أزمة السكن .. قضية مزمنة تكرس عشوائية البناء!!


تحقيق محمد العزيزي –

دراسة جدوى تؤكد أن أكثر من 85% من موظفي الدولة لا يملكون مساكن ويعيشون بالإيجار

الدولة تبنت مساكن للعمال والموظفين في سبعينيات القرن الماضي ثم توقفت

تمددت العاصمة صنعاء خلال العقدين الأخيرين عشرة أضعاف حجمها السكاني عما كانت عليه في ثمانينيات القرن الماضيº وكذلك هو الحال في عواصم المحافظات الأخرى .. لكن يظل هذا التوسع أفقي تمددي شمالاٍ وجنوباٍ وشرقاٍ وغرباٍº هذا الزحف السكاني غير المدروس أفقد صنعاء (الأمانة) وعواصم المدن صبغة المدن العصرية التي تدهشك لضخامة بنيانها وارتفاع عماراتها وأبراجها الشاهقة في العلوº مدن صغيرة في العالم تأوي من 10 إلى 20 مليون مواطن وزائر وهي لا تساوي ربع مساحة العاصمة صنعاء التي يقطنها أقل من ثلاثة ملايين ساكن بحسب التقديرات الإحصائية كما قدرت مساكنها بملايين الأكواخ والبناء الشعبي والعمارات المتوسطة .. في هذا التحقيق سنناقش أسباب أزمة السكن وغياب البناء الرأسي وشقق التمليك في بلادنا¿ وهل المواطن اليمني لديه استعداد لشراء تلك المساكن¿ .. تفاصيل ما جمعناه حول هذه القضية في ثنايا التحقيق التالي:
تحقيق محمد العزيزي

– مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي دأبت الحكومة اليمنية على إنشاء مدن سميت مدن العمال في الحديدة وتعز وكان يمثل للحكومة مشروع طويل الأمد لإسكان موظفي الدولة والعمال بالتقسيط الطويلº إلا أن هذا المشروع قتل بعد ذلك ولم تحاول الحكومات المتتالية إنعاش تلك المشاريع المهمة وأصبحت الدولة أو الحكومة غير معنية بالأمرº مما انعكس سلباٍ على المجتمع الذي اتجه نحو البناء العشوائي التقليدي غير المعمول به منذ زمن طويل في كثير من مدن العالم كونه يْشوه المدن ويعمل على اتساعها وتردي الخدمات العامة التي يبحث عنها المواطن عموماٍ..
العاصمة اليمنية صنعاء من أقل مدن العالم حداثة وعصرية بسبب اتساع البناء التقليدي ورغم ذلك يعاني سكانها من أزمة السكن وارتفاع الإيجارات والغياب التام للخدمات الأساسية للسكان..
وبهذا الصدد أرجع المهندس عادل هاشم المقطري -متخصص تخطيط مدن- أن المواطن اليمني لم يفهم أو يستوعب السكن في شقق التمليك لأن ثقافته تميل إلى المسكن المستقل..
ويؤكد المهندس المقطري بأن غياب مشاريع البناء الرأسي يعد دائماٍ انعكاس للأوضاع الاقتصادية والثقافية والتطور التكنولوجي والعلمي الذي يعيشه أي بلدº وانعكاساٍ لرغبات الطبقة السياسية الحاكمة .. لكنه اليوم أٍصبح أمراٍ ملحاٍ واستجابة لاحتياجات فعلية وواقعية للمجتمع بمختلف شرائحه وطبقاته.
ويرى المهندس عادل المقطري أن السبب وراء التوسع الأفقي للبناء في اليمن يعود إلى أن التوسع الرأسي في البناء يحتاج إلى بنية تحتية قوية مثل توفر الطاقة الكهربائية بدون انقطاعº وتوفر مشاريع المياه والمجاري (الصرف الصحي)º ومثل هذه المشاريع مازالت هشة وبحاجة إلى تطور.
اليمن البلاد الوحيد الذي خارطته الإقليمية والسياسية نفذها الأجانب منذ سبعينيات القرن الماضيº حيث يقول المهندس عادل المقطري -اختصاصي تخطيط- مدن هناك خرائط لليمن ولكنها قديمةº كما توجد دراسات جغرافية وسكانية وعلى ضوء تلك الخرائط والدراسات يتم استخلاص المؤشرات التي على نتائجها تتم عملية التخطيط السليم والمدروس بحسب المهندس المقطري.
الأخ يوسف سرحان –موظف حطومي- أشار في حديثه إلى أن الموظف الحكومي غير موظفي العالم فهو لا يستفيد من راتبه في شيء لأنه يقبض راتبه ويسلمه إيجار لصاحب المنزل وإذا بقي منه شيء يذهب لسداد الكهرباء والماء وصاحب البقالة..
ويقول: مثلاٍ السعودية بمجرد أن يدخل الشخص الوظيفية العامة يمنح استمارة قرض البنك لشراء بيت وسيارة ويسقط المبلغ من راتبه ويصبح له منزل ملك وسيارة أيضاٍ بتقسيط مريحº أما في بلادنا فالموظف يعمل طوال الشهر ليدفع إيجار شقة.. ويضيف سرحان: أنه يتمنى على الحكومة أن تتبنى مشاريع الإسكان للموظفين .. فالعالم كما يقول يعيش سكانه في شقق تمليك .. وبالتالي لا يعاني سكانه وموظفيه من السكان كما هو في بلادنا.
لم يذهب الأخ أحمد سعيد الوافي –ناشط حقوقي- عن ماقاله الأخ سرحان قال: كان في السابق لدى اليمني ثقافة مختلفة عن باقي سكان العالم وذلك بالحصول على سكن مستقلº لكن الأمر اليوم مختلف الجميع يبحث عن مسكن ملائم يتوفر فيه كل الخدمات الأساسية والبناء الرأسي مطلوب فكل موظف يحلم أن يحصل على شقة يسكن فيها بدلاٍ من ذل الإيجارات.
ويقول الوافي: بلادنا البلد الوحيد في العالم الذي يغيب فيها البناء الرأسي وتوفير السكن للموظفين بطريقة التقسيط ولا ندري لماذا¿ وإن وجدت مثل هذه المشاريع لدى القطاع الخاص فهو يبالغ في أسعارها بحيث لا يستطيع الموظف دفعه أقساطها لعشرات السنين.
مهندس تنفيذي لأحد الشركات الخاصة العاملة في مجال بيع الشقق بالتقسيط رفض الإفصاح عن تفاصيل الدراسة التي نفذها للشركة في دراسة الجدوى لمشاريع البناء الرأسي وبيعها للمواطنين .. أكد ذلك المهندس أن الدراسة أثبتت أن أكثر من 85% من موظفي الدولة لايملكون مساكن ملك وأن أغلبهم يعيشون في منازل إيجار والبعض الآخر في غرف (غرفة عزوبية) أو دكاكين تفتقد لأبسط مقومات الحياة الكريمة لأن أسرهم ماتزال تعيش في القرى وفقاٍ للاستبيان والبحث الذي نفذه.
لافتاٍ إلى أن الاستثمار في المدن السكنية ذات البناء الرأسي من أنجح المشاريع في اليمن لكن الجشع لدى المستثمرين حال دون اتجاه المواطنين والموظفين لشراء شقق والسبب ارتفاع أسعارها بشكل خياليº لا يتناسب مع الظروف المعيشية والتناسب مع الدخل لهؤلاء وهم فئة وشريحة كبيرة جداٍ من المجتمع.
ويقول: البناء العشوائي والبحث عن قطعة أرض في محيط المدن تشتت ويخلق مجتمعات متخلفة نتيجة غياب الخدمات العامة والتعليم على رأس هذه الخدمات بالإضافة إلى المعاناة التي ترافق هذه الأسر لفترات طويلة نظراٍ لبعد السكن عن تلك الخدمات بعكس البناء الرأسي الذي يشترط في إقامتها إيجاد أغلب الخدمات الأساسية.
المهندس علي عبدالملك –مدير عام المساحة بهيئة الأراضي- يرى أن مشاريع الإسكان أو تأمين سكن للموظفين من مهمة الدولة في المقام الأول أو بالشراكة مع القطاع الخاصº سواء كان ذلك بالاستثمار العقاري أي الإيجار أو بيع الشقق وتمليكها للموظف أو المواطن.
ويؤكد المهندس علي عبدالملك بالقول: الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي كان قد أوجد مثل هذه المشاريع في السبعينيات وما تزال هذه المدن شاهدة على هذا التوجه الحكومي كمدينة العمال في الحديدةº لكن هذا التوجه والمشاريع العملاقة التي تخدم طبقة الموظفين والعمال قتلت وغيبت من برامج الحكومات اللاحقة ولا ندري ماهي الحكمة من وراء توقيفها¿!
ويقول: الموظف الحكومي اليوم يفتقر للسكن المناسب والملائم وشبح الإيجار والمؤجر يلاحق الجميع في ظل حكومة تجهل أهمية مثل هذه المشاريع وانعكاس ذلك على أداء الموظف والوظيفة والمال العام وما إلى ذلك.
وعن وجود قوانين تحمي أملاك من يرغبون بالسكن في شقق التمليك يقول المحامي محفوظ سعيد ثابت -مستشار هيئة الأراضي: لدينا أربعة قوانين نافذة وهو قانون تملك الأجانب للعقارات أقر في عام 2010م وأعطى الحق لأي أجنبي أن يتملك في اليمن السكن في إطار المدن الرئيسية والمخططات العامة ونحن قد أعدينا أيضاٍ أو شرعنا في إعداد قانون خاص بالملكية المشتركة للشقق والطوابق .. والقانون أثبت الأحقية في المباني المشتركة والأبراج والشقق والمرافق التابعة لهاº وقانون السجل العيني كان واضحاٍ جداٍ فيما يتعلق بهذا الأمرº وهو معلوم أيضاٍ ملكية الأرض وملاك الشقق أيضاٍ معروفون وكل شخص من هؤلاء سيحصل على صك ملكية بعد أن تتخذ الإجراءات العادية في عملية التسجيل..
من جانبه يقول المهندس يحي نعمان حاميم -الوكيل المساعد للهيئة العامة للمساحة والأراضي والتخطيط العمراني: إن أحد الأسباب الرئيسية لانتشار البناء العشوائي هو غياب البناء الرأسي فالمواطن يبحث عن سكن وبالتالي هو يلجأ إلى الأراضي الرخيصة وغير المرخصة ليشتري ويبني فيها سكناٍ بسيطاٍ شعبياٍ أشبه بالأكواخ والعشش..
ويواصل حديثه بالقول: موظفي الدولة والمواطنين هم الوحيد الباحثين على الدوام في الحصول على مسكن مناسب يؤمن به أسرته وأفراد عائلتهº خاصة ونحن نعلم أن غلاء المساكن والإيجارات التي تلتهم كل الدخل ورواتب الموظفين وهذا جعلنا في حالة ملاحقة في عملية التخطيط والبناء العشوائي .
ويتفق المهندس حاميم مع ما ذكره المهندس المقطري بأن غياب العمارات الكبيرة وشقق التمليك سياسي بالدرجة الأولى حيث يقول المهندس حاميم: لعل السبب قد يكون سياسياٍ أو غياب الرؤية لدى القطاعين العام والخاص أو الدولة لمثل هذه التوجهاتº بالإضافة إلى عدم توفر الدعم الكافي واللازم لتمويل واستمرارية تنفيذ هذا التوجهº نحن في الهيئة لدينا أفكار لإقامة هذه الشراكة والهيئة حالياٍ تدرس القوانين والإجراءات القانونية اللازمة للتنفيذ.
ويضيف قائلاٍ: في هذا الموضوع الهيئة وقيادتها تطمح إلى إقامة شراكة حقيقية مع الإخوة في القطاعين العام والخاص من أجل هكذا مشاريع كبيرة ومدن رأسية وتكون أسعارها أيضاٍ مقبولة ومناسبة ومعقولة ليستفيد منها كل المواطنينº وهي أيضاٍ تساهم في حل لمشكلة الإسكان خاصة وأن بلادنا تعاني من أزمة حقيقية في الإسكان.
* أخيراٍ:
– تظل أزمة السكن في بلادنا تلاحق المواطنين وتظل أيضاٍ قضية مفتوحة تفتقر للحلول خصوصاٍ وأن الحكومة قد غضت الطرف عنها.

قد يعجبك ايضا