جثــــــة بـلا رأس

ملخص ما نشر في حلقة الأسبوع الماضي
في وقت بعد العصر ساعة المقيل وصل صبي إلى إدارة أمن مديرية يسلم بمحافظة حجة وهو بحالة مزرية ومنهكة راح يصيح ويصرخ ويشير بيده نحو الوادي المقابل لمبنى المقر دون النطق بكلمة مفهومة وكرر ذلك باكيا من غير أن يفهموا منه شيئا .. استغرب رجال شرطة المديرية المتواجدون وفكروا أنه قد يكون أبكما ولكنهم لاحظوا أثناء ذلك عند ما أخذوا يتفحصون هيئته بأعينهم أن ثمة آثار دم توجد على ثيابه وأطراف يديه.. فارتابوا في الأمر وأدركوا أن هناك شيئاٍ جدياٍ وعليهم أن يتحركوا بصحبة الصبي إلى الوادي الذي ظل يشير لهم صوبه ليروا ماذا وراءه.. وانتقلوا إلى الوادي وبرفقتهم الصبي حتى وصلوا إلى ربوة عالية صخرية في وسطه ووجدوا على هذه الربوة جثة طفل صبي مذبوح ومفصول الرأس تماماٍ والرأس ملقاة على مسافة أكثر من نصف متر من الجثة.. فقاموا بإجراءاتهم المتبعة في المكان وحضر بعد ذلك مختصو الأدلة الجنائية وقاموا بالمعاينة الفنية للمكان والجثة ثم تم نقل الجثة مع الرأس وكذلك الصبي المبلغ إلى إدارة أمن المحافظة ومنها إلى إدارة البحث التي تولت المتابعة والتحقيق في القضية وقام المكلفون من البحث بعرض الصبي المبلغ على أحد الأطباء النفسيين لتشخيص حالته لأنه بقي أبكماٍ لم يستطيعوا أخذ كلمة واحدة مفهومة منه وجاء تقرير الطبيب النفسي بما يفيد أن الصبي تعرض لصدمة نفسية كبيرة أثرت على فقدانه للنطق ولم يكن أبكماٍ من قبل والصدمة التي تعرض لها نتيجة رؤيته لواقعة ذبح الطفل وكذلك لاحتمال الاعتداء عليه من قبل الجاني أو الجناة وتهديده وحالته لن تدوم كما قام فريق البحث بعرض الصبي على الطبيب الشرعي بالمحافظة لنفس الغرض فأكد الطبيب الشرعي ما سبق وأفاد به الطبيب النفسي مضيفاٍ أن الصبي لم يتعرض لأي اعتداء أو إيذاء جسدي ولكن ظهرت على يديه آثار خدوش ربما تكون نتيجة شجار من النوع الذي يحدث بين الأطفال والصبيان الصغار.. فشعر رجال البحث بشيء من الارتياح النسبي لهذا.. غير أنه مازال أمامهم المهم فالأهم وهو ما يتعلق بهوية الصبي المبلغ وهوية الطفل القتيل المذبوح ثم ما يتعلق بالجريمة وملابساتها وخفاياها والجاني أو الجناة فيها وذلك ما بدأ يشغلهم … و… وها هي بقية الوقائع ومع أحداث الحلقة الثانية والأخيرة.
لمعرفة هوية الصبي المبلغ الأبكم ثم هوية الصبي المذبوح المجني عليه لم يكن أمام فريق البحث بالمحافظة سوى التواصل والتنسيق مع شرطة مديرية يسلم من أجل أن يتولوا عملية البحث وهم إلى جانبهم لكشف هويتي الصبيين من خلال التحري وتقصي الحقائق بالمنطقة .. كونهم هناك أي شرطة المديرية أعرف بالأهالي والمناطق بالمديرية وبالذات المنطقة محل الجريمة والعثور على الجثة والرأس والتي لا شك أن الصبيين المبلغ والقتيل هما منها أو راعيان وتلميذا مدرسة من أبنائها ومن السهل التوصل إلى بيان هويتهما وكذلك إلى معرفة أهاليهما وأقربائهما عن طريق ذلك.. هذا كان السبيل الوحيد أمام رجال البحث بالمحافظة الذي فكروا فيه وخطر في أذهانهم.. وقد عملوا عليه وسارعوا لتنفيذه بالقيام بعملية التواصل والتنسيق مع إدارة أمن مديرية يسلم وقسم البحث فيها من أجل ذلك فاهتم رجال شرطة المديرية ولم يقصروا وقاموا بمهمتهم بالبحث والسؤال في نطاق منطقة الواقعة القرى المجاورة والمحيطة بها وهي قرى متقاربة مع بعضها البعض إلى حد ما.. وركزوا أثناءها في التحري على المدرسة التي كانت تجمع أبناء الأهالي بالمنطقة والمناطق المحيطة والمجاورة للدراسة فيها.. حيث سألوا إدارة المدرسة ومعظم مدرسيها وتلاميذها من الصبيان أبناء الأهالي المنتسبين إليها كما سألوا العديد من الأهالي مستعينين في ذلك بأوصاف الصبيين المتحرى عنهما التي لديهم.. ولأن خبر وصدى نبأ الجريمة والعثور على الجثة مذبوحة ومفصولة الرأس في الوادي كان انتشر وتفشى كالنار في الهشيم وبسرعة بين الناس والمناطق فقد ساعد ذلك فريق شرطة المديرية على أن يصلوا إلى ما يريدون وما يسعون وراءه خلال أقل من 24 ساعة من زمن البلاغ والتحرك.. إذ تمكنوا من معرفة هوية الصبي المذبوح والصبي المبلغ اللغز وأيضا توصلوا إلى معرفة منطقة وأقرباء كل منهما.. وتبين أنهما من أبناء القرية المجاورة للوادي محل الجريمة وزميلان بالمدرسة وكذا رفيقان في الرعي مثلهما كالصبيان الآخرين من أبناء القرية والقرى المجاورة.
وعلى إثر هذا وبعد إبلاغ أسرة كل من الصبيين بالأمر اتجه رجال الفريق للتحري وجمع المعلومات حول أسرة أو أقرباء الصبي المجني عليه والسعي لمعرفة عما إذا كان لأي منهم خلاف أو عداء مع أحد وكذلك التحري حول أسرة الصبي الشاهد المبلغ والإلمام بكل ما يتعلق بشأنها وذلك قبل استدعاء أي من أفراد الأسرتين لاستيفاء محاضر جمع الاستدلالات مع من يتطلب ذلك منهم على ذمة القضية.
وجاءت الإفادات من خلال ذلك لتؤكد بالنسبة لأسرة الطفل الذبيح المغدور بأنها أسرة فقيرة وبسيطة جداٍ تعتمد في عيشها ومصادر رزقها على الأغنام والرعي وليس لها ثأر ولا عداء مع أحد من أي نوع وأيد تأكيد هذا العديد من الأهالي الذين أجمعت إفاداتهم على ذلك كما وردت وتطابقت إفادات من تم سؤاله من الأسرة “أسرة المجني عليه” بعد ذلك عندما توجهوا للالتقاء بهم وفي مقدمتهم الأب والأم اللذين نفيا قاطعاٍ بما يوضح عدم وجود أي خلاف أو ثأر لهما مع أحد وأن علاقة الأسرة بجميع الأهالي بالقربة هي كعلاقة البيوت البسيطة والفقيرة فيها والتي تتسم بالتفاهم وحسن الجوار والتناغم والتعاون الريفي الفطري الذي يرى كل منهم بحكم طبيعة الريف خلاله منشغلاٍ بنفسه وبمعيشته في الزراعة ورعي الأغنام وكل بعد حاله.
بينما أظهرة التحريات والمعلومات حول أسرة الصبي الشاهد وبالأخص حول بعض الأقرباء منهم بما يشير للارتياب وثيير أكثر من علامة استفهام بشأنهم.. فقام فريق البحث بتوجيه استدعاء لهؤلاء الأقرباء وأسرة الصبي الشاهد لكي يتم حضورهم إلى مباحث المحافظة .. ولكن لم يلب الاستدعاء ويحضر منهم سوى أحد أخوانه ومعه أحد أبناء عمه وهما شابان الأول منهما شقيق الصبي عمره كان 30 عاماٍ والثاني ولد العم يبلغ من العمر 25 عاماٍ.. وهذان بديا حين وصلا إلى مقر البحث كأنهما من أولئك شباب الريف والبادية الذين هم على سجيتهم وطبيعتهم النائية والفطرية ولا يعرفون غير البساطة والزراعة ورعي المواشي وتصرفاتهم تكون على السليقة وظهرت على وجهيهما ونظراتهما علامات الارتباك وهذه الدلائل تبدت بارزة وممتزجة بالتوجس والخوف .. أو ذلك ما لاحظه رجال البحث عند رؤيتهم للشابين.. في الوقت الذي تظاهر الشابان كأنهما لا يعرفان شيئاٍ وسألا لماذا تم استدعائهما …¿ فتبادل ضباط البحث نظرات سريعة صامتة فيما بينهم.. ثم التفت الضابط الأكبر فيهم للشابين وراح يخبرهما بتفاصيل الجريمة كمن يجاريهما وأخبرهما عن حالة قريبهما الصبي الشاهد دون الإفصاح عن عرضه على الطبيب النفسي والطبيب الشرعي وتقرير كل منهما على حالته وأوهمهما خلال ذلك أنهم في البحث يعتقدون ويسلمون بأن الصبي هو أبكم في الأصل ومنذ الولادة.. فأتى رد شقيق الصبي وابن عمه بما يؤكد: أن قريبهما الصبي بالفعل أبكم وفاقد للنطق بشكل دائم.. فكان هذا الرد للشابين ما جعل الضابط ومن معه يتحولون في نظرائهم بما يعني الاستغراب ووضع علامة الاستفهام المشوبة بالشك والاشتباه فيهما.. بل وكان ذلك مبرراٍ أمام فريق البحث لاحتجازهما على ذمة الواقعة وبدء فتح محاضر جمع الاستدلالات معهما بنفس اليوم.
ثم في اليوم الثاني وصل إلى إدارة البحث والدة الطفل الشاهد وأبوه لزيارته والسؤال عنه.. وجعلوهما يلتقيان به في جو هادئ وحالة نفسية عادية وعندما قابلاه ورآهما بدا كأنه شعر بالاطمئنان والأمان وهدأت نفسيته وأعصابه ثم بدأ بالنطق ويتكلم .. فكان ذلك بدء الانفراج وبدء الاحساس بانتشار الابتسامة لدى فريق البحث لأنهم بذلك كأنها أوشكوا على الخروج من الدوامة وعلى الاقتراب من حل اللغز المحير حول الجريمة وكشف ملابساتها والجاني المجهول فيها.
وقد انتظروا حتى هدأت نفسية الصبي تماماٍ وصار بإمكانه الكلام بلا تردد ولا اضطراب ثم انفردوا بفتح المحضر معه بحضوره والده.. وهنا كانت بداية إزالة الستار عن الغموض وانكشاف الحقائق الرهيبة والغريبة كاملة والتي كانت بمثابة انفجار قنبلة فجأة دمرت وقلبت كافة الافتراضات والاحتمالات المختزنة لدى رجال وفريق البحث حول الجريمة من قبل رأساٍ على عقب.. وتمثلت هذه القنبلة المنفجرة حينها بأن الطفل الشاهد اعترف خلال المحضر بأنه هو القاتل وأنه الذي قام بذبح الصبي المجني عليه وفصل رأسه عن جسده .. ولذلك قصة وبداية.. وكانت خلاصة ما ورد في اعترافه حول ارتكابه للجريمة وتنفيذها وأسبابها وملابساتها.. وبحسب ما سرده على لسانه وكأنه يحكي قصة أحداث فيلم سينمائي شاهد على شاشة التليفزيون وحفظها عن ظهر قلب.. قائلاٍ:
إن من حرضني ودفعني لفعل هذا هو أخي الأكبر وكذلك ابن عمي وهما الشابان المحتجزان لديكم.. إن الصبي المجني عليه هو رفيقي وزميلي في المدرسة والرعي .. حيث كنت وأياه ندرس في صفُ واحد بالمدرسة ثم نذهب بعد المدرسة وفي أيام وأوقات غير الدراسة لرعي الأغنام معاٍ في الوادي وسهل وجبال القرية ولم نكن نفترق إلا في الليل وكنا كالأخوين والصديقين اللذين يعز كل منهما الآخر ويكن له كل الحب والبراءة والطهارة .. ولكن أخي وابن عمي لا سامحهما الله هما من حولاني من هذه البراءة والطهارة إلى وحش مفترس خال الإحساس والآدمية .. لقد ظل ورائي لأكثر من شهر لإيغال صدري حقداٍ وكراهية ضد رفيقي المجني عليه ويحرضاني للانتقام منه بقتله وذبحه قائلين لي بأنه يحب أن استغل فرصة زمالتي وصداقتي أو رفقتي به الدائمة في الدراسة والرعي وأتحين الوقت والمكان المناسبين للثأر منه .. أما لماذا.. فلأنه حسب قولهما أي أخي وابن عمي هو من تسبب في موت جدي أو جدنا الذي مات قبل شهرين وعمره حوالي 85 عاماٍ وذلك أن جدي كان يطلب من الصبي المجني عليه أن يذهب يشترى له حبوب علاج من الصيدلية الكائنة بمركز المديرية فيذهب الطفل صاحبي بناءٍ على طلب جدي لشراء الحبوب من الصيدلية ويحضرها له وهذه الحبوب نوع الفياجرا وهي منشطة جنسياٍ وخطيرة في الحين ذاته على كبار السن بل ومؤثرة كثيراٍ على من هو كبير السن بحيث بالإمكان بسببها أن يصاب بسكتة قلبية وتنتج عنها الوفاة الفورية وذلك ما حدث مع جدي لأنه بسبب تلك الحبوب الفياجرا التي كان يحضرها له دائماٍ رفيقي الطفل المجني عليه أصيب جدي بالسكتة القلبية قبل شهرين ونتج عنها موته وكأن الطفل المجني عليه بفعله ذاك قتل جدي قتلاٍ.. أو هذا ما أقنعني وحذرني به أخي وابن عمي في تحريضهما لي ضد الصبي القتيل وليس وحسب ولكن ابن عمي وأخي هما من دبرا خطة تنفيذ ذبح المجني عليه ورسمالي الخطوات لذلك ودرباني وعلماني التفاصيل التي أتبعها للتنفيذ كما أنهما من قاما بشراء السكين التي سيتم بها الذبح وقاما قبل أن يعطياها لي بحد وسن شفرتها حتى صارت تلقط الذبيحة في الهواء.. ثم وبعد أن أصبحت جاهزاٍ ومدرباٍ من قبل أخي وابن عمي قمت في ذلك اليوم وأنا والصبي نرعى الأغنام بالوادي ومنفردين بمغافلة المجني عليه من الخلف وسارعت إلى ضربة بحجر في مؤخرة رأسه فسقط الصبي على الأرض ثم سارعت إلى إخراج السكين التي أعطاني إياها أخي وابن عمي وقمت بسنها على رقبة رفيقي الذبيح وجز رقبته وقلع الرأس ورميهما بسرعة وكنت قد تدربت على ذلك لأكثر من أسبوع على يدي ابن عمي وأخي وبعد ذلك حين شاهدت الدم والجثة والرأس هناك.. شعرت بكل شيء يتغير ويتلون أمام عيني وارتعشت بالخوف والرعب والارتهاب ولم أعد أدري ماذا فعلت ثم وجدت انفسي أسير بخطاي على غير هدى متوجهاٍ نحو أمن المديرية بغرض إبلاغهم هناك عن الجثة والرأس ولكن عندما وصلت إليهم وأردت الكلام وجدت لساني عاجزاٍ عن القدرة على النطق بكلمة واحدة أو هكذا كانت الجريمة والمأساة ونسأل الله السلامة لنا ولأبنائنا وشبابنا جميعاٍ في الدنيا والآخرة إنه نعم المولى ونعم النصير.
للتنوية: سقط اسم الزميل حسين كريش وصورته من الحلقه السابقه عدد الأسبوع الماضي لذا لزم التنوية.

قد يعجبك ايضا