مفاوضات إنهاء العدوان والحصار على السكة الصحيحة بعد ثمانية أعوام من المكابرة
تحالف العدوان أمام امتحان الجدية والمصداقية
مسؤول حكومي : صنعاء ليست في وارد الانتظار وهي استعدّت للمواجهة متى حنث الطرف الآخر بالاتفاقات
ما تبقى من دور وضيع لحكومة المرتزقة في عدن يتمثل بمحاولة سرقة إنجازات حكومة صنعاء وتقدّيم الحرب الاقتصادية
الثورة / إبراهيم الوادعي
تكتسب المفاوضات الأخيرة بين صنعاء وتحالف العدوان السعودي الأمريكي طابع الجدية ، كون قطار عملية التفاوض سار على السكة الصحيحة للمرة الأولى منذ جنيف واحد، وما تبعه من عمليات تفاوض في جنيف والكويت وإستكهولم وهذا أولاً ، والأمر الآخر هو تسليم قوى التحالف المعادي لليمن بحقوق الشعب اليمني تحت ضغط القوة والصمود اللذان أبداهما الشعب اليمني وقيادته الثابتة على الحقوق .
المؤشرات الإيجابية وفق التسريبات المتعددة – لم يظهر حتى الآن إعلان رسمي عن نتائج المفاوضات الأخيرة في صنعاء – كونها جرت بين «الأصلاء» أطراف الحرب صنعاء الرياض وغيبت تماماً حكومة المرتزقة التي لاتزال حاضرة ورأس حربه في الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني .
خلال عملية التفاوض السابقة، لعبت حكومة المرتزقة دور الدمى في مسرح العرائس ، تفاوض ثم تتوقف متى طلب منها المشغل ذلك ، أو تتنصل عما جرى الاتفاق عليه- كما حدث في اتفاق السويد- وتنصلها عن فتح طريق كيلو 16 من جانبها ، وفي كل عمليات وحتى جلسات التفاوض لا تملك من أمرها شيئاً ، وليس ادل على ذلك تخليهم عن أسراهم بموجب طلب سعودي جعل العام 2022م أقل الأعوام بشأن صفقات تبادل الأسرى المحلية .
بعد ثمانية أعوام يبدو أن الدور السياسي لحكومة المرتزقة قد انتهى عملياً وباتت عبئا على مشغليها ، خلال المفاوضات الأخيرة استقت حكومة المرتزقة أخبار المفاوضات، كما باقي المتابعين، مع فارق القلق الشديد الذي اعترى أركانها ، كون السلام يعني فقدانهم مكانتهم وأدوارهم التي اعتاد لعبها لصالح الغازي الخارجي ، وكذا النقمة الشعبية التي من المؤكد أنها ستواجههم.
وبحسب المعلومات المتوافرة فإن وضع حكومة المرتزقة كان محط نقاش مع صنعاء ، التي لم تعط الطرف السعودي إجابة شافية حول وضع عملائها، وأن ذلك يقرره اليمنيون لوحدهم ، وبدا واضحاً أن الرياض باتت تعتبر حكومة المرتزقة عبئا تحاول التخفف منه .
على مدى 8 أشهر من الهدنة والتهدئة غير المعلنة، سعت الرياض جاهدة للملمة صفوف المرتزقة في كيان ما سمي مجلس القيادة الرئاسي ، ضم كل أمراء الحرب على اختلافهم السياسي والعقائدي ، لكن الخلافات والمصالح المتضاربة فيما بينهم وتعدد الولاءات والتمويلات كانت أكبر من أن يحتويها ذلك المجلس ، فسرعان ما انفجرت وتبخرت بالمقابل أحلام الرياض وأبوظبي في فتح جبهة عريضة تشاغل منها صنعاء وتمنعها عن إضافة المزيد من المكاسب في مارب ، وباستثناء سيطرة المرتزقة على بيحان وعسيلان شبوة وحريب مارب ، فلا إنجاز آخر يذكر حققه مكوّن المرتزقة الجديد خلفاً للعميل هادي، الذي أقيل بشكل مذل وغابت أخباره ، وبحسب معلومات فإن المرتزقة وعقب إقالة هادي بادروا إلى إلغاء إسم شقيقه من صفقة الأسرى التي كانت مقترحة .
بحسب متابعين، فإن ما تبقى لحكومة المرتزقة من دور على صعيد المواجهة القائمة مع تحالف العدوان هو تقدم جبهة الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني ، آخر هذه قرارات حكومة المرتزقة رفع سعر الدولار الجمركي 50 % ، ليصل حجم الارتفاع الكلي للدولار الجمركي خلال بضعة أشهر 200 % ما يهدد بارتفاع أسعار السلع مرة أخرى وبشكل جنوني عن الحال الذي كانت عليه مطلع العام 2022م ، ويعمق بشكل كبير معاناة الشعب اليمني في المناطق الحرة والمحتلة على السواء .
يضاف إلى هذا القرار صفقة ميناء قشن وبيعه للإمارات لمدة خمسين عاما قادمة ، وبيع القاعات النفطية ، ومعلومات عن منح شركات أمريكية امتيازات نفطية لمدة خمسين عاما قادمة ، عوضاً عن شرعنه تواجد القوات الأجنبية الأمريكية والبريطانية في حضرموت وعدن والمهرة وتواجد القوات الفرنسية في شبوة وحضرموت.
وما سبق مؤشراً على أنه بالتزامن مع المفاوضات السياسية مع صنعاء يعمد تحالف العدوان إلى محاولة سرقة الانجازات التي حققتها صنعاء في ملف الرواتب عبر تدمير الاقتصاد اليمني أكثر فأكثر ، وهذا التصعيد الاقتصادي حذّرت منه صنعاء ولا يبدو أن الأجواء الإيجابية للمفاوضات المباشرة قد تثنيها عن مواجهة ألاعيب اعتاد الأمريكيون والسعوديون لعبها لسرقة انتصارات خصومهم .
حتى اللحظة تبقى نتائج المفاوضات الأخيرة في إطار التفاؤل حتى خروج تصريح رسمي من صنعاء التي تعول على الأفعال وليس الأقوال ، ووفقا للظروف الميدانية في الداخل اليمني والدولية فالرياض لا تملك الكثير من الأوراق وهي أتت إلى الاتفاق مع صنعاء بعكس رغبتها ونتيجة لتلك المعطيات ، كان قرار صنعاء استعمال القوة لمنع تصدير النفط اليمني هو ما عجّل بنقل قطار التفاوض إلى سكتة الصحيحة ، والتفويض الشعبي بالعودة للقتال في مسيرة الحصار حرب ، هو ما أتى بالتحالف إلى صنعاء ليفاوض .
ينقل مسؤول في الحكومة أن الرياض تلقت تحذيراً من صنعاء أنها ستضرب موانىء السعودية إن عادت الأخيرة إلى منع سفن الوقود عن الوصول إلى ميناء الحديدة ، وأن التفاوض لا يمكن أن يمضي إلى ما لا نهاية ، وهو ما قد يكون أحد الأسباب الإضافية إلى جانب التفويض الشعبي وانهيار صفوف حلفائها ، وراء نزولها عند شروط صنعاء بالتفاوض المباشر وتقديم عروض جدية تلبي مطالب صنعاء الإنسانية بالأساس كمقدمة لوقف العدوان والحصار بشكل شامل ومدخل للعملية السياسية لبناء السلام .
جرّ صنعاء تحالف العدوان إلى مربع التفاوض الإنساني- إن صح التعبير- هو انتصار مرحلي لصنعاء على طريق وقف العدوان ورفع الحصار كلياً، وإثبات لمصداقيتها أمام شعبها ، بأن قضاياه الإنسانية والتخفيف من معاناته هي أولويتها على ما عداها من الملفات السياسية وحتى الاعتراف الدولي، الذي بات ينهمر على صنعاء سراً ، خوفاً من السطوة الأمريكية والسعودية .
وفقاً لوزير الخارجية في صنعاء فإن عدداً من الدول تواصلت بصنعاء وأبدت عزمها إعادة فتح سفاراتها وقنصلياتها بمجرد أن يسمح الوضع بذلك .
الكرة الآن في ملعب الرياض وهي المعنية الأولى عبر الالتزام سريعاً بما اتفق عليه في ملفات مطار صنعاء وميناء الحديدة والرواتب وهي القضايا الأساسية محل التفاوض الأخير، في إيصال الوضع في المنطقة إلى مرحلة الاستقرار ، ومن شأن المماطلة في التنفيذ أو وضع العصي في الدواليب وكما يقال «الشياطين تظهر في التفاصيل»، أن يدفع بالوضع ليس في اليمن والسعودية والإمارات التي تضامن معها بايدن بالأمس في ذكرى عملية الاعتصار التي ضربتها وطالت القاعدة الأمريكية في الظفرة ، أن يدفع بالوضع إلى مواجهة جديدة تتمناها صنعاء ولا تخشاها وقد لا يسبقها إنذار.