صورة المرأة الأوروبية في الثقافة الغربية.. كائن الدنس والهوان

فلاسفة وعلماء الغرب: المرأة خادمة للرجل وخلقت من نفس الرجال الشريرة ومن غير العقلاء

 

 

سلطة الأزواج
على زوجاتهم نظام طبيعي لأن قانون الطبيعة يلزم المرأة بذلك
لا بد من استبعاد
المرأة من أفق التربية لأن المجتمع في حاجة إلى الرجل فقط.

كثيراً ما يذهب في ظن البعض أن المرأة في أوروبا قد حققت حريتها، ونحتت كيانها منذ بدء النهضة الأوروبية، وأن ما وصلت إليه اليوم من التحرر والمساواة كان أمرا طبيعيا ناجما عن خصائص بنائية في الثقافة الغربية نفسها.
قد يكون من نافل القول التذكير بالمنزلة الدونية التي عرفتها المرأة خلال الفترات المتعاقبة للتاريخ البشري، بسبب هيمنة الفكر الذكوري .
و للتعرف على صورة المرأة وطبيعة منزلتها من جهة والعوامل التي كانت فاعلة في تغيير هذه المنزلة أو الإبقاء عليها في ذينك الفضاءين الحضاريين ..نتابع:

الثورة / متابعات

فإذا كان كل واحد منا “هو ابن عصره وربيب زمانه” وكانت الفلسفة بالنتيجة “هي عصرها ملخصا في الفكر” فإننا نفهم كيف أن المجتمع الأوروبي كان لزمن طويل يعبِّر عن ازدرائه للمرأة بما ورثه من تاريخ المجتمع الأثيني وما حفظه من عادات تعمّق دونية المرأة، فأكبر فلاسفة اليونان أفلاطون  وآرسطو رسّخا في الفكر الغربي عموما ولقرون من الأزمان أن المرأة كائن الدنس والهوان، فقد ذهب أفلاطون إلى “أن جنس الأنثى خلق من أنفس الرجال الشريرة، من أنفس غير العقلاء” ولذلك لا بد من استبعاد النساء من أفق التربية، لأن المجتمع في حاجة إلى الرجل بما هو عنوان القوة والشجاعة والحكمة، ولا مكان لرجل يضارع المرأة أو يتشبه بها، وكثيرا ما يقرن أفلاطون حديثه عن المرأة بالحديث عن العبيد والأطفال والحمقى والمجانين، وحتى بالحديث عن البهائم والعجماوات، فإذا اتفق أن تحدّث أفلاطون عن المساواة، فليس يعنيه من ذلك إلا أن تصبح المرأة مسترجلة فتتخلّى بمحض إرادتها عن أنوثتها، لأن الشجاعة التي يطلبها أفلاطون في الإنسان لا تعني في الفكر اليوناني غير معنى الرجولة، ذلك أن مفهوم الإنسان الذي يستخدمه تلميذ سقراط وكذلك المعلم الأول لا ينطبق إلا على الرجل الأثيني الحر.
نظرة دونية
أما آرسطو، فقد اجتهد في أن يشرّع للمنزلة المتواضعة للمرأة في مجتمع أثينا عبر التنظير الفلسفي الذي عماده الميتافيزيقا وحجته البيولوجيا وعيانه الأخلاق والسياس، فالمرأة في زعم آرسطو “تعرّف بوظيفتها الإنجابية وواجباتها داخل المنزل، وفي مقابل ذلك، فإن “أفراد البشر من الرجال الذين يحكمون غيرهم هم وحدهم الذين يحتاجون إلى حيازة العقل التام، وعلى حين أن الحكمة العملية ضرورية للحكام، فإن الظن الصائب أو الرأي السديد هو ما تحتاج إليه النساء والعبيد وغيرهم من أفراد البشر الذين كتب عليهم ألا يحكموا أبدا، وإنما أن يكونوا محكومين على الدوام”.
إن قوة فلسفة آرسطو إنما تكمن في قدرتها على تقنين الواقع والتشريع له وفي تسربها الساحر إلى خلايا الثقافة الغربية بما في ذلك الموقف الديني، حتى لم يسلم من تأثيرها المفكرون واللاهوتيون المسيحيون مثل كلمنت السكندر والقديس وتوما الإكويني وأعلام كثر من فلاسفة الأنوار، بل نكاد نقول إنّ أقصى اجتهاداتهم كانت محاولة الفكاك من هذه الفلسفة، فغير بعيد عن هذا المنظور يذهب جون جاك إلى أن المرأة يجب أن تكون في خدمة الزوج داخل جدران مغلقة.
وسيلة للمنفعة
أما في تصور روسو أن يكون الرجال “أقوى من النساء وهن يعتمدن عليهم في قوتهن، فتلك ببساطة حقائق الحياة التي ينبغي أن تتعلمها النساء”، بل إن روسو يؤمن بأن “سلطة الأزواج على زوجاتهم، إنما هو نظام طبيعي، وذلك لأن قانون الطبيعة يلزم المرأة أن تطيع الرجل وأية قوة تستخدمها المرأة ببراعة داخل الأسرة لا بد لها من اكتسابها من مناورتها البارعة مع زوجها وأن تستغل وضعها كوسيط لمنفعته ومسراته”.
وفي كتاب “التربية الإناث بشكل مقابل تماما لطريقة تربية الذكور، وهذا يبيِّن أن دعوته للمساواة لم تكن غير نداء للمساواة بين الذكور، وحتى حين يمنح روسو المرأة حق الاقتراع في مجال السياسة، فإنه يمنحها ذلك بمقتضى المنزلة التي يمكن أن تتمتع بها انطلاقا من سلطة الرجل ووساطته.
على أن بعض آيات الإنصاف اكتسبتها المرأة مع الفيلسوف الإنجليزي جون الذي دعا صراحة إلى المساواة بين الرجل والمرأة انطلاقا من فلسفته الليبرالية، فقد رفض تبعية المرأة السياسية والقانونية، لأنه اعتبر تبعيتها انتهاكا للحرية وطعنا في العدالة ومبادئ العصر الحديث، ومع ذلك، فحتى جون ستيوات ميل لم يقبل أن يضع منزلة المرأة داخل الأسرة موضع نقاش، ورفضه أن يطرح للنقاش طبيعة “الأسرة التقليدية وما تتطلّبه من النساء، يضع حدّا لليبراليته في الدفاع عن قضية المرأة”.
لقد كان أعلام النهضة الأوروبية بين وضعيتين، إمّا التشبث بصورة المرأة كما ورثوها عن تراثهم الفلسفي والديني، أو محاولة إضفاء مرونة على حزازة تلك الصورة بالتفكير في حقوقها وحريتها، ورغم كل ذلك لم يبرح الفكر الأوروبي يستعيد  بدرجات مختلفة  الصورة العامة التي أشربتها التقاليد الدينية والفلسفية القديمة العقل العام، حتّى أنّ “ألفرد نورث وايتهد قال ذات مرة: السمة العامة الأكثر أمنا للتراث الفلسفي الأوروبي هي أنه عبارة عن سلسلة من آرسطو.
إن المرأة في التعاليم التوراتية رمز الدنس والشر، وكذلك ظلت صورتها في الفكر المسيحي، لأنها علة الخطيئة وموضع العار.
الرجل أساساً
إن أوروبا – في حدود رؤيتها الفلسفية للإنسان- رغم شروعها في تأسيس منظومتها السياسية والقانونية الجديدة للفرد (الرجل أساسا)، فإنها لم تتخلص إلى عهد غير بعيد من نظرتها السلبية للمرأة، من ذلك أن فرويد  لمّا طرح سؤاله الشهير” ما الذي تريده المرأة؟ على عدد من علماء النفس من ذوي المكانة وكذلك من علماء التحليل النفسي، لم يترددوا في تقديم الإجابة التي تدعم الفكرة القديمة والتي تقول إن المرأة ومطالبها واحتياجاتها تحددها خصائصها الجنسية .
لكن المسار العام الذي اتخذته أوروبا سمح لها رغم ذلك، بأن تعيش النزعة الإنسانية الأولى منذ القرن الخامس عشر، وأن تعرف عصر الأنوار وصولا إلى عالم الحداثة وما بعد الحداثة، وهذا المسار  يختلف في بعض أعماقه عن مسار التحولات التي عرفها العالم العربي والإسلامي من جهة الرؤية الفلسفية للعالم ومجموع التصورات الكبرى التي يحتفظ بها الإنسان عن الحياة والموت، وهي التي توجّه في رأينا الاختيارات الحضارية الكبرى لأمة من الأمم، فتدخله إلى مرحلة جديدة من مراحل الوجود البشري أو تنيخ بكلكلها عليه ليستمر مشدودا إلى عوالم الماضي بفكره وتصوّراته للأشياء ورؤيته لذاته وممكناته، حتى إن استبدل الوسائل التقليدية للحياة بوسائل عصرية ومتطورة والحقيقة أن المرأة في الدول الأوروبية لا تجد في الواقع سوى  القوامة الذكورية واتهامات بالدونية والنقص.

قد يعجبك ايضا