وفق نظرية وحدة الكون لا يصعب على الإنسان العاقل الواعي إدراك كون كل هذا الذكاء الصناعي الذي يملأ المعارض بما أبدعه عقل الإنسان الذي وهو صُنع الله وفق غالبية الأديان والمعتقدات أيًّا كانت مصادر تكوينها، وقد شهد الذكاء الصناعي في القرون الأخيرة وبالذات في القرنين العشرين وبدايات هذا القرن الواحد والعشرين دَفعة أو طفرة أو قفزات مذهلة من التطور التكنولوجي وعلم الطاقة أبرز تجليات ما يعرف اليوم بثورة المعلومات التي قهر بها الإنسان كل المسافات والتحديات، وفاقت منجزاتها كل التصورات والخيالات فكان بما أدت إليه من آثار إيجابية على حياة الإنسان لا ينكرها إلا أصحاب العقول الراكدة المتجمدة المشغولة بالبحث عن كيفية الوقوف في وجه عجلة التقدم والتطور جاهلين أو متجاهلين أن ما يصنعونه هو المستحيل بذاته إلا إذا كان بإمكانهم إيقاف البراكين ولن يكون، وما من شك أن لهذه الثورة العظيمة في مقابل الآثار الإيجابية ارتدادات وآثار سلبية على حياة الإنسان ومجمل حياة الطبيعة بكل مفرداتها وتفاصيلها، وهذه سنة الله في خلقه كما يعتقد المؤمنون أو سنة الطبيعة كما يرى الطبيعيون، أي أن جميع من يفكرون بعقولهم يدركون أن : (لكل فعل رد فعل مضادٌ له في الاتجاه مساوٍ له في الحركة والمقدار) وهذا هو القانون الثالث من قوانين نظرية عالم الفيزياء والرياضيات الإنجليزي إسحاق نيوتن ويطلق عليها نظرية الفعل ورد الفعل، وهي نظرية علمية لعبت دوراً مهما وواضحاً في تطور مختلف مجالات الحياة العلمية والصناعية، والحديث هنا إنما هو إشارة متواضعة حول علاقة الإنسان في حياته المباشرة بالطاقة التي هي مصدر الحركة بكل تجلياتها ودورها الأساس في نقل المعلومات على هذا النحو من السرعة التي فاقت كل التصورات لدرجة أن ما كان يردده الناس منذ أواخر القرن العشرين من مقولة : (العالم بات قرية واحدة) هذه المقولة أصبحت اليوم في خبر كان بعد هذه الابتكارات من أجيال الهاتف المحمول الذكي وأجهزة الاتصال الحساسة التي أصبحت في متناول يد كل إنسان وفي أي مكان يوجد به! لدرجة أنه أصبح يعيش حالة قلق وخوف من أن درجة صلته بالعالم على النحو الذي نراه ونعايشه تكاد تؤثر على صلته بمن حوله من أسرة ومجتمع، ومصدر القلق والخوف في اعتقادي يعود بدرجة أساسية إلى العلاقة غير الصادقة بين السلطة والمجتمع والتي بمقتضاها تثبت السلطة أنها موظفة لدى الشعب، ويدرك الشعب أن السلطة ملكه وليس العكس.
نعم علاقة أفراد الشعب ببعض وعلاقته بالسلطة بحاجة إلى مراجعة جادة وتصحيح مسار لتكون في خدمة الشعب بالفعل لا بالشعارات والخطابات والإعلام المضلِّل ، وأن يقابل كل سلطة مسؤولية بنفس أهمية موقع المسؤول وكل مسؤول لابد أن يخضع للمساءلة في الدنيا أما الآخرة فهو اختصاص إلهي لأن الموظف العام يجب أن يؤدي وظيفته بإتقان وأمانة في خدمة الناس وحسابها حق من حقوق الناس في الدنيا يساءل عليها وفق قواعد الدستور والقوانين التي تتضمن قواعد وضوابط ومعايير علمية تبين شكل الدولة وسلطاتها وكيفية ممارستها والرقابة عليها والفصل بين السلطات بما لا يُمَكِّن أيا منها من أن تكون في موقع الخصم والحكم، ومن حق الشعب صاحب الحق في السلطة أن يمنع استخدامها في الاعتداء على حقوق الإنسان المادية أو المعنوية المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية سواء باسم الله أو باسم الشيطان، وأن لا يكون لأي موظف سلطة مطلقة لأن كل سلطة مطلقة سواءً كانت دينية أو سياسية مفسدة مطلقة، ولأن الشعب كما نكرر باستمرار صاحب السلطة وهو من يمنحها الثقة أو يسحبها منها عبر انتخابات حرة وديمقراطية نزيهة، وقد أصبح لممارسات الحق الانتخابي وتسيير عمل السلطات التي تنتج عنه في كل العالم قواعد وأسس يلتزم بها البشر الأحرار الأسوياء، أما الوصول إلى السلطة عبر دبابة أو مدفع أو أي شكل من أشكال العنف والإرهاب المادي أو المعنوي وباسم أي دين أو مذهب أو فكر أو نظرية سياسية أياً كان مصدرها فقد أصبح جريمة وطنية ودولية بغض النظر عن المعايير المزدوجة التي تستخدمها بعض الدول المهيمنة على العالم في تأييد نظام ومحاربة آخر فهذه حالة استثنائية ستنتهي قريباً، وهذا ما يتمشى مع دين الله الحق ويستسيغه العقل السليم وهو الطريق الواضح إلى سلام دائم لمن يريده وشرعية حقيقية تتحرك وفق الالتزام بمبدأ التداول السلمي للسلطة أما الخيار الثاني فلا يؤدي سوى لاستمرار دوامة الصراع المسلح على الحكم دون وجه حق مهما تلونت الدعاوى والتبريرات والله المستعان .
هو الله ملء الزمان وملء المكان
فهلا نظرتم إلى الكون كي تعرفوه