في ظل غياب دور الجمعيات التعاونية في تنظيم أسواق الحبوب المحلية:
سياسات إغراق الحصاد واحتكار البذور ترهن المزارع للدَّلال وجشع التاجر
الثورة / يحيى الربيعي
التسويق هو أهم حلقات تحقيق النهوض في أي قطاع إنتاجي زراعي أو صناعي.. وحيث يعتبر التسويق هو أهم الحلقات المساهمة في النهوض بالقطاع الزراعي، فإن النجاح في الوصول إلى نهضة زراعية حقيقية يتطلب- بالضرورة- أن يكون هناك نظام تسويقي دقيق ومنظم يعمل على إدارة سليمة ومتوازنة بين حلقات سلاسل القيمة لكافة المحاصيل والمنتجات الزراعية، ذلك أن التسويق هو صانع مؤشرات الإنتاج والمنظم لحركتها، فكلما كان أداء التسويق أفضل كلما كان الإنتاج أفضل.. وكلما حققنا نتائج كبيرة في جانب الإنتاج كان الأداء أفضل نحو الاكتفاء الذاتي.
وحيث لا تزال الطريقة المعتادة في تسويق الحبوب إلى الأسواق القريبة من المزارع اليمني في الريف هي السائد والمألوف وبلا منافس، وخاصة في مناطق تهامة.. تسود أسعار بخس أيام الحصاد، وتزداد الأسعار فيما بعد.. في حصاد العام الماضي، مثلا، وصل سعر الذرة الحمراء 17 – 22 ألف ريال، والبيضاء 15 – 18 ألف ريال، والزعر 12 – 15 ألف ريال، والدخن 14 – 17 ألف ريال.. هذا بداية أيام الحصاد، وحيث يتم بيع المنتجات في أسواق (وادي مور- الزهرة- القناوص- اللحية- عبس- حجة- المعرص- زبيد المدن- الضحي- الزيدية) تفتح محلات تجار الحبوب أبوابها لتغرق بالمحاصيل المحلية خلال أيام الحصاد، وتضغط بأسلوب «التبخيس» حتى يهبط سعر الكيس من الحبوب بأنواعها عبوة 50 جرام إلى 10آلاف ريال، فأدنى.
ما أن ينتهي موسم الحصاد حتى يسارع التجار بسحب كميات الحبوب من الأسواق إلى المخازن وشاحنات التصدير إلى دول الجوار الافريقي والسعودية وبأسعار تصل إلى 300 ريال سعودي للكيس في الأدنى، وتبدأ موجة ارتفاع الأسعار في الصعود تدريجيا في ذات الأسواق إلى أن يأتي المزارع في موسم شراء البذور، فيضطر إلى شراء الكيس بـ 20 – 40ألف، ومن ذات منظومة التجار.
إجهاض السوق
إن الفجوة التي يعاني منها مزارعو الحبوب، والمتمثلة في ارتفاع أسعار البذور أوقات البذارة وانخفاضها أوقات الحصاد، هي نتيجة سيطرة منظومة الدلالين الذين يعملون في شراء المحاصيل من المزارعين وبيعها إلى التجار والمصدرين في أوقات الحصاد، سواء من أسواق معينة أو من المزارعين مباشرة، فالتجار لا يشترون سوى عبر هذه المنظومة التي يستطيعون من خلالها رسم خارطة السوق بما يتناسب وما يريدون فرضه من أسعار.. وعدد الأصابع من التجار والمصدرين هم من يتحكمون بالأسواق وأسعار الحبوب بغرض سياسة زيادة العرض، وقلة الطلب، لغرض شراء الحبوب بأسعار رخيصة.
حرمان المزارع من الاستفادة المثلى من قيمة محصوله نزولا عند رغبات بعض حلقات السوق في تحقيق الثراء على حساب حرمان حلقات الإنتاج من الاستفادة المشجعة على الاستمرارية في استدامة وزيادة القدرة الإنتاجية يساهم في عزوف الكثير من المزارعين عن زراعة الحبوب، والاتجاه نحو زراعة محاصيل أخرى تدر عليه دخلا مجزيا.
إشكالية عدم استفادة المزارع من ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية في أوقات غير الحصاد، ترجع إلى زيادة هوامش الأرباح في حلقات ما بعد الإنتاج حيث تصل الأسعار إلى الأضعاف مقارنة بأسعار الشراء من المزارع حال الحصاد.
غياب التنظيم
في دراسة تسويقية لمحصول زراعة الصحراء في محافظة الحديدة قام بها فريق الاستثمار والتسويق بمؤسسة بنيان التنموية (ماجد محمد هاشم الولي)، والتي اعتبرت التسويق مشكلة رئيسية، وهي الدراسة التي اختصرت خلفية الإشكالية في:
وجود ضعف في المنتج بسبب قلة الأدوات الزراعية الحديثة، وضعف الخبرة لدى المزارعين في كيفية التخزين الجيد، ومنافسة المنتج الخارجي في سعره الأقل، وغياب دور الجهات الرسمية المعنية بتنظيم عملية التسويق، وغياب دور الجمعيات التعاونية عن عملية التسويق، ضعف الخبرة لدى المزارعين بالتسويق، غياب وسائل الترويج للمحصول، استغلال المزارعين من قبل الدلالين والمصدرين، واحتكار التجار في تخزينه إلى فترة البذر لبيعها بأسعار مضاعفة.
لائحة تسويق
الدراسة أوضحت أن نهضة سهل تهامة مرهون بتوافر الإدارة، والتخطيط، والدعم للمزارعين، والتفكير الاستراتيجي للمستقبل. إذا وجدت هذه العوامل، فإن تهامة ستشكل سلة غذائية لليمن والوطن العربي.
وأوصت من أجل تجاوز الإشكالية بضرورة تقديم خدمات التوعية والإرشاد المجتمعي (توعية وإرشاد في العمليات الزراعية -توعية المزارعين بطرق الفرز والتعبئة والتخزين) من خلال:
– تفعيل دور الجهات الرسمية المعنية في عملية تنظيم التسويق في جميع أسواق الحبوب المحلية.
– تفعيل دور الجمعيات الموجودة وتنظيم المزارعين الذين لا ينتمون إلى جمعيات تنظمهم وتتولى التسويق للمنتج وحل مشكلة الاستغلال.
– فتح منافذ للتسويق في جميع المحافظات للتسويق عن طريق الجمعيات الزراعية في جميع المحافظات.
– تقليل الوسطاء في التسويق المحلي عبر التسويق والتنسيق مع الجمعيات ومؤسسة الخدمات والمؤسسة الاقتصادية اليمنية وأسواق الحبوب والنقل بقاطرات كبيرة لتخفيف تكاليف النقل.
– إلزام المصدرين وتجار الحبوب ببيع محاصيل الحبوب محلياً وعدم السماح لهم بتصديره إلى الخارج.
– التنسيق مع وزارة الصناعة والتجارة لإلزام أصحاب المطاحن والأفران في جميع المحافظات اليمنية بشراء الحبوب المحلية وخلطها كمركب (الطحين المركب) لما له من فوائد صحية وما تحتوي عليه من فيتامينات صحية للجسم وفوائد اقتصادية للبلد والمزارع.
– تغيير نمط الاستهلاك لدى المواطنين عبر إنتاج مواد إعلانية والتنسيق مع وزارة الإعلام لتنفيذ حملات إعلامية وإرشادية عبر الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة.
– تفعيل دور الجهات المعنية في الزراعة والري والتجارة والصناعة في النزول إلى التجار، وإصدار لائحة تثبيت أسعار الحبوب بناء على حساب كلفة الارتفاع ومصاريف النقل والتخزين وهوامش الربح المنصفة، ومنع حركة الإغراق والاحتكار التي يمارسها التجار والدلالين.
– التنسيق مع الجهات التي تستهلك الحبوب (وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، الهيئة العامة للزكاة، الهيئة العامة للأوقاف، الأمن والمخابرات….) لاستيعاب الحبوب المحلية وتخزينها لتغطية الاحتياج السنوي لإنتاج واستهلاك الطحين المركب.
– دعم المزارعين بقروض بيضاء ميسره لتسهيل زراعة الحبوب وزيادة الإنتاج عبر الجمعيات الزراعية، وتفعيل دور الجمعيات في تنظيم عملية الإنتاج والتسويق.