إنما بغيُ العدوانِ على نَفْسِه!

افتتاحــــــــــــــــية الثورة


في هذه الظروف القاسية والصعبة التي يعيشها الشعب اليمني بعد ثمانية أعوام من العدوان الأجنبي الذي تشنه أمريكا والسعودية وحلفاؤهما على اليمن، لم يعد مقبولا ولا معقولا أن يبقى اليمنيون رهائن للحصار والجوع والمعاناة والمراوحة في دائرة الذهاب والإياب، ولا أن يسددوا الأثمان من حياتهم جوعاً وموتاً لحالة المراوغات السياسية والتقافز والمفاوضات المفرغة التي لا توقف نزيف الحياة، ولا تؤدي عاجلاً إلى إطلاق رواتب الموظفين ورفع الحصار البحري والجوي والبري بشكل شامل ودون انتقاص.
لا يطالب الشعب اليمني بتنازلات صعبة لا من الأمريكيين ولا من السعوديين ولا من غيرهم، ما يطرحه قادة الشعب اليمني وممثلوه في المفاوضات هو الحد الأدنى من الحقوق الأساسية المكفولة بشرائع وقوانين وقيم السماء والأرض لكافة شعوب الأرض.
ليس من المقبول أن تبقى وصول شحنات الأدوية والأغذية والوقود وغيرها من الاحتياجات الضرورية رهن مزاجات قادة العدوان والحرب الإجرامية على اليمن، ولا أن تبقى أسفار اليمنيين عبر المطارات محاطة بالشروط والفروض ومقيدة برحلة أسبوعية أو رحلتين أو حتى ثلاث إلى مطار واحد، والحال كذلك بخصوص المرتبات المنهوبة والمقطوعة التي هي حق مستحق لكافة الموظفين في الجمهورية اليمنية ليست من مال أحد بل من ثرواتنا وحقوقنا وغازنا ونفطنا لا من جيوب الغزاة والبغاة ولا من هبات وتبرعات الآخرين!
لم تكن الحرب العدوانية الغاشمة التي استهدفت البشر والحياة وسبل المعائش والبقاء طيلة ثمانية أعوام بقيادة أمريكا والسعودية وبالتحالف مع أنظمة أخرى مبررة ومشروعة، فلا قتل الأطفال والنساء والشيوخ والكبار والصغار، ولا المذابح التي لاحقت اليمنيين بالجملة والمفرَّق في الأسواق وفي المدن والأحياء والبيوت وفي الأعراس والعزاء وفي الطرق وفي المدارس وحتى في مخيمات النزوح وفي مراكز المكفوفين مبررة بدعوى إعادة الشرعية الزائفة!
ولم تكن الحرب التي تحالفت فيها السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا ودول غربية أخرى وشاركت فيها إسرائيل بأدوار مختلفة، وتواطؤ بعض العرب، والتي دمرت البيوت على الساكنين، وكنست المدن المأهولة بالسكان وهجَّرتهم بآلاف الغارات والصواريخ البحرية والجوية والبرية، ولا الحرب التي قصفت المياه والكهرباء والجسور والطرق والمقرات والمصانع والأسواق والصالات واسطبلات الخيول والمزارع وحظائر المواشي والدواجن ومخازن الأغذية ومحطات الوقود ومضخات الشرب والمستشفيات وما لا يمكن حصره من الدمار والفظائع، بدعوى القضاء على تدخلات إيرانية، وحفاظاً على الأمن القومي للعرب، مشروعة بهذه الادعاءات الباطلة والسخيفة والمضللة والوقحة!
ولا كانت حرب التجويع والإماتة الشاملة التي انتهجها العدوان بمحاصرة الموانئ والمطارات وتجويع الملايين من البشر أطفالاً وكباراً بتدمير سبل الحياة والمعائش ومنع وصول الأغذية والأدوية والوقود والضروريات ولا كانت نهب الثروات النفطية والغازية والبحرية، وقطع الرواتب من خلال نقل البنك المركزي ونهب أرصدته من النقد الأجنبي وطباعة العملات النقدية لتقويض قيمتها، أفعالاً من أفعال الخير والصدقات والتقوى، ولا هي كذلك إجراءات وقائية هدفها منع وصول الأسلحة كما قيل، بل كانت وما زالت حرباً وحشية قروأوسطية موصوفة دولياً بجرائم الإبادة الجماعية والشاملة يحاكم مرتكبوها ويُجَرُّون إلى المحاكم الدولية، وهي موصوفة في الشرائع السماوية بالقتل للناس جميعاً وعقوبتها عظيمة.
هذه الحرب الوحشية التي استهدفت كل اليمنيين كان الهدف من ورائها إحداث إبادة جماعية للملايين من اليمنيين حين فُرض عليهم الموتُ إما بالقصف أو بالحصار أو بالجوع أو بالأمراض.
كما لم يكن هدف هذه الحرب العدوانية تحرير اليمن من محتلين أو غزاة أجانب، بل كان هدفها احتلال اليمن ومدنها وبحارها ومياهها وجوها وبرها ونهب ثرواتها والشواهد القائمة في المهرة وسقطرى والبحر الأحمر وحضرموت وعدن تؤكد ذلك لمن له رأي أو ألقى السمع وهو شهيد.
هذه حرب عدوانية بغيضة تحالف فيها الأمريكي والصهيوني والسعودي والإماراتي وحُشد لها المرتزقة والمأجورون من كل أصقاع العالم، لم تكن عربية ولا فارسية، بل أمريكية صهيونية – هدفها سحق الشعب اليمني وإخضاعه وإركاعه واحتلال أرضه ونهب ثرواته، حرب هدفها إذلال ثلاثين مليون إنسان ودوس كرامتهم وسحق حياتهم.. هذه الحقائق أكدتها الوقائع والشواهد التي شاهدها العالم أجمع في ثمانية أعوام مضت.
هذه الحرب التحالفية البغيضة التي أُطلقت من واشنطن في 26 مارس 2015 وأخبر بها عادل الجبير بلغات أجنبية ومن العاصمة الأمريكية، قد أحدثت لكافة اليمنيين مآسي ومآتم كبيرة وفظيعة، وقد ألحقت بهم أضراراً وجروحاً غائرة وعميقة لا تندمل، ولا بد أن يدفع المجرمون الثمن كاملاً ودون انتقاص، والعدالة أمر الله وحكمه في الناس جميعاً.
ثمانية أعوام قُتل فيها الناس بالغارات والصواريخ، دُمرت البيوت والمدن والمصالح والحياة، حوصر الملايين وجاعوا ومات الألوف تحت الحصار الوحشي، مات الأطفال في أحضان الأمهات، وماتت الأجنة في بطونها جراء الذخائر المحرَّمة والظروف القاسية، انعدم الدواء لمريض الكلى والقلب والكبد والملاريا والكوليرا فمات الألوف في بوابات المشافي، انعدم الوقود وتضاعفت المعاناة وتفاقمت وصعب البقاء على قيد الحياة على الناس جميعاً، انعدمت الأغذية وجاع الملايين بسبب ذلك، انقطعت رواتب الموظفين وحُرمت الأسر من مصادر الدخل والمعيشة.. ولم يعد مقبولاً أن يستمر كل هذا!
ما حدث ويحدث هو انتهاك جسيم لحق الحياة والعدالة وخرق خطير للتعايش والأمن، إن كانوا يبحثون عن أمن وسلام، ومن يسعى لتأمين نفسه في الجوار أو في البحار عليه أن يوقف الحرب ويرفع الحصار ويسحب الجيوش فورا، أما حالة المراوحة والهروب فلن يدفع ثمنها اليمنيون الذين دفعوا الثمن فيما سبق باهظا، بل على المعتدين ومن يتواطأ معهم أن يستعدوا لدفع الأثمان وتسديدها للشعب اليمني وبالمضاعف بعون الله.
يجب على تحالف العدوان رفع الحصار وصرف المرتبات وسحب الجيوش ووقف العدوان دون أي تلكؤ وبلا شروط واشتراطات، فلا مبرر ولا مشروعية لحربه وعدوانه وحصاره ونهبه وتعديه، ولا حق له في فرض ما ليس بحق على اليمنيين، هذه مسألة حياة وموت بالنسبة لليمنيين وسيحاربون لتحقيق ذلك حتى تقوم الساعة.
يعلم اليمنيون عواقب الحرب، لكنهم يعرفون بأنها لن تكون أقسى من عواقب الاستسلام لحالة «اللاحياة واللاموت بكرامة»، لقد حان الوقت الآن أكثر من أي وقت مضى أن تتوقف الحرب ويُرفع الحصار وتُدفع الرواتب وتسحب الجيوش المحتلة، فموازين القوة ومعادلات الحرب لم تعد في صالح العدوان أبداً.. ومن ركب البغي فلينتظر عاقبته الأكيدة، والقول الأخير إلى تحالف العدوان «إنما بغيُكم على أنفسكم».

قد يعجبك ايضا