بات واضحاً، أن نجاح التحالف المعارض السداسي في تقديم نفسه من خلال تحالف موحد لخوض الانتخابات التركية والاتفاق على ترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو للرئاسة.. قد فتح الأبواب وأسّس لمرحلة جديدة ستقود تركيا إلى منافسة سياسية صعبة في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاستئثار بالسلطة، كما يتحدثُ جُلّ معارضيه، وهنا يمكن القول وفي هذه المرحلة، إنّهُ يبدو واضحاً لجميع المتابعين لتداخلات الفوضى السياسية وتعقيدات المعادلة الانتخابية في الحالة التركية أنّ تركيا وبغض النظر عن الطرف الفائز في الانتخابات المقبلة، ستدخل في حالة فوضى سياسية وتخبط وأزمة داخلية وخارجية صعبة إلى حدّ ما.
اليوم، يتحدث التحالف المعارض السداسي عند تقديم نفسه، كطرف معارض لسياسات العدالة والتنمية، أنّ العدالة والتنمية أثبت أنّهُ وصل في حواره مع بعض مكونات رئيسية من الشعب التركي إلى طريق مسدود، وخصوصاً في ملف السلام مع الأكراد، وتحديداً مع حزب العمال الكردستاني « بي كي كي». فالأكراد ما زال زعيمهم التاريخي عبد الله أوجلان، والمحكوم بالمؤبد، محتجزاً في سجنه الانفرادي في بحر مرمرة، منذ 20 عاماً، مسبباً فقدان ثقتهم بـ العدالة والتنمية كما يتحدثون، بالإضافة إلى أنّ العدالة والتنمية بدأ يمارس سياسة مزدوجة المعايير بتعامله مع قوى سياسية مختلفة على الساحة التركية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر حزب «الشعب الجمهوري وحزب «الحركة القومية» اليميني المعارض و «الشعوب الديمقراطي الكردي»، وجماعة فتح الله غولن، خصوصاً بعد إعلان مجموعة من الأحكام والاعتقالات بحقّ رموز سياسية ودينية في الداخل التركي، وبحقّ بعض معارضي العدالة والتنمية خارج تركيا.
اليوم، يتحدث التحالف المعارض السداسي عند تقديم نفسه، أنّ العدالة والتنمية بطبيعة الحال، لا يمكن له أن يتبع أي نهج جديد، يؤسّس لحالة شراكة وطنية في الدولة، بالإضافة إلى كلّ ذلك، يتحدث التحالف المعارض السداسي أن الشعب التركي يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، فهناك بعض المكونات تعيشُ أوضاعاً صعبة جداً، فلا يغرّ البعض إن شاهد حجم العمران واتساعه ونشاط الاقتصاد، فهناك احتكار ضيق يُملّك المستثمرين الأجانب ما يزيد على 55 في المئة من حجمه ورأس ماله، ويعلم أغلب المطلعين على الخفايا ما وراء الكواليس، وخصوصاً الخفايا الاقتصادية، وتحديداً خبراء الاقتصاد، حجم الأزمة الاقتصادية في الداخل التركي، والتي حاول العدالة والتنمية، إخفاء حقائقها عن الشعب التركي الذي بدأ يشعر بنتائجها بشكلٍ ملموس في الفترة الأخيرة، وتشير تقارير «غير رسمية» إلى وصول ما مجموعهُ 18 في المئة من أصل مواطني المجتمع التركي إلى حدود معدلات خطوط الفقر و5 في المئة إلى ما دون معدلات خطوط الفقر في بعض المدن التركية، خصوصاً المدن التي يقطنها الأكراد في شرق وجنوب شرق تركيا ديار بكر ـ موش ـ بينغول ـ أورفة ـ عنتاب ـ بطمان، ففي هذه المدن يظهرُ بشكلٍ واضح ارتفاع عدد جيوب الفقر، وعلى هذا تُقاس معدلات البطالة والتضخم ونمو الاقتصاد وحجم الأزمات الاقتصادية مجتمعة المتولدة عن هذه الأرقام في عموم هذه المدن والمحافظات التركية الـ 81 الأخرى، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية الكبيرة التي أعقبت حدوث الزلازل الكبير الذي ضرب تركيا مؤخراً.
اليوم، يتحدث التحالف المعارض السداسي عند تقديم نفسه، أنّ الدولة التركية تعاني أزمة اجتماعية ـ اقتصادية ـ ثقافية ـ سياسية مركّبة، فهي اليوم تعيش كدولة على وقع أزمة اقتصادية خانقة، خصوصاً بعد الأرقام الاقتصادية السلبية التي ظهرت مؤخراً، والتي رافقتها تداعيات الزلازل الاقتصادية والاجتماعية، وهذه المؤشرات تؤكد، بحسب معارضيّ العدالة والتنمية، أن العدالة والتنمية بات يمرّ بأزمة ثقة خارجية وداخلية، خصوصاً بعد أن بات حلم تركيا بأن تكون واحدة من دول الاتحاد الأوروبي أمراً صعب المنال تزامناً مع خلافات متصاعدة مع بعض دول أوروبا الغربية وأمريكا، بخصوص موقف تركيا من ملف الحرب الروسية الأوكرانية، وعلينا ألا ننسى هنا أنّ تركيا خلال الفترة الأخيرة الماضية كانت تعاني عزلة إقليمية وضغوطاً دولية بعد فشل الرهان على الإخوان في مصر وعدم حدوث اختراق ملموس في الملف السوري” التي كانت لها فيه، مساحة نفوذ كبيرة، كما كان لها دورٌ بارز في تطور أحداثه المتلاحقة على الأرض السورية من خلال نفوذها ودعمها ما يسمى بالمعارضة السورية.
من هنا يمكن القول إنّهُ في هذه المرحلة ومع ظهور مجموع هذه الملفات الخارجية، والداخلية الاقتصادية والسياسية، أن مجموع هذه الملفات هي المدخل للتحالف المعارض السداسي، للمنافسة وبقوة بالانتخابات المقبلة، وهي الرهان لهذا التحالف للفوز بهذه الانتخابات، والملفات ذاتها باتت تطرحُ مجموعة تساؤلات عن المصير المستقبلي للعدالة والتنمية، وعن مصير أردوغان السياسي، وما إذا كانت هذه الانتخابات بنتائجها ستأخذ البلاد بأكملها مستقبلاً إلى حالة الفوضى، وإلى المزيد من تعميق حالات الانقسامات المجتمعية في الداخل التركي «عرقياً وطائفياً، وإلى المزيد من الأزمات الاقتصادية والناتجة عن الصراعات السياسية، ولا ننسى دور العسكر التاريخي في الداخل التركي، والذي حتماً سيكون له كلمة عليا حينها .
ختاماً، إنّ المرحلة المقبلة في الداخل التركي، تُنبئ بمزيدٍ من التعقيدات الشائكة، فملف الانتخابات هو ملف مصيري بالنسبة لأطراف المنافسة، ما سيعمّق حالة الشرخ بين عموم الشعب التركي، فـ التحالف السداسي لا يريد فقط الوصول إلى مقعد الرئاسة، بل هو يتحدث عن تغيير شامل في ملف إدارة الدولة سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، ونهج مختلف بالمطلق عن سياسة العدالة والتنمية في الملف الخارجي، بالمحصلة، نحن بانتظار حسم ملف الانتخابات الرئاسية، ونحن على أعتاب بضعة أسابيع، لنرى من سيحسم هذا الملف، وما تداعيات ما بعد نتائج هذه الانتخابات، على الداخل التركي وعلى الخارج … لننتظر، والأيام القادمة حبلى بالأحداث الكبيرة..! .
*كاتب وناشط سياسي – الأردن.
hesham.habeshan@yahoo.com