أمس الجمعة مرت ذكرى استشهاد القائد حسين بدر الدين الحوثي، كما صادفت أيضا ذكرى اغتيال الإمام يحيى حميد الدين في الـ 17 من فبراير 1948، الحادثة التي يسميها التأريخ الرسمي “الثورة الدستورية “.
في كلتا الحالتين، كانت خطة المؤامرة وقرار الاغتيال بتدبير وتوجيه خارجي، ولم يكن اليمنيون فيها سوى أدوات للتنفيذ. وتكفل مؤرخو السلطات بالتلفيق والتزوير والتضليل والتشويه، كما فعلوا في أحداث أخرى، فكان دورهم أبشع جرما وأكثر إثما من فعل الجريمة نفسه.
عرّف المفكر الفرنسي الكبير فولتير التاريخ بأنه “الكذبة المتفق عليها” . وعبّر الكاتب جورج أورويل عن نفس الفكرة من ناحية تعليل الكذب التاريخي كأحد أساليب إنتاج علاقات القوة التي تحكم الديناميات الاجتماعية بقوله: ‘من يسيطر على الماضي يسيطر على المستقبل ومن يسيطر على الحاضر يسيطر على الماضي’. أي أن تزوير التاريخ هدفه التحكم بالمستقبل وتقوية سلطة النسق القائم وقوى الستاتيكو أو السكون .
فمن لا يرى يومه بعيون أمسه، تستعصي عليه أحداث الآن والآتي، ومن لا تاريخ له، لا سَندَ لأحكامه سوى العدم، فكيف بمن يبنى على تاريخ مزور!.
تاريخنا المزور اُضفي عليه هالة من القدسية، ويجري استغلاله في الحرب الإعلامية كمرجع لتأصيل ما يتم اختلاقه من زيف وأباطيل.
وعلى سبيل المثال يستخدم الطرف الآخر – الذي يعمل ضمن تحالف العدوان – ذرائع وشعارات متعددة للتأثير على الرأي العام المحلي والخارجي، منها على سبيل المثال، شعار “حماية والجمهورية “، والمفارقة المثيرة أن يرفع هذا الشعار من القوى التي سرقت الثورة والجمهورية طوال عقود . وبهذه الذريعة تم شن ست حروب على صعدة بين الأعوام 2004_2010، ارتقى القائد شهيدا في الحرب الأولى .. ظن قاتلوه أن مشروعه انتهى، لكنه ترسخ وتجذر وأثمر . ولم يستطع مؤرخو السلطة وأبواقها تزييف الحقائق والغايات رغم ما سخرته لتشويه السيد القائد ومشروعه، كما فعلت في اغتيال الإمام يحيى عام 1948 .
في جريمة قتل السيد حسين بدر الدين الحوثي، كان السفير الأميركي في العاصمة صنعاء هو أول من يُنقل إليه الخبر « البشارة » وفي جريمة اغتيال الإمام يحيى ، كان مكتب الإخوان المسلمين في القاهرة هو غرفة العمليات .
ما تسمى بـ « ثورة 48 » أو ما تُعرف في التاريخ الرسمي بالثورة الدستورية، خطط لها مرشد الإخوان المصري حسن البنا، فقد كان ينظر إلى اليمن كموطن مناسب لإقامة دولة الإخوان . وبحسب معتقدات الإخوان، دولة الإسلام لا تقوم إلا بالهجرة، فالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لم يبن دولة الإسلام إلا بعد هجرته من مكة إلى المدينة، والهجرة إلى اليمن كانت هي الخيار الأمثل للإخوان» لإقامة دولة الإسلام الثانية ، وقد كانت الهجرة إلى اليمن جزءا من اليمين الذي يؤديه الشخص عند التحاقه بالتنظيم .
يجهل الكثيرون أن ما يوصف بـ «الدستور المقدس» لثورة 48 تم صياغته في مكتب الإخوان المسلمين بالقاهرة، وأقره حسن البنا نفسه .
استغل الإخوان في مصر علاقتهم بالإمام يحيى حميدالدين وثقته فيهم، وبنوا خطتهم للإطاحة به وإقامة دولتهم .
وبغرض الاستثمار والتجارة، تم إدخال الجزائري الفضيل الورتلاني، الذي تولى الجانب السياسي، بينما تولى الضابط العراقي جمال جميل الجانب العسكري .
اغتيل الإمام يحيى في فبراير 1948، وتولى الجزائري الورتلاني دور وزير الخارجية، والعراقي جمال جمال مهمة وزير الحربية والشؤون الأمنية، يعني وزيرا للدفاع والداخلية .
لسنا هنا بصدد الدفاع عن النظام الإمامي أو رموزه، فقد كان له إيجابياته وسلبياته، ولكن، أن يتم تدوين تلك الأحداث في التاريخ الرسمي باعتبارها ثورة وبدستور مقدس أيضا، مع أنها انقلاب دبَّرته مجموعة من خارج اليمن، فهذا إهانة لليمنيين وجريمة بشعة بحق التاريخ . بعد أكثر من سبعين عاما على تلك الأحداث، لا تزال عملية التضليل مستمرة، ويجري استغلال ذلك في إطار الحرب الإعلامية الموازية للمعركة العسكرية التي يشنها تحالف العدوان السعودي الأمريكي على اليمن.
مطلع العام الماضي أقيمت في مارب ندوة بعنوان «الثورة الدستورية والبندقية»، وكان من أبرز توصياتها إنشاء هيئة للذاكرة الوطنية، وإعادة صياغة المناهج الدراسية، بما يرسخ التضحيات والبطولات التي بذلها رموز الثورات الوطنية، مع أن معظمهم لم يكونوا سوى أدوات قتل بيد الخارج .
ثورة حسن البنا في اليمن عام 1948، حفَّزت عبدالناصر بمحاولة أخرى في سبتمبر 1962، ومثلما استغل حسن البنا ثقة الإمام يحيى، حتى أنه سمى نجله بـ«سيف الإسلام، تيمنا بسيف الإسلام أحمد »استغل ناصر ثقة الإمام أحمد وولي عهده محمد البدر الذي كان يعتبر ناصر قدوته .
وكانت النتيجة فشلاً ذريعاً في تحقيق أهداف الثورة طيلة ستين عاما من عمرها.
بينما قادتنا دماء الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي إلى ثورة سبتمبرية من نوع آخر، ثورة يمنية أصيلة نقية لا وجود للخارج فيها، قادتنا إلى ثورة 21 سبتمبر 2014 . ولأنها الثورة التي تجسد طموحات اليمنيين وأحلامهم، أعلنوا عليها الحرب ولا يزالون، وسيفشلون حتما لأنها تجسيد للحق والعدل، أما الباطل فإلى زوال.
مشهد آخر لتزييف الوعي والتاريخ
عام 2013، كنت موفداً من صحيفة الثورة إلى مدينة عدن لإعداد ملف حول النضال ضد الاحتلال البريطاني، وكم كان مستفزا لي وأنا أتجول في قاعات المتحف في مدينة كريتر، والذي تضمنت أغلب محتوياته صورا للإعدامات التي نُفِّذت في عهد الإمام أحمد في الشمال ، ولا وجود لأي مقتنيات أو صور توثق لفترة الاحتلال البريطاني !! لا يوجد حتى قصاصة تذكر بـ 128 عاما من الاحتلال والمقاومة والنضال في متحف عدن .
وعند مكتب الإدارة، قلت مازحا لموظفي المتحف: معي صور أكثر من الموجودة في المتحف، لم يستفزهم هذا الانطباع رغم فظاظته.. علامات عدم الرضا عن حال المتحف بادية أيضا على وجوههم، وكان مبررهم الوحيد هو «كثير من مقتنيات المتحف نُقلتْ إلى صنعاء » ثم دخلت في جدل مع المدير حول وجود صورة الشهيد لبوزة ـ كواحد من أعلام ثورة 14 أكتوبر ـ هو يقول موجودة ضمن الصور وأنا أنكر وجودها ولم يكن بوسعي إعادة الجولة.