في معظم المساجد، فالعلماء يتصدرون هذه الحلقات لكي ينقلون إلى تلاميذهم المعارف والعلوم ويفقهونهم في الدين، والتلاميذ يتلقون هذه التعاليم بروح صادقة تتلهف لمعرفة كل جديد من أمور الدين، لأن الجميع كما قلنا عرف ويعرف ما معنى الصيام ولماذا تحول رمضان إلى محطة بهذه القدسية لذا يريد أن يحقق أقصى حالات الاستفادة من هذه المحطة، واليوم هاهم الناس قد عادوا إلى ذلك المستوى من الاهتمام بدور العبادة وإحيائها بالذكر وصلوات التهجد السرية وليس الجهرية عملاً بالسنة النبوية المشرفة التي جاء فيها أن صلاة المرء في بيته غير الواجبة توازي ألف صلاة أو كما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم .
المهم أخيراً نبارك لأبناء شعبنا وعامة المسلمين بقدوم هذا الشهر الكريم ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله شهر محبة وأمن وسلام واستقرار إنه على ما يشاء قدير، والله من وراء القصد ..