في كتابهما (لماذا تفشل الأمم ,أصول السلطة والازدهار والفقر )خلصت مقاربة خبيرا التنمية الدوليين اسيموجلو وروبنسون الى ان ما يحدد المصير الاقتصادي لامة من الأمم ليس الثقافات والقعائد التي يدين بها الأجداد ,ولا الجغرافيا والموارد الطبيعية ,ولا حتى جهل الحكام بالسياسات الجيدة .انها المؤسسات هي من يصنع الازدهار او الفشل ,و هي من يجعل دولا ثرية و مزدهرة وأخرى فقيرة وفاشلة .
والمؤسسات المعنية هنا هي المؤسسات الشاملة(رأسمالية السوق وليبرالية السياسة) فهذه المؤسسات هي التي جعلت الولايات المتحدة مزدهرة اقتصاديا ,و جعلت المكسيك التي لا تختلف عنها في الخصائص الجغرافية لكنها اقل ازدهارا وأكثر فقرا, وهي التي جعلت كوريا الجنوبية اكثر ثراء من الشمالية رغم اشتراكهما قبل التقسيم في ذات الخصائص جغرافيا واجتماعيا, وراسمالية السوق كانت وراء الثورة الصناعية في إنجلترا ومنها الى كل اوربا والعالم ,وهي من انتجت كل هذا الثراء الهائل والازدهار “وقوى منتجة تفوق بعددها وضخامتها ما اوجدته الأجيال السابقة كلها مجتمعة” و نقلت البشرية من العالم القديم الى العالم الحديث ومن المرحلة الزراعية الى المرحلة الصناعية, والسبب انها توفر نظاما فعالا للحوافز يقوم على تعظيم المنفعة الشخصية ( المحرك لسلوك الانسان في المذهب الرأسمالي ) وتحفز على الابداع والابتكار من خلال اتاحة حرية اختيار المهن للافراد والأنشطة الاقتصادية التي تتناسب و مهاراتهم , والاستمتاع بثمار أعمالهم وجهودهم , وتشجع على المبادرات الفردية و المشاركة الفعلية من جانب القطاع الأكبر من المواطنين ومن ثم تشكك في مذاهب التنمية الأخرى كالمذهب الاشتراكي فهو وان حقق ازدهارا وتنمية اقتصادية نظير ما حققه الاتحاد السوفيتي لكنها غير مستدامة وتصل الى طريق مسدود ولا توفر نظاما فعالا للحوافز يشجع على الابتكار اللازم للنمو الاقتصادي بسبب غياب الملكيات الفردية .
لكن رأسمالية السوق لا تكون قادرة على الاستمرار في انتاج ومراكمة الثروة والنمو الاقتصادي مالم تكن مدعومة ومعززة بليبرالية سياسية ومؤسسات ديمقراطية، فالليبرالية الاقتصادية لا تنفصل عن الليبرالية السياسية، و غياب الحريات الاقتصادية يعني غياب الحريات السياسية ,وغياب الحريات السياسية مع حرية الاقتصاد يعني افتقاد الاقتصاد الحر للفوضى الخلاقة والقدرة على البقاء والاستمرار ,ولذلك فان تبني الأنظمة السلطوية لنظام السوق الحر يضع حدا لما يمكن ان يفعله نظام السوق .
مقاربة اسيموجلو وروبنسون تأتي في سياق محاولة التيارات الليبرالية اسطرة نظام السوق كنموذج ابدي متجاوز للتاريخ وإعادة تأكيد صلاحيته كمذهب عالمي للتنمية , وما على الدول الراغبة في التنمية والثراء الا اللحاق بركب السوق ونظام التبادل الحر او كما يقول سمير امين إعادة انتاج ما تم انتاجه في الغرب الصناعي ,و رغم تبنيها التفسير المؤسسي للتاريخ لكنها لا تؤمن بوجود قانون حتمي او منطقي للتحول والانتقال الاقتصادي يمكن تعميمه على كل البلدان لإعادة انتاج الازدهار والتصنيع الغربي في البلدان الأخرى ومن ثم تشكك في عملية هندسة الازدهار والانتقال السياسي التي تتبناها بعض المؤسسات الدولية والولايات المتحدة وتفرضها على الدول النامية من خلال ما يسمى سياسات التكييف التي يتباها البنك الدولي , فلا يحدث الانتقال لمجرد تبني الليبرالية الاقتصادية او السياسية ,فعملية التحول عملية احتمالية تخضع لكثير من الظروف والسياقات المصاحبة التي قد تساعد او تعيق الانتقال السياسي والاقتصادي .
ومع ان محاولة استكشاف كيف ظهرت وتطورت المؤسسات الليبرالية في الغرب الصناعي وما اذا كان هناك منطق يحكم ظهورها وتطورها يمكن تعميمه كقانون طبيعي لكل التحولات في العالم استغرقت معظم فصول الكتاب و على اهمتها في الارشاد لطرائق التنمية الملائمة الا ان ما يهمنا في هذه المقالة هو مناقشة كفاءة رأسمالية السوق والتبادل الحر ومدى صلاحيته لكل الظروف المكانية والزمانية .
أولا :في مقابل تأكيد مقاربة المؤلفين على ان رأسمالية السوق هي المسؤولة عن ثراء وازدهار الدول الصناعية وان غيابها السبب في تخلف الدول النامية ,فان خصومها من كل التوجهات يحملونها بنفس القدر مسؤولية التفاوت واللامساواة وغياب العدالة في التوزيع بين دول الغرب الصناعي ودول الجنوب وكما كانت سببا في صناعة الازدهار للشعوب الغربية كانت مسؤولة عن تخلف وفشل وفقر شعوب أخرى , واذا كانت تعيب على الاشتراكية غياب نظام فعال للحوافز يعاب على رأسمالية السوق غياب نظام فعال للعدالة ,فهي بطبعتها تقوم على قاعدة طرف يربح طرف يخسر وليس على قاعدة الكل يربح
وكما لا تتيح لكل الافراد على الصعيد الوطني ان يكونوا اغنياء لا تتيح لكل الدول ان تكون صناعية او مزدهرة , ومع انها أدت إلى مستويات لا يمكن تصورها من الثروة والتقدم التكنولوجي في السابق، إلا أنها لم تكن قادرة على استخدامها لتلبية احتياجات الجميع, وكما انها تجعل البعض اثرياء واخرون محدودي الدخل وعاملين فإنها على المستوى الدولي ستكرس هذا التفاوت بين الأمم والدول في الازدهار والنمو وفرص دول سيكون على حساب فرص دول أخرى وستحاول الدول المزدهرة تعزيز وتطوير فرصها على حساب الدول الأضعف واعاقة أي محاولة للتقدم نحو الامام وهناك حقيقة ظاهرة وهي ان التباين بين البلدان المتطورة والمختلفة يزيد بوتيرة أسرع والدول الغنية تصير أكثر غنا والفقيرة أكثر فقرا.
ثانيا : انها بتركيزها المفرط على الربحية على أي اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أطلقت الوحش بداخل الانسان والتنافس المنفلت بين الدول القوية على استغلال الشعوب الاخرى والتسابق للاستحواذ على ثرواتها وحاجتها لأسواق واسعة لتصريف منتجاتها كانت أساس الامبريالية الغربية.– وباعتراف المؤلفين فحركة الاستعمار الأوروبي في افريقيا لم تضع التحديث في اتجاه معاكس وانما قضت على أي احتمال بالإصلاح المؤسس والأسواء انها تركت افريقيا ميراثا مؤسسيا أكثر تفككا وتعقيدا,”وتسببت الضغوط العنيفة للإمبريالية في تدمير القطاعات المنتجة الاقتصادية الزراعية والصناعية, وليس من قبيل المبالغة القول بان العولمة الاقتصادية هي الشكل الجديد للإمبريالية الغربية للحفاظ على مركزية الثروة والقوة بأيدي دول المركز الصناعي , ونظرا للضريبة الباهضة للتحديث الليبرالي يوصى عالم الاجتماع بارينجتون مور ان نكون حذرين بشان من يعدون بالفردوس نتيجة لاقتصاد السوق والنظام البرلماني .
ثالثا: الديناميكية التي تيحها حرية المنافسة للصعود والهبوط والمشاركة التي يمتاز بها الاقتصاد الحر ويفترض انها تسمح للدول المتخلفة بتغيير وضعها الاقتصادي تميل للتلاشي مع تنامي الاحتكارات العملاقة, و بالتالي تبدد أي فرصة عادلة للتنمية والتبادل المتكافئ, ذلك ان الرأسمالية الاحتكارية والتركيز البالغ لرؤوس الأموال سينقلب في النهاية على الأساس الفلسفي لنظام السوق الحر القائم على سيادة اوضاع الحرية على كل مجالات النشاط الاقتصادية حرية التملك وحرية الإنتاج وحرية حركة الأسعار ,فالاحتكارات الكبرى تهمش المنافسة وتضيق مجالاتها ,وقدراتها الفائقة في التحكم باليات العرض والطلب أتاح لها التحكم في الأسعار ,و راسمالية الشركات العابرة للقارات تحل محل راسمالية الدولة ,والملكيات الفردية تتحول لعائلات اقتصادية وراثية كالعائلات الاقطاعية ,وسياسات المؤسسات الاقتصادية العالمية التي تنظم حركة السوق والنشاط الاقتصادي تحل محل عفوية قوانين السوق التي يفترض انها تعمل ذاتيا كما تعمل قوانين الطبيعة من تلقاء نفسها وتنظم ذاتها بذاتها, فما يسمى بالاقتصاد الحر هو ففكرة خيالية لا وجود لها في الواقع وما هو موجود وقائم اقتصاد على درجة عالية التخطيط حيث وفرت ثورة المعلومات للشركات والاحتكارات العملاقة قدرة فائقة في التحكم بالأسواق العالمية .
رابعا : ان شروط التنمية تغيرت على نحو جوهري والظروف التي ساعدت التنمية في البلدان الصناعية الغربية ليس من السهل تكرارها , والفرص امام الاقتصادات المتأخرة عقيب الحرب العالمية الثانية بعد استقرار الاقتصاد الرأسمالي العالمي اصبحت اكثر صعوبة في ظل التبادل غير المكافئ والاحتكارات الرأسمالية ,وكثير من الحوافز والفرص التي كانت متاحة وساهمت في النهضة الغربية واليابانية لم تعد متاحة او لم تعد سهلة المنال في ظل تغير قواعد اللعبة الدولية والفرص التي تملكها البلدان المتقدمة هي تحديات بالنسبة للبلدان المتخلفة حتى لو كانت مؤسساتها ليبرالية والفرص التي تمنحها السوق الرأسمالية باليمن تسلبها باليسار وحرية المنافسة لها جانبان جانب الحق الذي ينص عليه القانون وجانب القدرة التي توفرها الفرص .
إنجلترا بلد القوة الصناعية كيف كان مصيرها بدون المستعمرات في استراليا و أمريكا والهند والثروات المنهوبة من افريقيا واسيا, والثروات الكبيرة التي راكمتها في القرن السادس عشر من القرصنة وتجارة الرقيق والمستعمرات الامريكية والمركز التجاري الهندي وغيرها من الثروات التي حصلت عليها بطرق غير مشروعة كانت متاحة لها عندما كانت تتحكم في قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية .
خامسا :لا يمكن ارجاع فشل نظام السوق في الدول لا يمكن إرجاع التخلف الذي تعانيه بلدان كثيرة في العالم بشكل أساسي لأسباب داخلية من قبيل تأخر في تطور القوى المنتجة، والسمات الداخلية للمجتمعات الشرقية وكما يقول بريان تيرنر شروط التطور في الأطراف الرأسمالية تغيرت جوهرياً بعد تأسيس المراكز العالمية للرأسمالية الإمبريالية ,فلا يمكن رصد تطور مجتمعات الأطراف الرأسمالية أو بمعزل عن اقترانها وتبعيتها لنمو التطور غير المتكافئ بين المراكز والأطراف
كانت مروحة خيارات الرأسمالية الغربية والثورة الصناعية في معالجة مستلزمات وتحديات التنمية والتصنيع واسعة من ناحية الفائض المالي والمدخرات المحلية التي راكمتها من التجارة الكولوينالية والسيطرة على الأسواق العالمية ونهب الفائض الاقتصادي للدول المستعمر كما صادفت نهضتها وثورتها الصناعية فراغا عالميا ساعدها في التحكم بوضع القواعد الدولية ومراكمة قدراتها وخبرتها في التحكم باليات السوق و القواعد للمؤسسات الدولية التي تدير النشاط الاقتصاد الدولي في جوانبه المالية والنقدية وتنظيم التمويل التنموي والتنافس التجاري, بينما كانت التنمية في الدول النامية امام خيارات محدودة ومحكومة بقواعد دولية سياسية واقتصادية وموازين قوى لم يكن لها أي دور في تشكيلها ,ودرجة عالية لتمركز راس المال والاحتكارات الدولية وعلاقات تبادل غير متكافئ وبشكل عام اصبح اقتصاد هذه الدول واقعا تحت التأثيرات الخارجية للاقتصاد الراسمالي .
سادسا : كل الاليات التي انتجتها الرأسمالية لتجديد نفسها لم تستطع التغلب على التناقضات النابعة من احشاء الرأسمالية المتمثلة في التقلبات السوقية و جعل الإنتاج يعمل لصالح الجميع وتناقض مصالح الرابحين والخاسرين ,وكأن الرأسمالية لا يمكن الجمع بينها وبين العدالة او الجمع بين الكفاءة والتوظيف والتوزيع العادل للدخل .
أشار مؤلف كتاب “الرأسمالية تجدد نفسها “الى ان قدرة الرأسمالية المتقدمة على مواجهة الازمات لا تعنى منع اندلاع الازمات الاقتصادية المختلفة بقدر ما تتعني ادارتها ونقل اعبائها الى البلدان النامية من خلال اليات اقتصادية محكمة واهم اليتين يعتبران مصدر اغلب مشاكل البلدان النامية هما الية التجارة الخارجية، والية المديونية الأجنبية , ومن خلال ما يسمى الاعتماد المتبادل فان الحلقة الأضعف هي التي تتحمل الأعباء.
حاولت الدول النامية الحصول على شروط عادلة للتبادل من خلال التفاوض مع الدول الرأسمالية لإدخال نظام عادل في علاقات التبادل الاقتصادية في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (انكتاد)1964 بالتركيز على التجارة المتكافئة لزيادة الموارد النامية ,واعتبار التنمية والعمالة والعلاقات المتكافئة محور إعادة بناء العلاقات الاقتصادية الدولية ولكن الولايات المتحدة والدول الصناعية كانت تتعذر باليات السوق القاهرة واستخدمت نفوذها لاجهاض تطلعات الدول النامية الى استغلال رشيد لموار الدول وتوزيع المكاسب التجارة .
ان محاولة اقناع الرأسمالي بالتنازل عن أرباحه لن تكون مجدية مالم يشعر انه معرض لخسارة أكبر. وكما يقول سمير امين الرأسمالية ليبرالية دائما عندما تستطيع ذلك أي عندما لا تردعها القوى الاجتماعية للخضوع الى متطلبات مختلفة مما يستجوب البحث عن الردع المباشر والردع الأقصى .
سابعا:الفرضية التي تصور النجاح الذي أحرزته النمور الاسيوية كشاهد على التنمية المعتمدة على السوق مغالطة كبرى والحقيقة ان التنمية في هذه الدول كانت بقيادة الدولة بصورة مباشرة والعقود الإدارية والقطاع العام او بالاستراتيجية التنموية التي توجه السوق .
المذهب الاجتماعي في التنمية (الطريق الثالث)
اذا كانت الليبرالية تضع ثقتها في السوق ,والاشتراكية تضع ثقتها في الدولة فان الطريق الثالث يحاول التوسط بينهما والجمع بين ايجابياتهما حسب ابرز دعاتها العلامة جيدنز فمن جهة لا تريد التضحية بمكاسب السوق و في ذات الوقت كيف يمكن ان نجعل الأسواق تعمل لصالح الناس من الوجهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ,وبمعنى اخر هو كيف يمكن انسنة الراسمالية؟.
عملت سياسات الطريق الثالث على إعادة بناء دولة الرفاه (الكنزية ) فالهدف من تدخل الدولة ليس تحمل المسؤولية عن حياة الناس كما كان يفعل الديمقراطيون الاشتراكيون القدامى بقدر ما هو إيقاف الناس على أقدامهم من جديد من خلال الاستثمار في راس المال البشري والنهوض بالموارد البشرية وتحسين جودتها كلما كان ذلك ممكنا وليس توفير الخدمات الاقتصادية بشكل مباشر وبمعنى اخر تبني دولة الاستثمار الاجتماعي بدلا من دولة الرفاه وفي اطار مجتمع الرفاه الذي ينبغي ان يحل محل دولة الرفاه حيث سياسات الرفاة على شبكة من روابط وجماعات القطاع الثالث (الاسرة الكنيسة الأصدقاء الجماعات غير الربحية )
وقد تفاوتت الآراء حول الطريق الثالث ففي حين يرى جيدنزي فيها محاولة لتجديد الديمقراطية الاشتراكية , لا يرى فيه اخرون الا تعبيرا عن تحول اليسار في وقت متأخر ولكن بصفة كلية نحو ليبرالية السوق ,ويعد أليكس كالينيكوس ابرز ناقدي الطريق الثالث اذ لا يرى فائدة من المعالجة السطحية للمشكلات العميقة التي تولدها الرأسمالية وان هذه الوسطية تظل بمحاولة شكلية بلا محتوى ,و يمكن القول انها استراتيجية اقتصادية -اكثر منها نظرية-لتجاوز ازمة الراسمالية -وكما جاء في رؤية كلنتون ,ال غور -استراتيجية قومية تؤمن بالمشروع الحر وسلطة قوى السوق لكن باستراتيجية تعطي الأولوية للناس والاهتمام بالطبقة الوسطى ,وعلى حدهما-سياسات جديدة ومختلفة لا ليبرالية ولا محافظة لا ديمقراطية ولاجمهورية ولا يحصد مكاسبها الأغنياء فقط,وفي كل الأحوال لم يحقق ما يسمى باليسار الجديد تقدما كبيرا لانسنة الراسمالية وبدلا من ذلك اتجه نحو القضايا الحقوقية السهلة مثل قضايا النوع الاجتماعي والمثلية والبيئة ونحوها.
المذهب الصيني في التنمية
التجربة الرائدة للصين والتي أصبحت تقدم نموذجا اقتصاديا منافسا من خلال ما يسمى نظام السوق الاشتراكي ذي الخصائص الصينية والتي بدأت مع الإصلاحات المتدرجة التي دعا لها الزعيم الصيني دينغ تشيا وينغ نهاية العشرية السابعة من القرن الماضي وذلك من خلال دولة واحدة ونظامين يجمعان بين رأسمالية الدولة و رأسمالية السوق و توازن بين دور الحكومة والسوق في توزيع الموارد ورغم الصعوبات والتحديات التي واجها نظام السوق الاشتراكي الا ان تجربة الصين تميزت بالمرونة والديناميكية واستطاعت تطوير وإدخال التعديلات والاستفادة من البيانات التي تقدمها السوق في تطوير تجربتها وعلى حد الرئيس الصيني الحالي شي جين بينع في كتابه حول الحكم والإدارة انه في اكثر من عشرين عاما عقيب المؤتمر الوطني الرابع عشر للجزب ضللت الصين تبحث عن تحديد علمي وجديد للعلاقة بين الحكومة والسوق على أساس تطور الممارسة وتعمق الفهم -وعلى حده -فان دور السوق كان يتطور باستمرار تطورا تدريجيا من لعب درو أساسي في توزيع الموارد الى لعب أدوار اكبر .
مقاربة الخبيرين كما سبق تشكك على نحو حاسم في التنمية الصينية وتحاول اغفال حقيقه بادية للعيان وهي ان الصين لو قبلت الدخول غير المخطط في اقتصاد السوق لكان مصيرها كمصير روسيا عقيب تففك الاتحاد السوفيتي وتحولها لسوق للسلع الغربية ولما استطاعت شركاتها الناشئة ان تنافس الشركات الغربية في عقر دارها ولما أتاح لمزود الاتصال الصيني هواوي الفوز بمناقصة انشاء شبكة الاتصالات اللاسلكية من الجيل الرابع في السويد حيث يوجد مقر اريسكون اكبر شركة رائدة للاتصالات في السويد كما يقول مؤلف كتاب الزلازال الصيني.
الخلاصة
لا تستطيع الدول العربية والنامية تجاوز مازق التنمية الا بتجاوز الاستلاب الاقتصادوي على حد فكرة سمير امين ومغاردة مقاربات التنمية التي تندرج تحت عنوان اللحاق بالركب ,صحيح ان الغرب هو الذي شكل العالم الحديث ولديه تجارب تاريخية راسخة ونموذج حاضر بفرض نفسه على كل أنماط التفكير العالمي لكن كما سبق لا يوجد منطق كلي واحد يحكم كل التحولات الاجتماعية والاقتصادية (والمشكلة مع الغرب انه لا يريد ان تكون تجاربه مصدر الهام للشعوب النامية بل يريد فرض مذهبه في التنمية باعتباره قانون كلي كوني يتجاوز سياقاته الزمانية و المكانية ومحاولة تعمميها بطرق غير شرعية على كل العالم)وكل عملية تحول هي عملية تاريخية مميزة او فردية وكما راينا مع الطريق الثالث ليس اكثر من استراتيجية لتجاوز ازمة الرأسمالية الغربية لا علاقة لها بأزمة التنمية في لدول المتخلفة ,والخيار هو باستلهام نموذج اقتصادي يلائم ظروفها والاستفادة من تجارب الاخرين (سيما الصين ودول شرق اسيا الاقرب الى ظروفنا )بقدر ما تمليه وليس شروط المانحين او المؤسسات الاقتصادية الدولية ,وفي كل الأحوال فان وجود سلطة مركزية مستقرة ومؤسسات قانونية قادرة على حماية الحقوق والملكيات شروط بديهية للتنمية ,وثانيا ان ظروف الدول النامية لا تسمح بان تعهد للسوق وحدة إدارة الاقتصاد والحياة الاجتماعية و الاستغناء عن دور الدولة في التخطيط وتوجيه السوق قبل ان تستكمل شروط التنمية وتوحيد سوقها القومية وإعادة تأهيلها حتى تكون جاهزة للمنافسة والمفاوضة الفعالة مع المؤسسات الدولية وتأهيل الرأسمالية الوطنية حتى تكون قادرة على تحمل اعبائها في تطوير الاقتصاد الوطني حتى لا تكون مجرد وكيل محلي للاحتكارات العالمية ,وعلى مؤلف كتاب “التنمية في عالم متغير”أسواق الدول النامية غير مؤهلة ومجزئة والرأسمالية المحلية تفتقر الى تصور تنموي شامل وتتحاشي المخاطرة وتميل للربح السريع وتفضل ان تسير في ركاب الرأسمالية العالمية وكثيرا ما تقنع بالعمل وكيلا لها ويتمركز نشاطها على المضاربات المالية العقارية والاستيراد واهتمامها بالإنتاج والصناعات ينحصر في التجميع والتركيب.