من حكاية شرعية: الوحدة أو الموت

يكتبها اليوم / عبدالعزيز البغدادي

 

 

لو أن لدى بعض من يمارسون أي نسبة من السلطة أو التسلط على أي جزء من أجزاء هذا الوطن المكلوم المبتلى بظلمهم أياً كانت شرعيتهم المزعومة وبكل أسباب البلاء والتشظي ، لو أن لدى هؤلاء بعض قلب وبعض عقل لأدركوا أن البحث عن الخروج من حالة الانقسام التي يعيشها اليمن هي الطريق الأوحد الذي يمكن أن تعطيهم بعض الشرعية اللائقة ولو مؤقتاً وأن هذا الطريق أولوية لا تسبقها أية أولوية ولا يعادلها مشروع قانون أو مدونة أو تصور أو فكرة ولا بناء دولة لأن للدولة أركان أكثرها أهمية وثباتاً هو الإنسان والأرض أما السلطة فهي الركن المتحرك تبعاً لإرادة الشعب ولما تحققه له من خدمات ملموسة تعبر عنها الأفعال لا الأقوال ، ولا خيار أمام جميع الممسكين بزمام السلطة سوى البحث أولاً عن كيفية إنهاء هذا الانقسام البذيء وإخراج هذا البلد العزيز من حالة التشظي المؤلم والمخزي، وهذا يتطلب أولا الصدق والدقة في تشخيص الأسباب، وفي مقدمتها الأخطاء والخطايا السياسية التي صاحبت محطات الحلم ببناء دولة يمنية حديثة وبالذات منذ نشوء وحدته السياسية في1990 المغدورة بالخداع والتضليل الذي أديرت به السياسة المنسوبة لليمن حيث تم التلكؤ منذ اللحظة الأولى عن تنفيذ اتفاق الوحدة أي جوهرها ليبقى مظهرها وهو الاحتفال السنوي، ثم وثيقة العهد والاتفاق التي سرعان ما أطيح بها بحرب 1994 القذرة لتكون رصاصة الرحمة أو العذاب على رأس وحدة أعلن عنها ولم تتحقق، وما تلا ذلك من ممارسات السلطة الفردية الملطخة أياديها بالدماء منذ وجدت، وما ارتكبته من إساءة بالغة وجرائم بحق أبناء الجنوب بهدف استبدال ولههم بالوحدة وهم روادها إلى تذمر وبغض، وكان من الواضح أن النظام يعمل بجد سواء من خلال ممارساته في الجنوب أو في الشمال وفي صعدة تحديداً بجد واجتهاد لإضعاف اليمن وخدمة الجار المتربص به المتوثب دائما لابتلاع ما استطاع من أراضيه حيث أصبح المستفيد الأساس أو الأوحد من الوحدة فقد اختار الزمان والمكان المناسبين لإلزام النظام في صنعاء على التوقيع على اتفاقية جدة الأكثر بؤساً من معاهدة الطائف بعد القضاء من خلال الحروب الداخلية القذرة على أهم عناصر القوة في الجيش اليمني في الشمال والجنوب وهز عقيدته القتالية لتبدو اتفاقية جدة من خلال احتفاء النظام البائس وكأنها لمصلحة اليمن، مع أن ما نهبته السعودية بموجبها أكثر من نصف اليمن الطبيعية، واستمر النظام في خلق بؤر الانقسام في الساحة اليمنية التي يفترض أنه المسؤول الأول المطالَب بالعمل على تتبع المشكلات وأسباب النزاعات للقضاء عليها بحكمة وتبصر، وليس بالعنف الأهوج المدعوم من جار السوء، وعلى سبيل المثال كانت محافظة صعدة بحاجة إلى مشاريع تنموية وتوعية وطنية تستأصل أسباب وعوامل الجهل لا إلى تغذية أسباب المذهبية والنعرات الطائفية وإشعال الحروب الدامية التي تثير الضغائن والأحقاد.
ومن الغريب أن من أدار الانقسامات وما زال يديرها ويستثمرها بإشعال الحروب هو نفسه من يتبنى صراحة أو بالمناورة والتضليل شعار : (الوحدة أو الموت ) في بلد يقتات بالشعارات ولم يصنع شيئا من أجل الإنسان والحياة سوى الاحتفال بالمناسبات المفرغة من المحتوى أو ذات المحتوى المريض الذي يزرع البغضاء والتفرقة والفتن، فما إن يخرج من احتفال بمناسبة حتى يدخل في أخرى، وهذه الأجواء الاحتفالية تستهلك كل الوقت والطاقة تقريباً لتصبح بديلا عن العمل، وتثير الحزن ومزيدا من الانقسامات وعدم الانسجام بين أبناء الشعب الواحد، ويبقى مشغولا بدوامة الحروب الداخلية الناتجة عن هذه الانقسامات، ويصبح حلم الوحدة بعيد المنال لأن من يعملون على تكريس واقع الانقسامات هم أنفسهم من يرفعون شعارات : (الوحدة ) وهم أكثر الأطراف ممارسة لسلوك الانفصال سواءً من خلال تكريس المذهبية أو المناطقية أو القبلية ومعاداتهم لكل المنادين بالوحدة الوطنية الحقيقية القائمة على احترام مبدأ سيادة القانون والمواطنة المتساوية، والدول التي تنتهج هذه السياسات دول يفترض أنها تحررت من الاستعمار المباشر، وتحتفل سنوياً صدقا أو نفاقاً بانسحاب آخر جندي من جنود الاحتلال، فإذا كانت شعوب هذه البلدان تعاني كل هذه المعاناة من جراء الاستبداد والظلم وانعدام الأمن والعدالة وانتهاك الحقوق والحريات والانقسام الذي يوجب جدية البحث عن كيفية إنهائه، فعن أي استقلال وأي حرية واستقلال تتحدث؟!.
وطني يقرأ المعجزات * ويسألني عقله المستتر
إلى أين تمضي مواكبها * وهل في البلاد لها مستقر

قد يعجبك ايضا