الساحل الغربي.. بين عفاش الأول والثاني

يكتبها اليوم / عباس السيد

 

 

قبل الحرب، في عهد عفاش الأول كان السفر من مدينة تعز إلى المخا يستغرق حوالي ساعة ونصف بالسيارة، لكن، عليك أن تنتظر أكثر من ساعتين حتى تمتلئ السيارة بالركاب.
الانتظار الطويل محيّرا لمن يسبق له زيارة المخا، لكن بعد أن يتعرف على ما كان يعتقد أنها مدينة وميناء، تزول الحيرة، وإذا عرف السبب بطل العجب.
فالمدينة أشبه بقرية نائية، المباني المتناثرة على الساحل نخرت جدرانها الرطوبة وتبدو مهجورة وآيلة للسقوط، والنشاط في الميناء جَزْر بلا مد، وعمال الميناء ينتظرون أسابيع عدة قبل أن ترسو فيه سفينة مواش أو شحنة تجارية.
ولولا المدينة السكنية للعاملين في محطة المخا البخارية لاختفت كل مظاهر الحياة في تلك المنطقة وطرقاتها.
تدمير مظاهر الحياة في المخا وكل الموانئ والمدن الثانوية على طول الساحل الغربي، من ميدي شمالا إلى باب المندب جنوبا، مرورا باللحية والصليف والفازة وغليفقة والخوخة وذباب، كانت سياسة ممنهجة لعفاش الأول طوال عقود، وظلت معظم تلك المناطق نوافذ للتهريب، أو مكبا للنفايات النووية، كما في مديرية ذباب..
رحل عفاش الأول، وخلفه عفاش الثاني الذي يسيطر بدعم سعودي إماراتي مباشر على جزء كبير من الساحل الغربي ليكمل دور عمه الراحل، وقد مكنته قوى العدوان من السيطرة على جزء من الساحل يمتد من الخوخة إلى باب المندب بطول حوالي 170 كم. وتشمل مديريات: الخوخة، المخا، ذباب، بالإضافة إلى الوازعية وموزع.
منذ أربع سنوات، تقوم قوى العدوان بتنفيذ سياسات ومخططات مشبوهة في تلك المديريات الساحلية الهامة، فالمخا تحول إلى منطقة عسكرية مغلقة، عمليات تغيير ديموجرافي بالتهجير والتوطين، تعزيز سيطرة المليشيات على تلك المناطق من خلال استمرار الحشد والتجنيد واستمرار تدفق الأسلحة من قوى العدوان إلى الميناء. وبموازاة ذلك، يجري تنفيذ بعض المشروعات لتوفير بنية تحتية لخدمة مستوطنات شعب عفاش ومليشياته في المنطقة التي يحلم أن تكون جمهوريته المستقلة وعاصمتها المخا..
آخر تلك المشروعات تم الاحتفال بها مؤخرا كإنجاز لعفاش الثاني، إنه “مطار المخا”، وهو في الحقيقة مجرد مدرج لمطار عسكري، هكذا يبدو من تصميمه وموقعه، ولن يكون بديلا عن مطار تعز أو الحديدة، كما تسوق وسائل إعلام المرتزقة ومسؤولوها. ولن يُسمح لأبناء المخا حتى بمجرد رؤيته علاوة على الاستفادة منه.
قبل مشروع المطار، تم بناء مدينة سكنية، وتوفير مولدات كهربائية، قدم عفاش الثاني نفسه من خلالها كباني نهضة المخا والساحل، والمخلص الذي طال انتظاره.. لم يلمس أهالي المخا أي فائدة من تلك المشروعات، لأنها اُنشئت لخدمة المليشيات التي يجري مضاعفة أعدادها باستمرار.
محطة المخا البخارية التي يمكن أن تغطي احتياج محافظة تعز من الكهرباء، تم ربطها إداريا بمكتب الكهرباء في عدن، ويجري تفكيك مكوناتها لصالح محطة كهرباء الحسوة، أما خزاناتها فتستخدم لتخزين الوقود الذي يتم تهريبه وتوزيعه من قبل شركة القلزم التي سلمها عفاش المحطة بذريعة التشغيل.
وبينما يستمر الفقراء من أبناء المخا في مساكنهم المشيدة من سعف النخيل، وتتزايد أحداث الاغتصابات في كل المديريات الساحلية المحتلة، يسقط القناع، ويبدو المخلص كالمخلس.
يستمر عفاش الثاني في مشروعه الانتقامي في الساحل الغربي، ويتمدد نحو الساحل الجنوبي، نحو مديرية المضاربة والعارة، أكبر مديريات محافظة لحج شرق باب المندب. هذا ما تريده قوى العدوان وتخطط له منذ بداية الحرب على اليمن: سلخ المديريات الساحلية حول باب المندب عن الشمال والجنوب، تمهيدا لتأسيس كيان جغرافي سياسي مستقل عن اليمن.
لا ندري، هل يعي عفاش الصغير خطورة المشروع الذي يقوم بتنفيذه؟ وهل يمكن أن يسمح اليمنيون في الشمال والجنوب بتنفيذ هذا المخطط؟. هذا هو المستحيل بعينه.
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا