المتأمل في مسار وتداعيات جيوب التطرف أو ما يطلق عليها الجماعات الإرهابية، نجدها تعبِّر عن نفسها وتنشط في نطاقات جغرافية بذاتها، وتعكس من خلال أنشطتها رغبات وإرادة أمريكا، ولم نجدها يوما في نطاقات تزعج أمريكا أو تثير غضبها، بل عملت هذه الجماعات كجرافات تزيح من طريق أمريكا عوائق وحواجز وتهدم لها الجدران تسهيلا لمهمتها، إذ عملت هذه الجماعات في البلقان وخاصة في( البوسنة والهرسك) في مواجهة (الصرب) حلفاء روسيا، كما عملت في (جمهورية الشيشان) في مواجهة روسيا الاتحادية ودعما للجماعات الانفصالية الشيشانية، كما عملت في عدة دول ومجتمعات ناهضت مشاريع أمريكا فيها، مثل الصومال، ونطاقات أخرى منها نطاقات صديقة لأمريكا، ومع ذلك لم يسلم أصدقاؤها من رسائلها الدامية التي كانت أمريكا ترسلها من خلال هذه الجماعات، بهدف تأكيد خطر هذه الجماعات الإرهابية، وهو التأكيد الذي يدفع دولاً وأنظمة للارتهان أكثر لخيارات ورغبات أمريكا، التي كانت تمهد النطاقات الجيوسياسية ترقبا لصراع قادم مع محاور دولية أخرى، ولم تخرج بالتالي ما أطلق عليه (قاعديا _غزوة مانهاتن) كحادث بذاك الحجم وبتلك الطريقة التي جسدت نظرية _الصدمة والرعب _التي سبق وتبناها البنتاجون والمؤسسات الأمريكية، كخطوة أولى نحو تطبيق _نظرية الفوضى الخلاقة _التي أرادت من خلالهما أمريكا إحكام قبضتها على مصائر العالم، في عملية استباقية لصراع جيوسياسي ونفوذ نعيشه اليوم وما كانت أمريكا ترغب أن تصل بالمشهد الدولي للحالة التي هو عليها اليوم، لذلك وظفت أمريكا جماعات التطرف واستمدت من أنشطتها وعملياتها الموجهة شرعية تدخلاتها العسكرية وانتهاكها لسيادة الدول وتكريس ثقافة (الإسلام فوبيا) ليصبح الإسلام وهذه الجماعات هم (العدو) للإمبراطورية الأمريكية والمنظومة الاستعمارية الغربية، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وجدار برلين، وبما أن أمريكا دولة لا يمكنها البقاء والعيش بلاء (عدو) فقد اتخذت من ( تنظيم القاعدة عدوها الرئيسي) وجعلته يتماهى مع عدوها السابق الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو..!
وخلقت حول هذا التنظيم وأعضائه حكايات أسطورية جعلت التنظيم في المحصلة يتحول إلى ند لها ولكل دول العالم الغربي وبعض العرب والمسلمين، بديلا عن الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو..!
وهكذا وبذريعة مكافحة الإرهاب غزت أمريكا دول العالم الثالث وخاصة الدول العربية والإسلامية، وفرضت هيمنتها ونفوذها من خلال استغلال الإرهاب الذي كانت هي من صنعت أدواته وشكلت جيوبه..!
والملاحظ أن أمريكا وبعد أن وجدت نفسها مضطرة إلى َمغادرة العراق تحت الضغط الشعبي وضغط المقاومة انسحبت إلى الكويت وقطر والأردن بقواتها، ثم فجأة عادت التفجيرات والأعمال الإرهابية إلى بعض المدن العراقية، فكانت عودة العمليات الإرهابية تلك ذريعة ومبرراً لعودة قرابة (20000) جندي أمريكي للعراق بذريعة مكافحة داعش إضافة إلى بضعة مئات من الجنود الأوروبيين ليرابطوا تحت مسمى (قوات التحالف الدولي لمكافحة داعش)..!
(داعش) هذا لم يكن له وجود في سوريا ولكن أمريكا وحلفاءها وتحت ذريعة (الثورة السورية) أوجدت داعش وأخواتها وأوجدت الكثير من الجماعات التكفيرية المتطرفة والتي تم تمويلها من بعض أنظمة الخليج، واليوم أهم حليف لأمريكا في سورية هو (أبو محمد الجولاني) زعيم (جبهة النصرة) التي هي نسخة من القاعدة، وطالبان، وداعش.. والجولاني هو تلميذ تخرج من مدرسة بن لادن، وأبو بكر البغدادي، وأيمن الظواهري.. فيما أهم حلفاء بريطانيا وقطر في سوريا هم أصحاب (الخوذ البيض) وكل هؤلاء أصدقاء للكيان (الصهيوني)..!
قد لا تختلف ظاهرة الجماعات المتطرفة التي تكافحها أمريكا عن ظاهرة وباء (كورونا) الذي ابتكرته أمريكا أيضا مهما قيل ويقال فأمريكا تقف وراء كل الظواهر السلبية وخاصة تلك التي تخلق حالة من الهلع والخوف في الأوساط الدولية رسميا وشعبيا..!
وأمريكا لم توجد مثل هذه الظواهر عبثا بل توجدها لأسباب ودوافع وغايات تتصل بنفوذها ومصالحها الجيوسياسية ومخططاتها الاستراتيجية على الخارطة الكونية.
يتبع..
Next Post