عدم تطبيق القوانين التي تحمي الحقوق والحريات أفقد الدولة هيبتها

اعتبرت منظمات مدنية عاملة في مجال حقوق الإنسان في اليمن أن هناك تدهوراٍ حاداٍ في أوضاع حقوق الإنسان في البلاد منذ اندلاع الاحتجاجات, وأنه إثر الأحداث والصراعات والأوضاع الأمنية المضطربة تم تسجيل انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان وصلت في بعض الحالات إلى حد الكوارث الإنسانية متجاوزة الانتهاكات الفردية بالإضافة إلى الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي جعلت أكثر من 54% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر .. مراقبون وحقوقيون يتحدثون عن عوامل وأسباب الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في اليمن ويضعون الحلول للحد منها .. نتابع:

البداية كانت مع رئيس مركز إسناد لتعزيز استقلالية القضاء وسيادة القانون فيصل المجيدي: إن عدم وجود جهاز أمني قوي ومدرب لحماية هذه الحقوق على الرغم من مصادقة اليمن على العهدين الدوليين لحقوق الإنسان من وقت مبكر والتزمت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في دستورها وعدم وجود إرادة سياسية للعمل بالاتفاقيات الدولية بهذا الشأن نتج عنه غياب الوسائل الحقيقية لحماية الحقوق والحريات الأساسية المتعارف عليها دوليا بالإضافة إلى عدم توفير مناخ جيد للتوعية بهذه الحقوق لدى المجتمع وتدريب القائمين على تطبيق القانون من شرطة ونيابة وأمن على التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان وإشكالية ارتباط وتبعية القضاء للسلطة التنفيذية وعدم منحه الاستقلالية الحقيقية ليكون حارسا للحقوق والحريات.

وأضاف: إن المنظومة الثقافية في المجتمع لا تتقبل احترام هذه الحقوق ووجود الفوارق الطبقية وتزايد حالات الأمية في المجتمع مؤكدا على ضرورة إدخال مناهج حقوق الإنسان في المدارس والجامعات كمادة أساسية ليتربى الناس عليها وتصبح ثقافة موطدة قي المجتمع .
قوانين الاتجار
علي ناصر الجلعي – ناشط حقوقي ورئيس المؤسسة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر ـ يقول بأن أسباب انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن هي غياب الدولة.
وكذلك عدم وجود قوانين تحمي الحقوق والحريات وتجرمها وإن وجدت فهي رهينة الأدراج.
ومضى يقول : إن هناك العديد من الانتهاكات التي لم تجرم بعد بقوانين صارمة مثل قضايا الاتجار بالبشر والذي لا زال قانونا مدرجا في ملفات مجلس النواب رغم الحالة الملحة والعاجلة لإصداره كون جرائم الاتجار بالبشر تنتهك حقوق اليمنيين باستمرار ولا توجد عقوبات رادعة للمجرمين بالإضافة إلى عدم وجود توعية بحقوق الإنسان لدى الأجهزة الأمنية ووجود المليشيات والجماعات المسلحة خارج القانون وكذلك سطوة المشايخ والشخصيات الإجتماعية وقيادات الدولة وهذه الفئات هي التي ترتكب جرائم القتل ناهيك عن انتهاكات حقوق الإنسان ومن الصعب أن يطالها القانون.
موضحاٍ بأن الأحداث التي شهدتها اليمن مؤخراٍ والاحتجاجات أدت إلى ضعف مؤسسات الدولة وخصوصاٍ الأجهزة الامنية وضاعفت من انتشار العصابات وقطاع الطرق مستغلة الوضع الأمني المضطرب . داعياٍ إلى نشر ثقافة المحبة ونزع الكراهية في أوساط المجتمع والتعايش السلمي ونزع الأسلحة من كل الجماعات المسلحة والمشايخ ومنع السلاح داخل المدن الرئيسية كحد أدنى والعيش تحت مظلة الدستور والقانون وبناء دولة مدنية قولاٍ وعملاٍ لشعار نرفعه للمزايدة.
ثقافة المدنية
الناشط الحقوقي شاهر المعقبي يرى بأن افتقارنا للثقافة المدنية يدمر في نفوسنا الثقة ويساعد المنتهك على ممارسة المزيد من الانتهاكات , وأضاف بأن غياب الوعي القانوني وعدم تطبيق ما تتعهد به الدولة من تفعيل القوانين وتطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كل ذلك أسباب مجتمعة تمنح المنتهك شرعية الاستمرار في غياب العدالة وغياب المسلمين المتفقهين بالدين وجوهره ولهذا من الضروري الإفلات من ثقافات التبعية أياٍ كانت كونها تفضي إلى السلبية والانهزامية والإخفاق لهذا قد نجد أحد دعاة حقوق الإنسان وناشطين هم أيضا منتهكين لحقوق الإنسان.
المعاهدات الدولية
من جانبه تطرق الدكتور عبدالملك الشرعبي إلى العوامل التي زادت حدة الانتهاكات في اليمن ومنها: غياب القوانين والتشريعات والتي تكون واضحة العقوبات فيها وإلزامية تطبيقها تجعل من السلطات تماطل بتطبيق أي عقوبة نظراٍ لعدم وضوح التشريع وكذلك عدم المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والعمل على عكسها في القوانين المحلية كل ذلك فيما يخص القانون وهناك جانب مهم وهو ضعف السلطات وعدم قدرتها على تطبيق القانون يتمثل ذلك بالقدرة الضعيفة والإمكانيات اللازمة لتطبيق ذلك وهناك جانب ثالث وهو ثقافة المجتمع وروابط التواصل مع المجتمعات الحرة في العالم وكثيراٍ ما تظهر الانتهاكات في المجتمعات المغلقة وكذلك المجتمعات التي تأخذ من الأديان وبسوء فهم وتعتبره وسيلة للانتهاك في حين أنه في نظرها تطبيق لمعتقده بالإضافة إلى المماحكات الحزبية والتي تعمل على إعاقة السلطات عن تطبيق القانون.
أجهزة العدالة
من جهته ذهب المحامي حمزة الشرجبي بالحديث عن أجهزة العدالة إلى القول : إن أغلب أجهزة العدالة “الأمن ..النيابة ..القضاء” ليست على الوعي الكافي لمراعاة وحماية حقوق الإنسان وهو ما يسبب انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان فالعبرة في حقوق الإنسان في اكتشافها وليس في اختراعها.
مؤسسات الدولة
فيما أشار الدكتور عبدالرحمن صلاح – جامعة صنعاء في حديثه إلى أن كلمة حقوق الإنسان كلمة مطاطة تفهم بمعايير ومستويات مختلفة وهذا سبب ضعف تفاعل الناس مع الجمعيات الناشطة في هذا المجال فحقوق الإنسان الأساسية لم يتفق عليها في الغرب ومفهومهم لها تختلف عن المفهوم المقبول عربيا وإسلاميا وهذا ما يسبب الإرباك والشكوك ويضعف من تفاعل الجميع معها. ومع ذلك فإن الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان والأعراف اليمنية تنتهك يوميا في اليمن إما لضعف الوازع الديني والأعراف اليمنية الأصيلة التي كانت تحظ على إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم.
وقال صلاح: إن بعض الانتهاكات تصدر من أطراف ليس لها علاقة بالدولة وتزايدت في الفترة الأخيرة بسبب غياب سلطة القانون وضعف مؤسسات الدولة الأمنية التي تقع عليها مسئولية الحفاظ على أمن وحقوق المواطنين. وإن بعض الانتهاكات قد تحدث من إحدى مؤسسات الدولة أو أفراد يحتمون بها أو يستغلون مناصبهم فيها وهذه يتم مواجهتها وكشفها أولاٍ بأول بواسطة الجمعيات العاملة في مجال حقوق الإنسان ووسائل الإعلام التي تخلق قضية رأي عام مناهضة لهذه الانتهاكات ويجب على الدولة أن تتبنى قرارات وإجراءات تحاسب المنتهكين لحقوق الإنسان وأن ترد الاعتبارات والحقوق لمن انتهكت حقوقه لتترسخ قيم ومبادئ راسخة لا يمكن تجاوزها مستقبلاٍ لا بحصانة ولا بتساهل.
منابر التوعية
وختمنا جولتنا الاستطلاعية مع الناشط ثابت الأحمدي والذي تحدث عن التدني الكبير فيما يتعلق بالثقافة العامة لدى اليمنيين والتي تدخل من ضمنها الثقافة بحقوق الإنسان وهذا راجع بدرجة رئيسية إلى الجهل والأمية وضعف الثقافة الحقوقية بشكل عام لدى كل الأطياف, بالإضافة إلى انصراف الرأي العام نفسه -وإلى حد ما- إلى جانب الأحزاب السياسية عن تكريس وتجسيد ثقافة حقوق الإنسان على المستوى التنظيري والعملي فلا تزال الثقافة الحقوقية مسألة ثانوية حتى لدى أكثرية المتعلمين أو المثقفين وقد ناديت أكثر من مرة بأن يتم إنشاء مادة في المناهج المدرسية إجبارية تعنى بحقوق الإنسان ويدرسها طلاب الثانوية في صفوفها الثلاثة إضافة إلى التوعية البرامجية والثقافية.
متطرقاٍ إلى أهمية دور المساجد -كمنبر إعلامي- بتعيين جزء من خطابها لهذه المسألة المهمة لتستطيع أن تحقق الكثير لكنها للأسف تتطرق للسياسة ومواضيع قد تكون أحياناٍ بعيدة عن واقعنا أكثر من اهتمامها بالقضايا الرئيسية.

قد يعجبك ايضا