الثورة / عادل شلي
مدينة حجة تعتبر من أجمل المدن اليمنية، حيث شيدت دورها وقلاعها وقصورها وحصونها ومنازلها على صدر الغيوم وفوق مناكب النجوم.
فتبدو للقادم اليها من الغرب وكأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة، وكأن دورها المشيدة اغصانها وحاراتها العتيقة فروعها وقلاعها وقصورها وحصونها أطيب ثمارها.
– قد حباها الله بطقس معتدل وزادها الضباب الصاعد من الوديان حسنا وجمالا فتبدو كأنها معبد أسطوري لالهات الجمال الأسطورية والبخور يصعد من معابدها المقدسة مع تراتيل وصلوات الصباح.
اشتهرت مدينة حجة بطيب هوائها وطيبة نفوس أبنائها، وهي من المدن القليلة التي لا يشعر الوافد اليها بوحشة الاغتراب، حيث يغمره أبناؤها بفيض بساطتهم وسخاء مشاعرهم وفيض مودتهم ويشعر ويعاني من اضطر لمفارقتها مرارة اللوعة والحنين على الدوام.
وهي من المدن التي تتلاشى فيها المسافة بين أبنائها حكاما ومحكومين وقضاتها وفقهائها هم الاغزر علما والأكثر فطنة ولكنهم كغيرهم من أبنائها يزرعون أراضيهم بأنفسهم ويداومون في محاكمهم ويتحاكم لديهم الناس بمختلف مشاربهم وكان القاضي حسن نصار رحمة الله تغشاه يداوم في محكمته في الظهرين ولكنه في الأيام التي لا دوام فيها يذهب بمعوله وأدوات الزراعة ليفلح ويزرع أرضه.
ويروي كبار السن ان القاضي يحيى العزي عندما تنازع احد المواطنين مع الإمام أحمد عندما كان نائبا على حجة في عهد أبيه الإمام يحيى حكم للمواطن والزم أحمد بن يحيى حميد الدين بتنفيذ الحكم.
واشتهرت من أسرها العريقة التي تنافست علي القصاء أسرة بيت نصار وآل حميد وآل العليي وآل المسعودي والفقيه والمقري و…الخ .
وأقدم حاراتها الجراف والظهرين والقلعة والحلة ونعمان وهجرة السوق.
ويعتبر سوقها القديم من أشهر الأسواق، ومن ضواحيها عزلة قدم وحملان وهربة من الشرق وعزلة عبس والشاهلي والمروي من الغرب.
-وشهدت نموا واتساعا حيث تشير بعض المصادر إلى انه كان يوجد في حورة سوق ويوجد فيه عدد من الدكاكين ولكنها تنكمش ويتوقف نموها واتساعها ويعزو سبب ذلك الدكتور محمد الشرفي إلى قلة المياه باعتبارها السبب لنفور السكان منها .
الأمر الذي دفع الإمام أحمد حميد الدين عندما كان نائبا على حجة بعد ان دخلها عقب فشل تمرد ناصر شيبان في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين ان حفر العديد من الآبار مثل بئر سعدان وبئر هران وبئر العذرة وبئر السوائل ونضف الغيول واصلح مواجلها مثل ماجل احمد في السوائل ومواجل المعاين وغيل الحفاشي وسقاياه.
وشيد اكبر خزان لحفظ المياه والذي سماه بريكة الناصر وكان عمقه حوالي 12 متراً وعرضه 30 متراً وطوله اكثر من 40 متراً، وهو من التحف العمرانية البديعة، وشيد بركتين كبريين بجوار جامع حورة.
وبدأ في تشييد جامع حورة والمستشفى الأحمدي وهما أكبر جامع ومستشفى في المحافظة وعمد إلى تسوية ميدان حورة وشيد قصر سعدان كدار للحكومة وزوده بكافة المباني الحكومية ووفر بجواره مساكن لعمال الحكومة.
واستطاع في الفترة التي قضاها نائبا لوالده في حجة من منح مدينة حجة كل أسباب النمو والتوسع والازدهار ووفر لأبنائها كافة الخدمات وعلى رأسها التعليم والصحة والمياه ويحكي انه كان ينوي توفير الكهرباء وقام بنصب الأعمدة وانه كان ينوي عمل شبكة لتوصيل المياه من مسور ويروي الدكتور احمد عباس شرف الدين ان مواصير المياه ظلت في مخازن المستشفى إلى ما بعد قيام الثورة، وزود مدينة حجة بكافة المباني الإدارية وسكن العاملين فيها وقام بتحصين العرضي وقلعة القاهرة وحصن ظفر ونظم الموازين والمكايين واصلح شون الحبوب والغلال.
ولهذا يعتبر الإمام أحمد هو صاحب اليد الطولي والفضل في تطور مدينة حجة واتساعها الأمر الذي يفسر لنا سبب وفاء مدينة حجة وأبنائها معه بعد ثورة 48م، وكيف استطاع من حجة ان يستعيد ملك أبيه ويسقط الثورة الدستورية ويدخل صنعاء.
– فكيف استطاع الإمام أحمد ان يفجر طاقات المكان ويحولها إلى قوة تزلزل الأرض تحت أقدام خصومه.. !
* المسار
تعتبر مدينة حجة من اشد المدن تحصينا ومنعة ولرمزيتها التاريخية وموقعها الاستراتيجي فمن سيطر عليها سيطر علي لواء حجة بالكامل والممتد من ملحان وحفاش جنوبا ومسور والاشمور والسودة وجبل عيال يزبد في الشرق وشهارة والاهنوم والمدان وحلور وحجور الشام وبكيل حتي جبال غافرة والملاحيط والخوبة في الشمال وعبس وتهامة اليمن كاملة في الغرب.
فحجة التاريخية هي التي حكمت طوال الثمانية القرون التي سبقت ثورة 26 سبتمبر 1962م، ومنها انطلقت كل مواكب التمكين لحكم اليمن.
ومن مدينة حجة شيد الإمام أحمد أسطورته العسكرية والسياسية والعلمية والأدبية وبحجة اعظم وآخر انتصاراته.
وعندما تحولت سياسته تجاه حجة وأبنائها تحولت حجة عنه واعتبرت أنها قد سددت له كافة ديونها في 48م ولهذا أراد تحويلها إلى سجن كبير لخصومه وأعدائه فتحولت إلى مركز إشعاع للثورة ومنارة للتغيير وفي سجونها تبلور المشروع الوطني للثورة والتغيير.
وادت سياسة الإمام أحمد الاستبدادية وتسليط البغاة والعتاة على أبنائها إلى تحول بوصلتها باتجاه الثورة، الأمر الذي فطن له احد قيادات الثورة، وهو علي سيف الخولاني الذي تم أطلاقه من سجنها قبل أيام من اندلاع الثورة فبقي في مدينة حجة وبمجرد سماعه لبيان الثورة حتى تمكن هو وثلة من الثوار من السيطرة على مدينة حجة والتف حوله أبناؤها وتمكن من تحصينها والحيلولة دون وصول محمد البدر اليها وتمكن أبناؤها من الصمود في مواجهة فلول الملكية لسنوات.
وتمكن أحد ضباط الثورة الشجعان من إسقاط الحصار المفروض عليها وكما اطلق عليها الإمام أحمد بعد حركة شيبان مدينة النصر وتعززت رمزيتها بعد 48م اطلق عليها ثوار 26 سبتمبر مدينة النصر أيضا.
وعندما تعيين مجاهد أبو شوارب محافظا لمحافظة حجة استكمل ما بناه الإمام أحمد فشيد المدارس الحديثة وأوصل مشروع المياه والكهرباء ومنحها كل أسباب التمدن والتطور فاستقرت مكانته في قلوب أبنائها بمختلف مشاربهم وانتماآتهم واستطاعت حاشد ومشائخها ان يفرضوا سيطرتهم على النظام الجمهوري بفضل حجة وأبنائها ووقفت حجة مع العميد مجاهد أبو شوارب عندما تم عزله عنها من قبل إبراهيم الحمدي فعاد اليها متسللا من الحدود السعودية ففتحت له أبوابها ومنحته كل ما يريد ولادراك إبراهيم الحمدي بأهمية حجة ترك مجاهد أبو شوارب يحصل على ما يريد من الأسلحة والأموال في حجة ورفض ان يحرك أي قوة باتجاه حجة أو لقطع الطريق عليه بعد ان اخذ ما في مخازنها من الأسلحة ومن بنكها من الأموال وتوجه بها إلى مسقط راسه في خارف وذلك خوفا من ان يعود للتحصن في حجة وتكرار ما حدث في 48م.
– وبسبب غطرسة مشائخ حاشد وسياستهم الخاطئة مع محافظة حجة وأبنائها وتكريسهم لسياسة الجهل والتهميش بل ان هناك من اتخذ من موقف حجة من الثورة الدستورية في 1948م سببا لتبرير سياسة التجهيل والتهميش والإقصاء الذي تم ممارسته ضد أبناء محافظة حجة الأمر الذي أدى بهم للالتحاق بالأحزاب القومية الناصري والبعث والاشتراكي وانخرطوا في الجبهة الوطنية وتم الزج بالكثير منهم في المعتقلات والسجون.
وعندما تم الإطاحة بالحزب الاشتراكي والبعث التحقوا بالمؤتمر وعلي عبدالله صالح نكاية في الإصلاح والشيخ عبدالله.
وبعد ان تبخرت آمال القوى التقدمية في صالح والمؤتمر الذي اوغل عبر تيار الشيخ الجديد في تكريس سياسة التهميش والإقصاء لأبناء محافظة حجة، ظهرت شرارة الرفض من خلال العديد من الفعاليات الثقافية والسياسية وبدأ أبناء مناضلي ثورة 26 من سبتمبر ينظمون انفسهم ويقودون المظاهرات السياسية من داخل مدينة حجة وتكوين عدد من الأطر الثقافية الناقدة للنظام وتبلورت كل تلك المحاولات في ظهور تيار ثقافي وسياسي داخل محافظة حجة يبشر بالتغيير ويرفض سياسة التهميش والإقصاء ويدعو للتنوع وحرية الراي ورفض التشدد والتطرف، وعمد هذا التيار إلى بعث الهوية الخاصة بمحافظة حجة وما تزخر به من الثراء والتنوع وبعث الهمم الغافية وتذكير الأجيال الجديدة بعظمة حجة ودورها ومكانتها وأهميتها وتشكل ما اطلق عليه كتاب النظام السابق بعصابة حجة والتي بدأ صوتها وافكارها تنتشر في كل محافظات الجمهورية وتوجه الكثير من أبناء محافظة حجة لبعث ارث الزيدية والصوفية لمواجهة طوفان السلفية والوهابية، وانخرط أبناء حجة في المراكز الصيفية وفتحت النخب الثقافية والسياسية بمدينة حجة بيوتها ومقراتها لعلماء الزيدية القادمين من الجامع الكبير بصنعاء لإقامة مراكز صيفية للعلوم الشرعية والمذهب الزيدي، وتوجه أبناء المناطق الأخرى التي حيل دون فتح مراكز صيفية فيها الى صنعاء وصعدة ..
وفي أول مواجهة للنظام مع قادة المراكز الصيفية وتنظيم الشباب المؤمن كان أول بيان سياسي معلن لرفض استخدام القوة ضد أبناء صعدة والدعوة إلى الحوار وتحييد المؤسسة العسكرية وعدم الزج بها في حروب طائفية ومذهبية من مدينة حجة. وكان أول صحفي تم اعتقاله بتهمة الحوثية من مدينة حجة، ووقع على بيان رفض استخدام القوة ضد أبناء صعدة المئات من أبناء محافظة حجة الأمر الذي كشف عن حجم السخط والرفض لسياسات النظام مما اضطر النظام إلى الزج بطلاب المراكز الصيفية من محافظة حجة في السجون واعتقال الرموز الثقافية والسياسية لإرهاب الحركة الثقافية والسياسية وإرهاب أبناء محافظة حجة عامة.
وأدت سياسة القمع والإرهاب للزج بالمئات من أبناء المحافظة في السجون الأمر الذي دفع اغلبهم للالتحاق بالتيار المسلح لتنظيم الشباب المؤمن، وكانت تلك السياسة الرعناء للنظام هي من جندت المئات من الشباب من أبناء محافظة حجة للالتحاق بالحركة الحوثية، وكانوا هم المدد الذي ساهم في اشتداد عود الحركة بعد استشهاد مؤسسها وتمكنها من المواجهة في الحروب التالية.
واتسع نطاق الحركة حتي وصلت إلى جبال شعلل في اطراف محافظة حجة.
واستطاع بطل جبل شعلل من الصمود وتثبيت قدام الحركة في محافظة حجة وكسر أي حصار لمنع تدفق المدد من حجة وتقييد نطاق حركتها.
وقادت الحركة الثقافية والسياسية حراكاً فكرياً وثقافياً هو الأول من نوعه في محافظة حجة، تمكن بقوة الحجة والمنطق من مواجهة التوسع السلفي بإمكانياته الهائلة، ورغم المراكز الكبيرة التي شيدها الفكر السلفي في اغلب مديريات المحافظة إلا أن قوة الكلمة والفكرة للحركة الثقافية والسياسية كانت الأقوى والأوسع انتشارا.
واستطاعت الحركة الثقافية والسياسية بحضورها القوي والفاعل تجنيب محافظة حجة ويلات الصراع، وذلك بعد أن انقسم النظام إلى قسمين واندلعت المواجهات في العاصمة والعديد من المحافظات إلا أن التفاف الحركة الثقافية والسياسية ووجهاء المحافظة وقياداتها ومشائخها وعقالها حالت دون الصدام والمواجهة وتمكنت من التقريب في وجهات النظر بين مختلف المكونات، ومكنت حتي اتباع المسيرة من التواجد والعمل وقللت من الصدامات ورفضت الانخراط في حرب عاهم وحصار صعدة، وفضحت العديد من الأكاذيب التي روج لها الطرف الآخر وتمكنت من إنجاز وثيقة السلم الأهلي التي وقعت عليها كل المكونات السياسية، وحالت دون أي مواجهات وأعمال انتقامية عندما سقطت صنعاء والمحافظات الأخرى في قبضة انصار الله، وتم دخول حجة دون أي مواجهات أو أعمال انتقامية.
* الخلاصة
كما أدت سياسة التهميش والإقصاء التي مارسها النظام ضد أبناء محافظة حجة إلى التحاق أبنائها بالمسيرة القرآنية وكانوا خير مدد ورافد لثباتها وانتصارها وتوسعها وانتصارتها حتى تمكنت من دخول صنعاء، وكانوا هم السباقين للدفاع عن كرامة الوطن وعزته واستقلاله في مواجهة العدوان، وكانت الحركة الثقافية والسياسية في طليعة تلك التحولات.
– وكما كان أول قرارات اللجنة الثورية هو تعيين وكلاء لمحافظة حجة من أبنائها واشراك لكافة القوى في صناعة القرار بمحافظة حجة هو اعتراف بدور الحركة في تجنيب المحافظة ويلات الصراع، ودورها الكبير في نشر وبعث روح الثورة والتغيير في أبناء محافظة حجة ورفضهم للظلم والاستبداد وهو أول قرار يوكد ان ثورة 21سبتمبر 2014م ترفض سياسة الإقصاء والحرمان والتهميش لأبناء محافظة حجة والتبرؤ من سياسات النظام السابق ضد محافظة حجة وأبنائها.
– والآن بعد 9 سنوات من عمر الثورة وتضحيات أبناء محافظة حجة كيف يمكن قراءة مستقبل حركة انصار الله بعد ان تحولت إلى سلطة وهل حافظت على علاقتها القوية وشراكتها لأبناء محافظة حجة وحركتها الثقافية والسياسية؟.
وهل ستكون حجة وأبناؤها وطلاعها الثقافية والسياسية في العقد الثاني من الألفية الثالثة على موعد مع التغيير ورفض الظلم والاستبداد وسياسة التهميش والتجهيل والحرمان والإقصاء كما هو عهدها ووعدها في العقود الماضية.. ؟!
ومما سبق ينبثق (سؤال نتوجه به للنخب الثقافية والسياسية وللشخصيات الاجتماعية وقادة الراي والعقلاء والاحرار .. ولمشاعل الفكر والتنوير بمحافظة حجة.. !)