أساليب ووسائل أوصلت اليهود للأموال والثروات في أوروبا 1-4
كيف أصبح اللوبي الصهيوني يتحكم بالاقتصاد العالمي؟
الشهيد القائد: معلوم بأن اليهود أصحاب رؤوس أموال كبيرة مسيطرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد في أمريكا وأوروبا وغيرها
حقائق تاريخية: تحكمت العائلات اليهودية بالسوق المصرفية في عواصم أوروبية خلال القرن التاسع عشر عبر وسائل بررتها غايات الاستحواذ
ساهمت عائلة روتشيلد اليهودية بتمويل مشاريع قطاع السكك الحديدية وقناة السويس خدمةً للاستعمار لتتحكم بالقرار البريطاني
قدم ناثان روتشيلد قروضاً ربوية ضخمة عززت سيطرته على قرار شركات وحكومات المستعمرات البريطانية وموّل الحروب النابليونية في أوروبا
نقاد عالميون:من يقرأ الأدب العالمي يدرك خفايا الأساليب القذرة التي اتبعها اليهود للوصول إلى مراكمة ثرواتهم والسيطرة على العالم.
امبرتو إيكو: في 1880 التقى مجموعة من أحبار اليهود في «مقبرة براغ» ليدونوا أولى الملامح النصية الحديثة لبروتوكولات حكماء صهيون
كيف أصبح اللوبي الصهيوني يتحكم بالاقتصاد والعالمي؟ سؤال واسع جداً تتطلب الإجابة عليه أبحاثا ومؤلفات وقراءات سابرة لأغوار التاريخ السياسي والفكري للجماعات اليهودية منذ اختراقها للديانة المسيحية، ومروراً بأساليب اليهود في محاربة الرسالة المحمدية، وكيف روّجوا الحكايات التي استهدفت ثقافة العمل المهني عبر الانتقاص من عديد من الحرف الصناعية فعزف عنها الناس وسيطر عليها اليهود أنفسهم، وعبر محطات التاريخ قديماً ووسيطاً وحديثاً.
هذه الحلقات، تؤصل الخلفيات التاريخية لتحكم اليهود باقتصاد العالم عبر حقائق واضحة في نسق الأدب العالمي، وتجيب عن سؤال علاقة الاستحواذ المبكر على منابر ومؤسسات الإعلام في بدايات العصر الحديث، بحتمية سيطرة اليهود على الاقتصاد وكيف نشأت بروتكولات جكماء صهيون ؟ وغيرها من أسئلة الخلفيات التاريخية والتطورات الاستعمارية التي أفضت إلى مأسسة السيطرة اليهودية على الاقتصاد العالمي في زمن الطفرة النفطية والعولمة الاقتصادية
تفاصيل الحلقة الأولى ستستعرض الكيفيات والوسائل والأساليب اليهودية لامتلاك أسباب السيطرة على قرار الشركات الكبرى ذات النسق التقليدي في التجارة والملاحة والنقل في أوروبا:
الثورة / إعداد وقراءة/ إدارة التحقيقات
بدا العالم في المئة العام الأخيرة مشبوباً بالحروب الأكثر فتكاً والتي تبدو في ظاهرها حروباً فكرية وسياسية، غير أنها في باطنها صراعاً على الموارد والثروات، ومن يقرأ الخلفيات التاريخية لصعود اليهود الاقتصادي، في إنتاج الأدب العالمي، سيجد أن الصهيونية تتمحور في قلب أسباب تلك الصراعات وإن كان ذلك لا يتضح في ظاهر الأمر، فخلف تفاصيل الأحداث والعوامل والإرهاصات الموصولة بالحرب تبرز حقيقة موقع اليهود من تلك الأسباب، وكيف أفضى ذلك إلى تموضعهم في قمة السيطرة الاقتصادية.
وفي خطبه الواعية بمجريات السياسات الصهيونية العالمية المرتكزة على هدف السيطرة على مقدرات الشعوب وثرواتها، وصلة اليهود بأسبابها أشار الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رحمه الله- في أكثر من مقام إلى سلسلة من الحقائق الشاهدة على خبث الطوية والنوايا اليهودية النازعة نحو السيطرة والاستحواذ، ففي محاضرة عن يوم القدس العالمي ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي- بتاريخ: 28 رمضان 1422هـ- اليمن – صعدة، يقول: ((في هذا الجانب الاقتصادي في جانب ما نستهلكه في مجال الغذاء. الدواء كذلك معظم الأدوية من شركات أجنبية، واليهود معلوم بأنهم هم أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة المسيطرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد في أمريكا وفي دول الغرب في أوروبا وغيرها. يحملون عداوةً شديدةً لكم فهم لا يودون لكم أي خير، وهم دائماً مستشعرون لهذه العداوة لأنه أناس لا تعرفهم ولا بينك وبينهم، أنت لا تودهم, ولا تبغضهم, لا تعاديهم, ولا تواليهم.)).
إن إشارات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي –رحمه الله- تحيلنا إلى قضية السبق القرآني في توصيف خصائص اليهود ولهاثهم وراء السيطرة على الموارد والثروات والتحكم بمصائر الشعوب وتحويلها إلى استهلاكية لكل ما ينتجون، وكما أن ثقافته القرآنية الواسعة والعميقة للشهيد القائد، تحيل الكثير من المراقبين والنقاد إلى مسار الأدب العالمي الذي أثبت تلك الحقائق، كأعمال الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو، الذي فتح الصندوق الأسود لحكماء صهيون، في أهم عمل روائي عالمي وهو «مقبرة براغ» الصادرة عن دار الكتاب الجديد بترجمة أحمد الصمعي والتي تستعرض جزءاً من تاريخ الدسائس والمؤامرات اليهودية في أوروبا، وعبر حقائق تاريخية، وإن بدت مغلفة بالخيال.
لقد أزاح أمبرتو إيكو في ذلك العمل السردي القناع عن بعض الحقائق التاريخية التي يتم التكتم عليها أو إخفاؤها، وذلك من خلال اختلاق شخصية متخيلة تسرد تفاصيل مثيرة نابعة من الواقع المغلف بالخيال كسياق أدبي.. مُبَيَّناً أن هناك مركزية عالمية لليهود تسعى إلى أن تبقي العالم مستنقعا لترويج الضغائن والأحقاد والانتقامات بهدف إشغال أممه عن العمل والإنجاز، وعن إدراك مخططاتهم ووسائلهم القذرة في الوصول إلى غاياتهم الاقتصادية والتحكم بالثروات والأموال ومن ثم بقرارات الأمم ومصائر الشعوب.
ومن الواضح والجلي أن إيكو نسج روايته على طريقة اليوميات التي يعترف فيها الراوي الداخلي النقيب سيمونيني بما اقترفت يداه من جرائم وتجاوزات بحق عدد من الأعراق والحكومات والإمبراطوريات، في ذروة احتدام الصراع على السيطرة والنفوذ في القرن التاسع عشر، حيث بداية ارتسام الخريطة الجديدة للقرن العشرين، والمخططات والمكائد والمؤامرات والدسائس التي اكتسبت ديمومة من زمن لآخر، واكتست لبوسا جديدة مختلفة عن بعضها في كل مرة.
التفاخر بفن تزييف الحقائق
شهدت الرواية التي قوبلت بانتقادات من قبل الفاتيكان وبعض اليهود، أحداثا تاريخية هامة، منها حملة غاريبالدي، أحداث الكومونة في باريس، قضية درايفوس، وغيرها من الأحداث التي دارت في القرن التاسع عشر بين تورينو وباليرمو وباريس، حيث عالم من الشر المستطير يسود ويقود التيارات والجماعات السياسية والحاكمية في أوروبا والغرب عامة، حيث تكثر الأقنعة، وتتعدد المصادر، وتتشعب الحكايات، النابعة من الواقع لتمضي إلى تخوم الخيال، كاشفة عن الأكاذيب اليهودية الملفقة بإتقان واحتراف إلى الحد الذي جعلهم يقتنعون قناعة مطلقة، بأن ما يقترفونه من أكاذيب وتزييف يعد فناً، فيصف سيمونيني عمله بأنه سلطة الفن المذهلة، وأنه من الجميل أن يصنع أحد من لا شيء وثيقة عدلية، وأن ينحت رسالة تبدو حقيقية، وأن يركّب اعترافات مشبوهة، وأن يخلق وثيقة تجر أحدا إلى الهلاك. الكره يكون محركه الرئيس، تكون مقولته «أنا أكره.. إذن أنا موجود»، شعاره لتذكية أحقاده المتراكمة. ويصف اليهود بأقذع الأوصاف، مستمدا مبرراته من التاريخ والواقع.
وفي سياق الأحاديث يتبادل الراوي سيمونيني السرد مع القس دلا بيكولا، وهو شخصية مفترضة مثله، يتقمصها ليحكي جوانب مما كان يرتكبه باسمه، وتحت ردائه الكهنوتي الفضفاض الذي كان يتسع للإجرام والتلفيق والتزوير والتزييف والتجسس والتفتيت بغية جمع أكبر قدر من الأموال والثروات، وحينها تبدأ قضية التظاهر بمساعدة المجتمع، أفراداً وجماعات، شركات ومؤسسات، عبر قروض ربوية تفضي إلى مزيد من جمع الثروات، والعاجزون عن سداد القروض وفوائدها المتراكمة سواء كانوا أفراداً أو شركات؛ يضطرون إلى التخلي عن أصولهم وممتلكاتهم لصالح أولئك اليهود.
ويستهل يومياته بتاريخ 1897، ثم يعرف بنفسه، ويعود إلى سنوات خلت، وينتقل بين العقد والآخر مستذكرا تفاصيل أحداث عاصرها وعايشها، وكان شاهدا عليها، أو مشتركا متواطئا أو متآمرا فيها.. فيتشبع سيمونيني بأفكار الكره والحقد على الآخرين، خاصة اليهود، تتعاظم لديه الشكوك والضغائن تاليا، وحين يعمل لدى كاتب العدل ريبودانغو، ويتتلمذ على يديه ليتعلم سبل تزييف الوثائق وتزويرها.. كما يجري اتصالات مع مخابرات عدة دول وإمبراطوريات يشتغل في خدمتها، حيث يصبح عميلا مزدوجا، ينتقل من خدمة جهاز إلى خدمة آخر.. من المخابرات البروسية إلى الفرنسية إلى الروسية والألمانية وغيرها، يقدم خدماته المأجورة كأي قاتل محترف مأجور.
أساس بروتوكولات صهيون
ومن الوقائع التي يشير إليه أمبرتو إيكو عبر الراوي الداخلي (سيمونيني) وقائع ليلة من ليالي 1880 اجتمع فيها عدد من أحبار اليهود في مقبرة براغ ليدونوا بروتوكولاتهم التي عرفت لاحقا ببروتوكولات حكماء صهيون، وأوجبوا فيها ضرورة العمل على البدء بمخططهم لتحقيق أحلامهم بغزو العالم والهيمنة عليه.. مؤكدا أن تلك البروتوكولات تقوم –من الناحية المادية- على تقييد حياة الناس وأنشطتهم اليومية، عبر مسلسل القروض الربوية التي تتضاعف يوماً بعد آخر، وصولاً إلى السيطرة على محركات اقتصادهم ومواردهم المالية، ولكن وفق تركيز دقيق من قبل أحبار اليهود، فخططوا في البدء للاستحواذ على السكك الحديدية، والمناجم، والغابات، وإدارة الجباية، والملكيات العقارية الكبرى، والهيمنة على سلك القضاء والمحاماة والتربية العمومية، واختراق الفلسفة والسياسة والعلوم والفنون، وبالخصوص الطب، لأن الطبيب يدخل إلى البيوت أكثر من الكاهن، إضافة إلى تخريب الدين، ونشر الفكر الحر، واحتكار تجارة الكحول، ومراقبة الصحافة، وغير ذلك من السبل التي تكفل السيطرة على العالم، رافعين شعار: «الغاية تبرر الوسيلة».
وعبّر بطل الرواية يفتح إيكو باحتراف سردي بديع الصندوق الأسود لحكماء صهيون فيكشف سلطة الماسونية الشبحية، ودورها في صناعة القرار ورسم السياسات وتغيير الخرائط وتنصيب قادة وزعماء، وما ينتجه ذلك من إفرازات على هامش افتعال الحروب والأزمات في أكثر من مكان عالمي.. منوهاً بأن الشخصية الوحيدة المختلقة في روايته هي شخصية بطله سيمونيني، ويشير إلى أن كل الشخصيات الأخرى وجدت حقيقة وفعلت وقالت الأشياء التي فعلتها وقالتها في الرواية.
نقاد الأدب العالمي
ويؤكد نقاد عالميون أن من يقرأ الأدب العالمي يدرك الخفايا القذرة والأساليب التي اتبعها اليهود للوصول إلى مراكمة ثرواتهم والسيطرة على أوروبا، بداية وصولا للسيطرة على الغرب وبالذات أمريكا.. موضحين أن رواية مقبرة براغ أهم نموذج على المسار الكشفي للدسائس والمؤامرات اليهودية، حيث تختلف الرواية من حيث الواقعية المغلفة بالخيال عن أعمال أمبرتو إيكو الأخرى كـ «اسم الوردة» وبندول فيكو، وجزيرة اليوم السابق، وبادالينو، وأخيراً، ورواية «العدد صفر» التي صدرت في نهاية العام المنصرم؛ وذلك لأن مقبرة براغ تتناول أحداثاً جساماً وقعت في أوروبا خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين معقدة ومتشابكة وأحياناً ضبابية بسيمائيتها وأسلوبها، فضلاً عن شخصياتها التي الكرتونية التي تسرد أحداث واقعية، كما أن بطل الرواية سيمونيني يعاني من ازدواج في الشخصية التي جمعت بين البطل حيناً والسارد الخارجي والسارد الداخلي المساهم في صنع الأحداث ومآلاتها، مفضلاً يكتشف مع القارئ جنبا إلى جنب دهاليز المؤامرات اليهودية المغلفة بشعارات مؤنسنة، لكنها في مجملها تفضي إلى نتائج لا إنسانية من مصادرة الممتلكات والاستحواذ على العقول والثروات والأموال، ولكن عبر سفر روائي لا يُنسى اسمه “مقبرة براغ” وهو الاسم الذي اشتق من مقبرة يهودية قديمة في براغ، كان قادة حاخامات يهود الأمم في جميع أنحاء العالم يلتقون فيها كل مئة سنة تقريباً لوضع خطط التآمر للسيطرة على مقدرات البشرية، ومنهم من يقول إن هذه البروتوكولات هي محض كذب وفبركات مباركة أطلقوا عليها “بروتوكولات حكماء صهيون”. وقد تمكن سيمونيني بطل الرواية من صنع مقبرة براغ إيّاه وإعادة صياغتها وبما تتناسب مع المفاهيم والأفكار والتحولات الدراماتيكة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
اللوبي الصهيوني في أوروبا
تبعاً لما أوردته الرواية من تفاصيل لتحركات حاخامات وأحبار اليهود ومخططاتهم التي نشأت من ملتقاهم السري في مقبرة براغ الإيطالية، ندرك أن المرجعية الأساسية لبروتوكولات حكماء صهيون لم تخرج عن التأسيس المادي المتين لضمان الوصول إلى المصالح الحيوية في المجتمع الغربي، فاقتضى تنفيذ خططها تشكل مجموعة واسعة من العملاء النّشطين لهم مصالح خاصّة في إطار المصلحة القومية لليهود، ولهم صلاحيات تتثمل في ممارسة الضّغوط على الموظّفين الرّسميين وخصوصاً المشرّعين من أجل تحقيق تلك المصالح.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أهم العائلات في القارة الأوروبية، فمثلاً عائلة روتشيلد اليهودية الألمانية التي بدأ تاريخها الموثق في القرن السادس عشر تنبع جذورها من ماير أمشيل روتشيلد (1744-1812)، وهو يهودي من مواليد مدينة فرانكفورت، والابن الرابع لتاجر الصرافة أمشيل موسى روتشيلد، وقد أسس عمله المصرفي في القرن الثامن عشر، على عكس معظم يهود المحاكم الذين سبقوه، ليتمكن من تأسيس عائلة مالية دولية مورثاً ثروته لأبنائه الخمسة عبر خمس فروع في أهم أماكن التجمعات الحضرية المركزية في خمس عواصم أوروبية، فكانت فرانكفورت عاصمة ألمانيا –يومها- من نصيب ابنه «أتسليم» وفينا عاصمة النمسا من نصيب «سالمون»، و لندن عاصمة بريطانيا «ناثان»، وباريس عاصمة فرنسا من حظ «جيمز»، فيما كانت نابولي عاصمة الفاتيكان من نصيب «كارل».
ومن أجل تأمين الترابط الوثيق بينهم جميعاً، عمد إلى تعيين قائد لهم هو ناثان في بريطانيا، ووضع قواعد تسمح بتبادل المعلومات ونقل الخبرات بسرعة عالية بين هذه الفروع مما يحقق أقصى درجات الفائدة والربح. ولضمان ترابط العائلة واستمرارها كان الرجال لا يتزوجون إلا من يهوديات، ولابد أن يكنَّ من عائلات ذات ثراء ومكانة، تخدم هدفهم العام في توسيع أنشطة جمع الثروات والإيغال في الغناء بينما تسمح القواعد بزواج البنات من غير اليهود شريطة أن يكون من يتزوج بنات اليهود من أغنياء وأثرياء الديانات الأخرى، اللادينيين، لضمان توسيع المصالح المشتركة، على قاعدة أن تظل الثروات في مجملها في أيد يهودية.
دعم الحروب في العالم
كان ذلك الثراء الفاحش الذي عرفت به عائلات اليهود في شمال غرب أوروبا ومنها عائلة روتشيلد، هو من خلف مظاهر الغطرسة والتعالي التي تجلت في تزيين مباني اليهود بالمناظر الطبيعية واللوحات الفنية الباذخة والنظر إلى المجتمع نظرة محكومة بالمادة والثروة فمن كان غنياً يتم التقرب منه أو مصاهرته للاستفادة القصوى من ثروته، ومن كان فقيراً وله أصول ثابتة من منازل ومزارع وثروة حيوانية، يتم اقراضه المال بفوائد تتضاعف كلما تأخر سدادها، حت يسلب أصوله وعقاراته، ثم يتركونه وينظرون له نظرة دونية.
وقد تجاوز دور وتأثير ذلك الثراء والثروات كل ما سبق، إلى دعم أشهر الحروب في التاريخ الحديث التي خاضها الغرب ضد الإنسانية والتي تستهدف حشد مزيد من الثروات، ولعل أبرز تلك الحروب الحرب النابليونية (1803-1815)، التي حظيت بدعم عائلة روتشيلد التي كانت متفوقة في مجال تجارة السبائك في ذلك الوقت، فمن لندن عام 1813 إلى عام 1815، كان لـ “ناثان ماير روتشيلد” دورٌ فعال في تمويل المجهود الحربي البريطاني بمفرده تقريبًا، إذ نظم شحنة السبائك إلى جيوش آرثر ويلزلي في جميع أنحاء أوروبا، بالإضافة إلى دفع الإعانات المالية البريطانية كقروض بفوائد ومساعدات إلى حلفاء بريطانيا، حيث قدم روتشيلد في عام 1815م -على سبيل المثال لا الحصر- 9.8 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل اليوم 869 مليون دولار أمريكي).
وتشير المراجع التي وثقت الحروب عبر العالم واستقصت دور العائلات اليهودية الثرية في أوروبا، إلى أن الحكومة اليابانية عندما اتصلت بعائلات لندن وباريس والنمسا والفاتيكان وألمانية الثرية للحصول على تمويل حربها مع روسيا، وبلغ إجمالي ما قدمته عائلة روتشيلد في لندن فقط وعبر شراء سندات الحرب اليابانية نحو 11.5 مليون جنيه إسترليني (أي ما يعادل 1.03 مليار جنيه إسترليني قياساً بمؤشر أسعار الجنيه الإسترليني في 2012).
كما تؤكد المراجع أنه خلال مسار الحروب التي دعمتها العائلة، ظلت أساليب الاستحواذ على المقدرات والثروات هي المتصدرة في المعاملات اليهودية، فعمدت العائلة إلى تزويد ناثان روتشيلد مرارًا وتكرارًا بالمعلومات السياسية والمالية قبل بقية أقرانه، وهذا ما منحه ميزة في الأسواق وجعل من منزلة عائلة روتشيلد أكثر قيمة بالنسبة للحكومة البريطانية، خصوصاً مع تمكين شبكة العائلة لقائدها «ناثان» في بريطانيا من تلقي أخبار انتصار ويلينغتون في معركة واترلو في لندن قبل يوم كامل من إعلان الرسائل الرسمية للحكومة، لكن لم تكن الفوائد المالية المحتملة من ضمن اهتمامات روتشيلد الأولى؛ فأخذ الأخبار على الفور إلى الحكومة، ووفقًا لحسابات ناثان روتشيلد فإن الانخفاض المستقبلي للاقتراض الحكومي الذي أحدثه السلام سيخلق ارتدادًا في سندات الحكومة البريطانية بعد استقرار يدوم لمدة عامين، والذي سينهي إعادة هيكلة الاقتصاد المحلي بعد الحرب.
وتبعاً لتلك السياسة القذرة، اشترى ناثان على الفور سوق السندات الحكومية ثم انتظر لمدة عامين وباع السندات في السوق عام 1817 للحصول على ربح 40%، ووُصف هذا التصرف بأنه واحد من أكثر التحركات جرأةً في التاريخ المالي، إذ بدا في ذلك الوقت سعرًا مرتفعًا للغاية، وبالنظر إلى القوة المالية الهائلة التي كانت تحت تصرف عائلة روتشيلد، كان هذا الربح مبلغًا ضخمًا.
بدأ ناثان ماير روتشيلد عمله في مانشستر عام 1806 ونقله تدريجيًا إلى لندن، وحصل عام 1809 على مكان في سانت سويثين لين، مدينة لندن، وأسس شركة روتشيلد وشركاؤه في عام 1811. وفي عام 1818، دبّر روتشيلد قرضًا بقيمة 5 ملايين جنيه إسترليني (أي ما يعادل 370 مليون جنيه إسترليني في عام 2019) للحكومة البروسية، وشكّل إصدار السندات للقروض الحكومية الدعامة الأساسية لأعمال مصرفه، لقد اكتسب مركزًا قويًا في مدينة لندن وبحلول عام 1825-1826 تمكّن من توفير ما يكفي من المال لبنك إنجلترا حتى استطاع تجنب أزمة سيولة في السوق، ليتحكم بعد ذلك بمفاصل صناعة قرار التاج البريطاني ويحرك سياسته الاستعمارية شرقاً وغرباً.
ما لا يعرفه الكثير
وما لا يعرفه الكثير عن شركات عائلة روتشيلد اليهودية الرائدة، هو أنها حضرت بقوة في مجال التمويل الدولي المرتفع في جدواه خلال نشوء النظام الصناعي في أوروبا كتمويل أنظمة السكك الحديدية في جميع أنحاء العالم وفي التمويل الحكومي المعقد لمشاريع كبيرة مثل قناة السويس، ليس خدمة للشرق الأوسط أو مصر أو الدول المطلة على البحر الأحمر، ولكن خدمة لمساعيها في السيطرة والتحكم على الملاحة الدولية والتجارة العالمية، وكانت هذه المشاريع المبكرة من القرن التاسع عشر هي أهم مرتكزات الحركة الاستعمارية التوسعية للاستعمار البريطاني خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ولم تتوقف اهتمامات العائلة اليهودية التمويلية العالمية عند هذا الحد بل دخلت طور التمويل السياسي للصراعات في العالم، فمثلا شاركت بشكل مباشر في استقلال البرازيل عن البرتغال في أوائل القرن التاسع عشر، مقابل دفع الحكومة البرازيلية تعويضًا ماليًا قدره مليوني جنيه إسترليني لمملكة البرتغال لقبولها استقلال البرازيل، وفي عام 1825، جمع ناثان روتشيلد مليوني جنيه إسترليني، وشارك بالفعل في دفع هذا التعويض المالي بمبلغ مليون جنيه إسترليني في عام 1824م ما ساعده على السيطرة على مفاصل الاقتصاد والمشاريع والشركات ذات الربحية العالية، في الدولتين، ولعل أهم الشركات التي تتبع العائلة في البرازيل والبرتغال وأوروبا خاصة والعالم عامة، تتمثل في: (مجموعة آر إس إيه للتأمين، شركة السكك الحديدية الشمالية، مجموعة ريو تينتو، إيراميت 1880م، إميريس 1880م، دي بيرز 1888م كما ومولت الأسرة رجل الأعمال سيسيل رودس جون (1853 – 1902م) رئيس وزراء مستعمرة الكاب التابعة للتاج البريطاني في أفريقياٍ، فوجه التمويل الذي منحته عائلة روتشيلد في مجال إنشاء مستعمرة رودسيا الجنوبية البريطانية في افريقيا ما يعرف الآن بـ تضم الآن زامبيا وزيمبابوي.. وتجدر الإشارة إلى سيسل رودس عُرف بملك الألماس، حيث أنشأ شركة دي بيرز، أضخم شركة ألماس في العالم وكانت تسيطر حينها على 60% من ألماس العالم، وأصبحت في فترة من الفترات اللاحقة تسيطر على 90% منه، ولهذا السبب تقربت منه عائلة روتشيلد اليهودية، فسيطرت بفضله على شركة ريو تينتو للتعدين في أواخر الثمانينيات من القرن التاسع عشر.
وبالإشارة إلى استفحال سيطرة العائلة في مقاصل القرار البريطاني تؤكد المراجع أن الابن الثالث للعائلة، ناثان ماير أمشيل روتشيلد استقر في البداية في مانشستر ليؤسس لأول مرة نشاطًا تجاريًا في مجال الغزل والنسيج ومن مانشستر استمر في إنشاء بنك إن إم روتشيلد وأولاده في لندن، قبل أن ينتقل إليها، لكن الأهم هو أن بنك لندن التابع لعائلة روتشيلد لعب خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر دورًا رائدًا في إدارة وتمويل الإعانات التي حولتها الحكومة البريطانية إلى حلفائها خلال الحروب النابليونية من خلال إنشاء شبكة من الوكلاء، وتمكن البنك من توفير الأموال لجيوش آرثر ويلزلي في البرتغال وإسبانيا، وبالتالي تمويل الحروب. شكّل توفير التمويل المبتكر للمشاريع الحكومية دعامة أساسية لأعمال البنك في وقت لاحق من القرن.
وتشير المراجع التاريخية أيضا إلى أن «ناثان ماير» استلم إدارة فرع البنك في لندن، وفي عام 1902 توفي ملك الألماس سيليس رودس جون رئيس وزراء مستعمرة الكاب البريطانية دون أن يكون له وريث، وبحكم ما قدمته العائلة اليهودية له من دعم خلال التوسع في المستعمرات البريطانية، سيطر ابن العائلة «ليوبولد دي روتشيلد (1845–1917) على إرثه، تحت حجة إعداد مشروع رودس للمنح الدراسية في جامعة أكسفورد.
وتؤكد المراجع أن شركات عائلة روتشيلد في فرنسا وشركة روتشيلد وشركاؤه في لندن، كانت قد شكلت تكتلا جديدا مع مستثمرين يهود أخرين في عام 1873م من أجل الحصول على مناجم النحاس، فاستحوذ الشركاء اليهود على شركة ريو تينتو التابعة للحكومة الإسبانية، وأعادوا كملاك جدد هيكلتها وحوّلوها إلى عمل مربح، وبحلول عام 1905، بلغت حصة روتشيلد في ريو تينتو أكثر من 30%.
يقدر خبراء المال في الوقت الحالي ثروة عائلة روتشيلد بقرابة 500 تريليون دولار، أي ما يعادل حوالي 7 أضعاف إجمالي موازنات جميع دول العالم، وفق أرقام العام 2013م التي تؤكد أن موازنات دول العالم بلغت 73 تريليون دولار أمريكي طبقًا لتقرير الأمم المتحدة.
أخيراً
عائلة روتشيلد ليست العائلة اليهودية الوحيدة التي برزت اقتصاديا ومالياً وسيطرت على مفاصل صناعة القرار الاستعماري في أوروبا والغرب بشكل عام من خلال وسائل الاستحواذ المتعددة، بل امتدت العائلات الاقتصادية والتجارية اليهودية، إلى أمريكا حديثة التأسيس من قوميات وعوالم مختلفة كونها كانت وجهة للمهاجرين من مختلف دول العالم، وهو ما سنتابعه في الحلقة القادمة، مسلطين الضوء على حيثيات وخلفيات تحكم اليهود بالاقتصاد في بلد المهاجرين الأول في العالم، ومرجعيات تشكل جماعات الضغط داخل دوائر صناعة القرار الأمريكي.