الثقافة: سيتم إرسال لجنة من المختصين لتقصي الحقائق وإعداد ملف خاص للمدينة
“المدن التاريخية”: المدينة تخرب كل يوم والمجلس المحلي غير متعاون
السياحة:
بحاجة إلى تحرك سريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
مديرية ذي السفال إحدى المديريات التابعة لمحافظة إب العاصمة السياحية لليمن وكما هي بقية مديريات إب التي تبهر الزوار بجمالها وطبيعتها الساحرة واخضرارها الزاهي في كل بقعة من أرضها الطيبة والخصبة ولا تقل مديرية ذي السفال جمالا وبهاء عن بقية مديريات إب كونها تحوي بين جنباتها العديد من المآثر والمواقع التاريخية والأثرية ولعل أبرز تلك المواقع مدينة ذي السفال القديمة التي تحمل قيمة تارخية هامة وتحوي عدداٍ من المآثر التاريخية التي سنتعرف عليها خلال الأسطر التالية بالإضافة إلى تبيان الحالة التي وصلت إليها هذه المدينة وأبرز ما تواجه من تحديات.
تعد معظم مباني المدينة تاريخية ويعود تاريخ إنشائها إلى ما قبل عشرات السنين وجميعها مبنية من الحجر ولهذا فهي تمتاز بالقوة وبالضخامة في البناء إلا أن سوقها القديم والذي كان يحتل مكانة كبيرة إلى ما قبل ثلاثين عاماٍ يعد أبرز معالم المدينة التاريخية ومع هذا وخلال السنوات الثلاثين الماضية فقد هذا السوق تلك المكانة وهجرته الحركة وباتت الكثير من دكاكينه توشك على التهدم بل إن البعض منها تهدم وخاصة في الجزء العلوي وهو الأقدم كذلك تحوي المدينة على الكثير من المعالم الدينية أبرزها الجامع الكبير والذي تشير المصادر التاريخية إلى أنه بني في عهد الفترة التي بنيت فيها المدينة حيث يشير الدكتور عبدالرحمن جار الله في كتابه “ذي السفال مدينة الآثار الإسلامية” إلى أن هذه المدينة بنيت في القرنين الأول والثاني للهجرة كذلك تحوي المدينة مساجد أخرى ذات قيمة تاريخية منها مسجد السيد ومسجد عماد الدين أو قبة عماد الدين نسبة إلى الشيخ العلامة يحيى بن عمران المكنى بأبي الخير وهو مدفون مع أسرته في القبة ويعد هذا الشيخ العلامة من أعلام الصوفية وله مؤلفات كثيرة وتشير المصادر التاريخية إلى أن تاريخ بناء هذا المسجد والقبة يرجع إلى ما قبل 800 عام إلا أن الدكتور جار الله في كتابه “ذي السفال مدينة الآثار الإسلامية” يبين أنها بنيت في العام 840 هجرية كذلك من أبرز المعالم مدرسة ابن علقمة والتي بنيت في عهد الدولة الرسولية.
معالم تهدم بمباركة المجلس المحلي
وهنا يقول الأخ أحمد محمد النوعة مدير عام هيئة الحفاظ على المدن التاريخية بمحافظة إب: إن هذه المدرسة للأسف الشديد تعرضت للهدم من قبل إحدى الجمعيات وبمباركة من بعض مسؤولي المديرية وبنيت على انقاضها كتلة من الخرسانة المسلحة على حالها منذ عشر سنوات ولم يتضح هل هذا البناء الاسمنتي مسجد أم ناد رياضي¿
وأشار إلى أن قبة عماد الدين تعرضت هي الأخرى للانهيار بعد أن كانت معلما تاريخيا فريدا يزين مدينة ذي السفال ويلفت الأنظار إليها.
وقال: إن المجلس المحلي غير مدرك لما تمتلكه هذه المدينة من قيمة تاريخية حضارية وينبغي أن يتم الحفاظ عليها فقد أشارت بعض المصادر التاريخية إلى أن هذه المدينة بنيت في عهد الدولة الحميرية وكانت تسمى ذي العلاء والأخيرة دمرها زلزال أتى عليها كما أتى على مدن ومعالم أخرى في المنطقة والمدينة تحوي العديد من المعالم التاريخية العريقة التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألف ومائتي عام كالجامع الكبير والذي تم إضافة مقدمة له في عهد الدولة الرسولية ورغم ما تمتلكه المدينة من مقومات تاريخية إلا أنه لم يشر أو يلتفت إليها من قبل الجهات المعنية بالدولة ولم يتم الاهتمام بها أو الحفاظ عليها بل كان الأمر متروكاٍ لمن يريد العبث بها وبمعالمها ليعمل بها ما يحلو له أن يعمل والنتيجة ضياع الكثير من المعالم التي هدمت بفعل الإهمال أو التي هدمت من قبل بعض الأشخاص الذين لا يعون ما جنته أيديهم بحق حضارة وتراث هذه المدينة والجهات المعنية تنتهج شعار الصمت سيد الموقف قد يكون المعنيون أو المسؤولون أنفسهم غير مدركين وغير واعين لأهمية هذه المدينة وهذه مشكلة كبرى.
معالم لم يبق منها إلا الذكرى
وأضاف مدير فرع هيئة الحفاظ على المدن التاريخية: إن المدينة لا تزال تحوي معالم ومآثر تاريخية هامة بحاجة إلى عناية واهتمام من قبل المجلس المحلي والجهات المعنية قبل أن تلقى المصير ذاته التي واجهته معالم أخرى كتلك التي ذكرناها سلفا أو معالم أخرى.
الكثيرون من سكان المدينة يتذكرونها مثل “الخان القديم” وكان يحتل مساحة كبيرة إلى الغرب من الجامع الكبير وكان يتكون من ثلاثة طوابق ويعود تاريخه إلى عصر الدولة العباسية واحتل مكانة كبيرة حيث كانت تقصده قوافل التجار من عدن ومن المخا وغيرهما إلا أن هذه المكانة لم تشفع له فقد تم بيع هذا الخان لأحد الأشخاص والجهة التي قامت ببيعه مصلحة أراضي وعقارات الدولة وما كان من المشتري إلا أن هدمه على الفور كما أن هناك معالم أخرى الآن بحاجة إلى سرعة الإنقاذ قبل أن تلقى المصير ذاته ومنها المدرسة الفخرية التي يرجع بناؤها إلى ما قبل (800) عام والتي أوشكت على الانهيار بفعل الإهمال فهي تعاني الكثير من الاختلالات الإنشائية فقد التهمتها الأشجار وانهار سقفها وطغت الأشجار على جدرانها ومرافقها وهدمت أسوارها ونهبت الكثير من أحجارها وأبوابها..
وأشار مدير الفرع إلى أن المنازل التاريخية في المدينة لحقت بها أضرار بالغة بسبب الإهمال وانهارت العديد من تلك المنازل وأصحابها لا يستطعون تحمل تكاليف ترميمها وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه ستفقد مدينة ذي السفال التاريخية ما تبقى من معالمها وتصبح مفرغة من محتواها التاريخي وغير ذات قيمة.
وذكر أن جسر الملكة أروى بنت احمد الواقع في قرية (مديه) على مقربة من المدينة القديمة ذي السفال يعاني الكثير من الاختلالات الانشائية وبحاجة إلى تدخل سريع وعاجل.
الخط الدائري بداية النكسة
وبدوره أوضح الكاتب السياحي عبدالوهاب شمهان – مستشار وزارة السياحة وهو من أبناء المدينة أن بداية نكسة ذي السفال بدأت مع ظهور الخط الدائري القبيح الذي تسبب في تدمير السواقي التي تجري منذ (600) عام دون توقف إلى أن أوقفها هذا الخط القبيح وحال دون وصول الماء إلى الكثير من الأراضي الزراعية التي تحولت بعد ذلك إلى مبانُ للسكن.
وقال: مدينة ذي السفال التاريخية بحاجة إلى عناية واهتمام من قبل الجهات المعنية التي تعيش حالة من الغفلة عن أهمية هذه المدينة الأمر الذي أدى إلى اندثار الكثير من معالمها المعروفة كمدرسة ابن علقمة التي تم تهديمها بحكم قضائي من أجل أن يبنى على انقاضها مسجد كبير ولكنه ومع مضي السنوات لم يبن هذا المسجد فقط تهدمت المدرسة التاريخية كذلك العديد من المساجد في حالة سيئة كمسجد السيد ومساجد أخرى تهدمت أو أوشكت على التهدم مثل مسجد الفخرية ومسجد قبة عماد الدين..
وأشار إلى أن المدينة كانت تحوي شبكة مياه وري فريدة تمتد تحت مباني المدينة وتصل إلى المزارع وتستفيد منها كافة مباني المدينة إلا أن مصير هذه الشبكة لا يزال مجهولاٍ ولا يعرف حالتها وهي بحاجة إلى البحث والدراسة ومحاولة استكشافها لتكون معلماٍ تاريخياٍ متاحاٍ.
ودعا شمهان الجهات المعنية في المجالس المحلية وهيئة الحفاظ على المدن التاريخية ووزارة الثقافة إلى القيام بمسؤولياتهم تجاه المدينة والإسراع في إعداد دراسة ميدانية وعمل حصر كامل لمعالم ومباني المدينة التاريخية ومعرفة الأضرار التي لحقت بها وأسباب اندثار الكثير من معالم المدينة ومن يتحمل المسؤولية فالمدينة تحتاج إلى تحرك سريع لإنقاذ ما يمكن انقاذه ولا يفوتنا أن نذكر أيضاٍ بأن هناك قرى تابعة لمديرية ذي السفال تحوي معالم تاريخية عريقة ومآثر قيمة بحاجة إلى حصر وتوثيق وحفاظ قبل أن تأتي عليها السنون ويصل إليها الإهمال..
وزارة الثقافة لن تتهاون في الحفاظ على المدينة
وبعد أن اتضحت الصورة حول وضع مدينة ذي السفال التاريخية قصدنا وزارة الثقافة والتقينا وزيرها الدكتور عبدالله عوبل الذي أكد أن وزارته تولي أهمية خاصة بالتراث سواءٍ كان آثاراٍ أو مدناٍ تاريخية أو غيرها مشيراٍ إلى أنه سيكلف الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بإرسال فريق من المختصين إلى مدينة ذي السفال للاطلاع وإعداد دراسة تقييمية لوضع المدينة والاطلاع على معالمها.
مؤكداٍ أن النتائج والتوصيات التي ستخرج بها هذه اللجنة المتخصصة سيتم العمل بها والوقوف عندها والعمل على تنفيذها وسرعة التخاطب مع المجلس المحلي للقيام بدوره في الحفاظ على هذه المدينة التاريخية التي تحتل مكانة مرموقة منذ زمنُ بعيد وهذا ما أشارت إليه الكثير من المصادر التاريخية.
وأشار إلى أن اللجنة التي ستعمل على تقصي وضع المدينة ستكون ملزمة بإعداد ملف خاص للمدينة وجمع ما يمكن جمعه حولها من هذا الملف للنظر في إمكانية تقديمها لليونسكو لتكون ضمن رعاية واهتمام هذه المنظمة العالمية المعنية بالتراث.
ودعا الأخ الوزير المجلس المحلي في إب عموماٍ وذي السفال خصوصاٍ إلى ضرورة التعاون والتكاتف للاهتمام بهذه المدينة ومحاولة إزالة ما لحق بها من تشويه والتعاون أيضاٍ مع اللجنة التي سترسلها وزارة الثقافة كما دعاهم إلى العمل السريع على إحياء السوق القديم.
وأوضح الدكتور عوبل أن وزارة الثقافة لن تتهاون أبداٍ في تقديم الدعم الممكن وفق إمكانياتها المتاحة والسعي إلى ضمان تفاعل وتعاون المجلس المحلي وبما يهدف إلى الحفاظ على ما تبقى من معالم ومآثر هذه المدينة التاريخية كذلك سيتم الرفع بالتقرير والدراسة والنتائج التي خلصت إليها اللجنة إلى رئاسة الوزراء من أجل المساعدة في إصلاح ما يمكن إصلاحه من ذي السفال التاريخية.