إن بشرية الأنبياء تؤكد أن الله سبحانه وتعالى يُدبر أمور خلقه وفقا لسنن تغيير في الكون وللقوانين التي وضعها هو ذاته – سبحانه – للكون ، فأن يأتي النبي (من أنفسِهم) ويتأثر ويؤثر في مجتمعه وقومه ، فهذا سياق تاريخي لا يتنافى مع فكرة كون النبوة حالة اتصال (سماوي – أرضى) ، بل يؤكد على عدم وجود أي تعارض ، ومن هنا نجد ان معجزات الأنبياء والرسل جاءت في أضيق الحدود لإحداث صدمة تغيير وإصلاح محتوم حين تطلب الأمر ذلك وفق تدبير الله ، لكن السياق الطبيعي لتعامل النبي أو الرسول مع مجتمعه في تبيلغ رسالته السماوية مع قومه كان تعاملاً مبناً على تفاعل بين طرفين، وفقا للقواعد البشرية ، وهذا التفاعل لم ولا يُخرج النبي والرسول عن كونه نبيا أو رسولا ، لأن مضمون النبوة والرسالة السماوية لا يمكن أن يكون مفارقا للواقع الأرضي وواقع البشر..
التغيير يعني عند المجتمعات والشعوب والأمم أوجاع وأفراح ، وأوجاع وأفراح الناس تبقى دائما غير قابلة للنسيان ، والسياق الطبيعي لحدوث صدمة التغيير من غير رفض شعبي ، لابد أن يعلم جيدا القُراء والباحثون عن التغيير أن المجتمعات والشعوب والأمم التي يناضلون من أجلها هي أشد أعداء التغيير أصلا ، فلا يقف أحدهم في منتصف الطريق ليقول إن هذه المجتمعات والشعوب والأمم لا تستحق التغيير ، هذا الوقوف في منتصف الطريق لإلقاء التهم وتحقير المجتمعات والشعوب والأمم ، إن دل على شيء فإنما يدل على أن الساعين نحو التغيير لم يفهموا طبيعة معركتهم من الأساس ، المجتمعات والشعوب والأمم أعداء التغيير وأعداء الساعين للتغيير، إلى أن يحدث التغيير على أرض الواقع ، سوف يقبل الناس بالتغيير ، بشرط ان يلمس الناس التغيير ويشاهدونه ويتعاملون معه ، وإلا فإن المجتمعات والشعوب والأمم التي رفضت التغيير هي التي أذاقت الأنبياء والمرسلين والمصلحين الويل على مدار آلاف السنين..
اليوم أغلبية الجنس البشري يرتدون نظارات القناعات المسبقة، سياسية أو مناطقية أو مذهبية أو عنصرية ، هذه القناعات صاغ حساباتها وأرقامها وحركتها وتكتيكاتها شياطين وأشرار البشر لضمان استمراريتهم ومصالحهم وحكمهم وسيطرتهم ، وعمموها في ذهنية المجتمعات والشعوب والأمم الغافلة كمعادلة رقمية محسوبة بالقلم والمسطرة ، حتى لا ترى هذه المجتمعات والشعوب والأمم حقها في التغيير ، وقلة قليلة جدا من الناس هم من يخلع هذه النظارات ليرى الواقع الحقيقي بنور الله وسنن الله في التغيير ، لهذا تأكد أن أخطر أنواع القراءة والتحليل من أجل التغيير هي تلك التي تقوم بها وأنت ترتدي نظارة قناعاتك المسبقة ، التي لقنك اياها عدوك أنت ، حاول قدر طاقتك أن تخلع هذه النظارة وقت القراءة والبحث حتى تجيد قراءة الشيء وبحثه كما هو ، لا كما يريد عدوك أن تراه ، أعرف أنها عملية ليست سهلة، لكن الهدف في أن تكون أنت بنفسك أداة من أدوات سنن الله في التغيير يستحق المحاولة..